المأزق والمخرج

المأزق والمخرج
حسن حنفي
تولدت حالة من الإحباط أصابت المصريين بعد ظهور نتيجة الانتخابات الأولى. فالنتائج الفعلية بعد الانتخابات غير التوقعات واستطلاعات الرأي قبلها. فقد كانت التوقعات تشير إلى أولوية المرشح الخامس رجل الدولة مع المرشح الرابع الإسلامي الليبرالي. وبعد الانتخابات تصدر الأولوية، مرشح الجماعة ومرشح الفلول. وأصبحت الإعادة بينهما مع فارق بسيط بينهما في الانتخابات الأولى. فما يدعو للتساؤل لماذا انتقل رجل الدولة من المرشح الأول في استطلاعات الرأي إلى الخامس بعد الانتخابات مع فارق كبير بين الأول والخامس يصل إلى مرة ونصف. وكل المرشحين يتكلمون ويعلقون ويفترضون إلا هو. يعد أنه سيتكلم في الوقت المناسب. فهل حدث تآمر عليه نقله من الأول إلى الخامس، كما حدث دفع للخامس، مرشح الفلول، ونقله إلى المرشح الثاني؟ ليس وراء المرشح الخامس، رجل الدولة، جماعة تسانده. في حين أن وراء المرشح الثاني، مرشح الفلول، عدة جماعات تسانده النظام السابق، جهاز الدولة، الحزب الوطني المنحل، رجال الأعمال. ووراء المرشح الأول جماعة تسانده بصرف النظر عن شخصه. ووراء المرشح الثالث، الناصري، تاريخ مصر الحديث وملايين الفقراء والفلاحين والعمال وسكان العشوائيات والمقابر، والعاطلين والمحرومين والمهمشين. ووراء المرشح الرابع، الإسلامي الليبرالي، نصف الإسلاميين ونصف الليبراليين. ثم تحول الإحباط إلى حيرة، والحيرة إلى مأزق عندما أصبحت الإعادة بين المرشح الأول، مرشح الجماعة، والمرشح الثاني الذي يتلوه مباشرة، مرشح الفلول. والثوار لا يريدون مرشح الفلول، والليبراليون لا يريدون مرشح الجماعة. فما العمل؟ الاختيار بين اثنين أحلاهما مر. وفي المثل الشعبي إيه اللي رماك على المر قال اللي أمر منه . وفي المثل القديم كالمستجير من الرمضاء بالنار . ولكل مرشح حجج أنصاره. فمن يريد انتخاب مرشح الفلول يعتمد على الشائعات والصور المشوهة التي روجت لها بعض أجهزة الإعلام ضد مرشح الجماعة. يعتمد على التخويف من الخصم وليس على عرض برنامجه الخاص. فهو لا يريد الدولة الدينية مع أن الجماعة أعلنت عدة مرات أنها من أنصار الدولة المدنية، وأنه لا دولة دينية في الإسلام يحكمها رجال الدين كما كان الحال في أوروبا في العصر الوسيط، وسيطرة الكنيسة على الدولة، وأن الشريعة مجرد مبادئ عامة لحقوق الإنسان لا فرق بين مسلم وغير مسلم. وهو ما نصت عليه جميع الدساتير السابقة، وأن الدولة كيان صوري لا دين لها. إنما الدين للمواطنين، والمواطنة هي أساس الحقوق والواجبات وليست الطائفة، وقانون الأحوال الشخصية حتى الآن مرتبط بكل جماعة دينية وليس القانون العام. والحدود تحتاج إلى ظروف لتطبيقها فلا يطبق حد السرقة ونصف المجتمع تحت خط الفقر. ولا يطبق حد الزنا إلا إذا كان فعلا فاضحا تتوافر فيه الشهود وفي مجتمع يصعب فيه الزواج لكثره أعبائه منذ الخطوبة والمهر والسكن وحتى الزفاف. الحدود واجبات لا تطبق إلا بعد الحصول على الحقوق. فلا توضع العربة أمام الحصان. والحد له سبب وشرط ومانع بتعبير الأصوليين. فالتخويف بتحويل مصر إلى دولة إسلامية مثل أفغانستان يحكمها الطالبان وهم كبير لأن الليبرالية في مصر تأسست منذ أكثر من قرن. والمرأة المصرية غير المرأة الأفغانية أو الصومالية. والمجتمع المصري غير المجتمع الأفغاني أو السعودي. واستعمال المثل قول سائر جنة شفيق ولا نار الإخوان لا يطابق الواقع. فجنة الأول وهم بل هي سجون وتعذيب ومعتقلات وتزييف انتخابات وتسلط واستبداد ورشاوى وعمولات وتهريب أموال وفساد. ونار الثاني ليست حارقة بالدرجة التي يستحيل إخمادها بتاريخ مصر الطويل وتعدد الآراء الفقهية وفتح باب الاجتهاد طبقا لظروف كل عصر، إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها . والحقيقة أن اختيار مرشح الفلول هو استمرار للنظام السابق وكأن الثورة لم تقم لإسقاطه وكما هو الحال في المثل الشعبي كأنك يا بوزيد ما غزيت . سيفرج عن رموز النظام السابق إفراجا صحيا أو لنقص في الأدلة ويتم الانتقام من الجماعة بعد تذكيرها بأزمة مارس 1954، وقضاء الثورة عليها بدعوى استعمال العنف الذي لا يمكن تجنبه في حالة نجاح مرشح الفلول. ويتحرج الكثير من اختيار مرشح الجماعة لأنه غير مستقل في قراراته. فالحزب مازال هو الذراع الأيمن للجماعة بالرغم من إعلان استقالته من الحزب والجماعة كي يصبح رئيسا لكل المصريين. ويُقال أنه ليس لديه شخصية الزعيم بل الموظف الإداري المطيع. يفتقد إلى الكاريزما التي يحتاجها الرئيس في مصر. فمازال عبد الناصر في الذاكرة، يعتمد عليه مرشح الناصريين الذي صعد إلى المرتبة الثالثة في الانتخابات الأولى بل إنه بقصر قامته لا يوحي بالزعامة، وبخطابه الخالي من الخيال السياسي لا يثير الجماهير غير الحزبية. وقد كان عمر قصير القامة، به عرج. ولم يمنعه ذلك من أن يكون أعظم خليفة عند المسلمين. وكان عليّ أيضا قصير القامة ولم يمنعه ذلك من أن يكون من أشجع قادة المسلمين. وكيف تستولى الجماعة على كل شيء و تشفط الدولة بأكملها مجلس الشعب، مجلس الشورى، الرئاسة. والآن الصراع حول اللجنة التأسيسية للدستور. ويلي ذلك انتخابات الاتحادات والنقابات والمجالس المحلية. ومصر لا تستطيع أن تتنفس برئة واحدة، ولا أن ترى العالم بعين واحدة، ولا أن تسير بقدم واحدة. وماذا عن القوى الثورية الأخرى التي أزيحت عن المؤسسات الدستورية أكثر من مرة حتى شعرت بتهميشها وبأنها زرعت واقتطف غيرها الثمار؟ وماذا عن الجيش الذي مازال يعتبر نفسه الأمين على ثورة 23 يوليو 1952، وهو عماد الدولة وعمودها الفقري على مدى ستين عاما؟ هل يسمح بأن تسقط الدولة في يد تيار واحد، إسلامي أو ماركسي؟ وماذا عن العلاقات الدولية وعلاقات مصر بمحيطها الإقليمي والدولي؟ هل تصبح صورة مصر مثل أفغانستان والصومال والسودان؟ هل تستطيع مصر أن تلملم شمل العرب وهم متعددو الاتجاهات والمذاهب ونظم الحكم؟ ويرى فريق ثالث أن الخروج من هذا المأزق، وعدم الرضا عن مرشح الفلول أو مرشح الجماعة هو المقاطعة إما بالذهاب وإبطال الصوت أو بعدم الذهاب على الإطلاق حتى تزداد نسبة المقاطعين، وتعادل ملايين المقاطعين ملايين المصوتين، وهو موقف المرشح الناصري. فلا خيار بين الاستبداد الديني والاستبداد العسكري. وبالرغم من صدق هذا الموقف مع النفس إلا أنه يصب في النهاية في صالح مرشح الفلول الذي تجند الدولة كل أجهزتها لصالحه ، بالإضافة إلى ما تمتلكه من قدرات على التزوير الناعم من خلال أجهزة وزارة الداخلية. وخطأ هذا الموقف السياسي عدم التفرقة، كما يفعل الماركسيون، بين التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي. فالتناقض الرئيسي الآن هو بين الثورة بصرف النظر عمن يمثلها والثورة المضادة أي الفلول الذين استردوا أنفاسهم ورتبوا صفوفهم بعد أن أُخذوا على غرة في يناير 2011. فالاختيار الآن بين الثورة والثورة المضادة، بين مرشح الجماعة ومرشح الفول. صحيح أن مرشح الجماعة لا يمثل كل فصائل الثوار وربما لا يكون من أوائلها ولكنه حمل عبء الثورة وتجنيد الملايين في الميدان. أما الخلاف مع الجماعة ومرشحها فهو تناقض ثانوي يمكن حله بالحوار خاصة وأن داخل الجماعة نفسها هناك يمين ووسط ويسار. وينفصل اليسار الممثل في شباب الإخوان. ويُفصل الوسط الممثل في المرشح الرابع الإسلامي الليبرالي بعد أن انفصل من قبل حزب الوسط. وبطول الممارسة السياسية تتغير الجماعة خاصة بعد أن أدركت أن سيطرتها على كل مؤسسات الدولة خطأ كبير، وأنه خلق أعداء لها أكثر مما خلق أنصارا. وقد رفض نصف أعضاء مكتب الإرشاد تقريبا أن يكون للجماعة مرشح رئاسي. وتتم المقارنة الآن بين الحزب الوطني المنحل الذي استولى على كل شيء في الدولة، والجماعة التي استولت على كل مؤسسات الدولة حتى ولو كان الأول بالتزوير، والثاني بإرادة الشعب. وتجربة الجماعة في مجلس الشعب على مدى خمسة أشهر تقريبا وكما رآها المشاهدون لم تكن دائما سارة ابتداء من الآذان في المجلس في أوقات الصلاة، وقلة خبرة النواب بالشأن السياسي.
مازال أمام مرشح الجماعة فرصة في أن يكون بوتقة تجميع لكل التيارات والقوى السياسية، وأن يكوّن ائتلافا وطنيا عاما يجتمع على الحد الأدنى من المبادئ الوطنية العامة وهي أهداف الثورة التي قامت الثورة من أجلها مع التعددية النظرية طبقا للمبدأ الفقهي القديم، الحق العملي واحد والحق النظري متعدد. ويكون ذلك بمثابة قارب نجاة لإنقاذ الثورة في لحظة تاريخية كل شيء، مجلس الشعب، والرئاسة، واللجنة التأسيسية، مهدد بالإلغاء لعدم الدستورية بحكم القضاء.
مفكر مصري
/6/2012 Issue 4235 – Date 26 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4235 التاريخ 26»6»2012
AZP07