اللغة العربية (1)

اللغة العربية (1)
وشيجة بين الأمة وأبنائها

قرأت مقالات عن اللغة العربية في صحيفة الزمان الغراء لأساتذة كرام وعلماء دين أجلاء أمثال السيد حسين الصدر والأستاذ سعد الدين خضر والأديبة غادة السمان والأستاذ رجب السامرائي والسيد هادي الزيدي والباحث السوري ماجد أبو ماضي وغيرهم .اتسمت كتاباتهم بالأخلاص والأعتزاز بلغتنا (لغة القرآن العظيم والنهج القويم) (العربية الحسناء .. لغتنا) الأصيلة الرشيقة الأنيقة الدقيقة تنصت اليها بخشوع تجويدا وترتيلا) وليست (العتيقة) كما وصفها أحد الكتاب في مقال قرأته منذ فترة – وقد احتفظت به – في جريدة عراقية – ولا أحب أن أذكر الأسماء – خشية السجالات .
ومع احترامي لرأي الأخ الكاتب وما يؤمن به ألا أنني وددت عرض وجهة نظري حول موضوعه الذي انتقد فيه قواعد اللغة العربية .
وراح يكتب وينظر ويورد الأمثلة ويتهكم باسلوب ساخر باللغة العربية وعلمائها . ونسي أن كتابة مقالة بصورة سليمة من الأخطاء النحوية ثمرة تمسكه بقواعد اللغة . فلماذا لم يلحن بكلمة أو جملة .. وكان ملتزما تماما بالقواعد وكان لسانه قويما وأسلوبه معصوما من اللحن والخطأ .. فهل عرض مقاله علي رجل ضليع باللغة لقراءته قبل نشره بغية التأكد من وجود الخطأ النحوي أو عدمه – كما يقول بوجوب ذلك – أن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم المعجز لغة مصدري التشريع الأساسيين في الأسلام القرآن والأحاديث النبوية الشريفة المروية عن النبي (ص) ولا تتم الصلاة وعبادات أخري في الأسلام ألا بأتقان كلمات اللغة . واللغة العربية للأمة وشيجة قوية بين أبنائها فتربط ماضيها بحاضرها . وهي أصل أقدم اللغات في الأرض . وقد حفلت مسيرتها بأحداث كبيرة كان بعضها مصدر خير لها . وكان بعضها الآخر مثار متاعب لها وللمتكلمين بها . وقد ابتليت العربية بعدوين خطيرين العدو العثماني وآخر أشد عداوة وأفتك أسلوبا هو الأستعمار الذي شن علي العربية حربا ضارية وعمد الي زعزعة ثقة أبنائها بها . وعزا تأخر العرب في مضمار الحياة الي لغتهم ثم خرج بدعوات كثيرة منها صعوبة النحو مما يجعل فهمها أمرا صعبا علي طالبيها واقترح التحلل من نحو اللغة . واليوم تحارب اللغة بأيدي أبنائها فمنهم من يدعو الي تغيير خصائصها وألغاء بعض سماتها الأصيلة والأستهزاء بها وبرجالاتها العظام والتهكم عليهم بكلمات غير لائقة وغير موجودة بكل اللغات مثل (طركاعتويه) ساخرا من (سيبويه) كما جاء في مقال الكاتب آنف الذكر – الذي جاء بأمثلة منها : (جاء الرجلان) و (جاء الرجلين) الأولي صحيحة والثانية خاطئة . ويقول : أن الجملتين (تعطي نفس المعني) لكنه غفل أو تغافل عن جمل كثيرة لا تحصي أذا لحن بها فأنه يشوه المعني ويفسده فأذا قلنا : (فسيري الله ورسوله عملكم والمؤمنون) بفتح اللام في (رسوله والمؤمنين) اختلف المعني . وفي هذه الآية الكريمة : (أن الله بريء من المشركين ورسوله) فأذا قرأناها بكسر (لام الرسول) اختلفت سلامة المعني كثيرا . وفي الآية (ويل يومئذ للمكذبين) فأن قلنا (للمكذبين) بفتح الذال فأن (لمكذبين) هم الرسل وهذا خطأ جسيم.
ومثال آخر أختم به الأمثلة العديدة فعندما نقول (أقبل أخوك باسم) فمعني هذا أن للمخاطب أخا أسمه (باسم) وقد أقبل أما أذا قلنا : (أقبل أخوك باسما) فمعني هذا أن للمخاطب أخا وليس بالضرورة أن أسمه باسم ولكنه جاء (مبتسما) وشتان في المعني بين الجملتين .
ويتهم الكاتب الأمة العربية بالتخلف (بسبب نصب جل جهدها علي اللغة) ويقارن بيننا وبين الهنود الذين يعبدون (الهوش) – كما يذكر – أن لديهم معامل وطائرات وأقمار صناعية .. أما نحن (لدينا علم أعراب اللغة العربية) – نص قوله – وأورد له حكاية عن واحد من أولئك الهنود يذكرها الأستاذ عبد الهادي الزيدي حين فرش له جريدة محلية لكي يجلس عليها علي درجة أحدي السلالم وكان بانتظار صديق فاستغرب وتعجب (عابد الهوش) كيف يجلس علي جريدة مطبوعة باللغة العربية وبالحرف العربي .. أجلالا منه للغة العربية .
ويؤكد هذا الأستاذ الزيدي أننا العرب أولي من غيرنا بالحفاظ علي لغة القرآن ولسان الأسلام . أما دعاة التغيير فدعواتهم معادية للغة العربية المقدسة لأن قواعدها تأخذ القدسية منها . وهذه الدعوات هي لزرع الفرقة بين أبناء الأمة .. أما التسهيل والتيسير والتبويب فمن مهمة المربين والمعلمين والمدرسين .
أما التغيير في قواعد اللغة العربية فيقول (الباحث الأستاذ ماجد أبو ماضي) في جريدة الزمان بعددها 3546 أنه (يؤثر علي موروثنا اللغوي وتراثنا الحضاري وأرثنا الفكري . وبخاصة أذا علمنا أن هذا التغيير في تفسير الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وسيؤدي بالتالي الي نسف كل الكتب التي وضعت في تفسير كل ذلك .. كما أن اللغة ستتأثر وستضعف بنيتها وتتغير ألفاظها وتراكيبها مما يؤدي الي أقتلاع اللغة من جذورها .. ووضع لغة جديدة قد يصعب علي الأجيال التأقلم معها.
ويذكرنا الكاتب بالمحتل الأنكليزي عام 1914 وكيف أن بعض الجنود البريطانيين كتبوا مذكرات عن العراق وعن التقاليد العشائرية في الجنوب واعتمدت كوثائق تاريخية . ويواصل قوله أن هؤلاء ربما لم يحصلوا علي شهادة الأعدادية والبكالوريوس من أين علم بذلك ؟ وما دري أن أكثر العسكريين – الذين اشتركوا في احتلال العراق – هم من رجال المخابرات البريطانية المتمرسين . وامثالهم الكثير جاء بصفة (مضمد وختان الأطفال) أو بصفة سائح في الأهوارأو مستشرق ..تؤكد ذلك كل المذكرات التاريخية .. وكتب الأنكليز أنفسهم .. والمتداولة اليوم في المكتبات التي تثبت أنهم من رجال الفكر والسياسة . أمثال المستشرق البريطاني (ويلفرد ثسيكر) الذي عمل في السياسة والجانب العسكري في عقد الاربعينيات . وعاش في أهوار جنوب العراق من نهاية 1951 حتي حزيران 1958 وهو من خريجي أكسفورد وزميله (برترام توماس) السياسي البريطاني وآخرون .. أصحاب شهادات عليا يضحون ويتعبون خدمة لبلادهم وهم مزودون بعلم رفيع (عرب الأهوار – ثسيكر)
كما أن جامعات بريطانيا من الجامعات التي لا تتساهل في قضايا العلم . وتهتم باللغة والأدب ولا يحصل الشخص علي الشهادة العالية الا بصعوبة وجهد كبير . أما (هتلر – نائب العريف) فقد قرأت كتابه (كفاحي) فلم أجد فيه خطأ أملائيا أو نحويا – ماذا يدل ذلك ؟
أود أن أسأل الكاتب : هل أن سبب تخلفنا القواعد ؟ أم سببه تلك الهجمات الاستعمارية المتعددة والمتنوعة الأغراض والأهداف .. والمتعاقبة .. المغولية والعثمانية والانكليزية والامريكية ..حتي يومنا هذا . أن هؤلاء جميعا هم سبب تخلفنا وهم الذين خلفوا لنا الثالوث البغيض (الجهل والفقر والمرض) الذي لا تزال آثاره الضارة والمدمرة باقية الي وقتنا الحاضر . هم سبب البلاء وليس العربية التي هي من ضحاياهم . وهل يمنع الكاتب أو غيره من العراقيين قوله (جاء الرجلان) بشكل صحيح من اختراع علاج لمرض السكر أو السرطان أو جهاز علمي لتطوير الكهرباء مثلا.
محمد ياسين الهاشمي – بغداد

/2/2012 Issue 4116 – Date 7- Azzaman International Newspape

جريدة «الزمان» الدولية – العدد 4116 – التاريخ 7/2/2012

AZPPPL