اللعوب

قصية قصيرة

 

اللعوب

 

 

رغم انها لم تتجاوز الثانية والعشرين من العمر.. الا انها جمعت من الصفات بما فيها المكر والخبث والخداع ممن  خبرن الحياة وكل قساوتها .. ومن لهن باع طويل في احضان الرذيلة.

 

وقد وهبها الله مسحة جمالية .. وجسد رائع التكوين قل نظيره بحيث كل من راها يرغب بها ويتمناها فكل ما فيها  مثير الى حد اسالة اللعاب.. اما لسانها فانها جمعت حلاوة الدنيا  فيه.. ولدغات الافاعي  في آن معا.

 

كما انها تمتلك قابلية اقناع فضيعة وبامكانها اقناعك بما تريد وتسير معها بدون ارادة منك حتى وان كان في ذلك هلاكك.. جمعت كل هذه الخصال وكل ذلك قليل بحقها .. فانها داهية الزمان.. وكانها جمعت بيديها كل مكر  النساء ودهائهن عبر التاريخ.. لا تتورع بالقيام باي عمل ومهما كانت  نتائجه وهي بعيدة كل البعد عما يجري.. كالافعى تلدغ وتخبئ رأسها اما عائلتها فكانت عائلة مفككة الاولاد يتسكعون في الشوارع والبنات الصغار لا احد يسأل عنهن واكبرهن بعمر عشر سنوات.. والوالد لا يهمه من امر الدنيا غير تامين شرابه يوميا.. والوحيدة في العائلة هي الام التي تجهد بطلب المعونة من الاهل والمعارف والجيران لتامين لقمة العيش لهم.. لان راتب الاب التقاعدي لا يكاد يكفيهم وهم عائلة كبيرة.. والام ايضا تركض وراء اطفالها من اجل لمهم والعودة بهم الى البيت لتناول الغداء والعشاء.. وكان الجيران يصيحون الغيث من وقاحة اولادهم وطلباتهم التي لا تنتهي.. وكانت (ساهرة) وهذا هو اسمها هي الوحيدة في البيت التي تعتني بنفسها ومظهرها.. وتشتري   كل ما يحلو لها.. وليس هناك من يستطيع ان يحكم عليها فلقد كانت هي ولوحدها المسيطرة على كل الموجودين بما فيهم  والدها.. وكانت تتحاشى الاخ الاكبر لها خوفا من ان يضربها الا انها تعرف نقاط ضعفه امام حفنة من الدنانير ويا ويل لاحد ان حاول منعها من شيء.. فانه لا يسلم من لدغات لسانها بما وجد في قاموس الكلمات البذيئة.. اضافة الى استغلال يديها في الامر.. فلا يمنعها شيء من ان تضربك باي شيء يقع بين يديها.. كما انها مارست الكثير من الاعمال مرة (حفافة) ومرة اخرى خياطة وتارة صالون حلاقة  واخر المطاف عملت في السحر والشعوذة .. اضافة لقيامها بالبيع والشراء وعمل الجمعيات (السلف) وكل هذه الاعمال التي تمارسها كانت لتأمين مصروفها واحتياجاتها.. وشاءت الاقدار ان تسكن عائلة محافظة قبالة بيتهم وكان ابنهم الكبير ذات التسعة  عشر عاما شابا يافعا رياضيا مجاملا لاصدقائه فاحبه الجميع لمجاملته ولسانه الحلو.. ومساعدته للاخرين.. وكانت عائلته ميسورة الحال بعض الشيء.. ولديهم كل مستلزمات  الحياة العصرية فكانت العيون تتجه صوبهم من الجيران..  اما ساهرة فكانت هي الاخرى نظراتها لا  حسدا كالجيران وانما صوب ذلك الشاب الذي وجدت فيه ضالتها المنشودة ولعبتها الجديدة وليس صعبا عليها ان تصل اليه وتدخل اعماقه بما تملكه من مواهب جمة.

 

وكان لها ذلك في ان تلفت نظره وان تقربه إليها حتى بات لا يفارق دارهم حتى يكون قريبا منها.

 

وبادئ الامر كانت هناك اشارات بينهما سرعان ما تحولت الى مكالمات هاتفية وكانت العائلة تخطط لزواج ولدهم من عائلة محافظة.. وتم اختيار البنت بموافقة ولدهم عليها ورغبته بالزواج منها وتمت مفاتحة اهلها بالامر وتم الاتفاق على كل شيء حتى قام والده ووالدته بتجهيز المستلزمات كافة لزواج ابنهم.. ولم يبق غير عقد القران  والزفاف ولقد لاحظت والدته كلما فتحت معه امر الزواج يحاول تاجيل الموضوع باعذار واهية وبعد مدة ادركت الام بحال ولدها وما الت اليه الامور مع تلك البنت.. وهنا اخبرت والده حتى  تتدارك الامر وطلبه الوالد واجلسه وحادثه بهدوء وعرف منه انه يريد هذه الفتاة ولا يريد تلك الاولى التي تمت خطبتها له.. ورفض الاب طلبه وكذلك والدته  وافهموه ان هذه العائلة لا تناسبهم وهناك فوارق اجتماعية كبيرة بينهما.. الا ان الولد كان اصما لا يسمع شيئا ولا يفقه شيئا مما يقولون.

 

وفشلت معه كل العقوبات المفروضة عليه.. وبقى هو مستمرا  على علاقته بتلك البنت التي كان يلتقيها في دارهم بعد ان ينام اهلها.. وكثيرا ما كان يخرج معها بعيدا عن اعين الجيران واهله حتى ذات يوم وجاء لوالدته واسر لها  بخبر قد اصعقها به عندما قال لها بان البنت حامل منه ولم تصدق الام الخبر واعتبرته  من اجل لوي ذراعهم .. ولكن سرعان ما جاءت ام ساهرة الى لقاء ام احمد لتعلمها ان ابنتها حامل من احمد وترجوها ان تلملم الامر قبل ان تكون هناك فضائح ومشاكل لا حصر لها وطلبت ام احمد ان تاخذ البنت بنفسها الى الطبيب للتاكد.. وفعلا كان لها ذلك واتضح ان ساهرة حامل بشهرين وداخلة بشهرها الثالث.. وزفت الام هذا الخبر الى الوالد الذي ثار غاضبا ورافضا ان يتخذها زوجة لابنه وليكن ما يكون عليه الامر.. الا ان احمد ارسل أناس ممن يحترمهم والده وطلبوا منه ان يوافق على زواجه خلاصا للمشكلة وبعدها ينظرون بامره.. واخيرا اضطرت العائلة للموافقة على هذا الزواج وسط استذكار الجيران للامر.. وتم الزواج بصورة مستعجلة وخلال ثلاثة ايام. ولم يدعو والد احمد احدا الى زفاف ولده وجعل الامر يقتصر على عائلته فقط وعائلة البنت وبعد ان انقضت سبعة ايام من الزواج حتى كشرت ساهرة عن انيابها وضربت حولها طوقا من العزلة لا تشارك باي شيء من اعمال البيت وما ان يحين وقت الفطور حتى تاخذ فطورها وزوجها وتدخل غرفتها ولا احد يراها حتى ترن ساعة الغداء.. وهكذا.. وكان زوجها ياخذها ويخرج بها ولا يعودان الا ليلا.. وحاولت الام ان توجه ولدها وتعلمه كيفية التعامل مع زوجته الا انه لم يسمع لها.. وعرفت الام ان زوجته قد هيمنت عليه تماما.. ثم بدأ ولدهم يتحول تدريجيا الى شخص جديد في تعامله مع اهله.. يتشاجر لاتفه الاسباب ويسيء لاخوته الصغار  اذا قالوا شيئا عن زوجته وان كان كلاما عفويا.. وعرفت الام انها تريد ان تاخذه وتستقل بدار لوحدها.. وكل ذلك والوالد لا يعلم بهذه الاخبار.. حتى قص عليه ولده الصغير كل ما يجري ولما سأل زوجته اجابت بالايجاب.. وطرده الوالد من البيت واعطاه كل الاثاث التي اشتراها له وقال له: اثبت لي انك رجل فما كان من احمد سوى ان أخذ زوجته وخرج بعد ان استاجر دارا قريبة من اهله وكان الوالد يراقب ولده عن كثب خوفا من ان يقع في مشكلة من ورائها.

 

واول ما عمدت ساهرة الى فعله هو ان تغرقه بالديون وشراء الكثير من الاثاث ومستلزمات البيت الجديد بالاقساط ولكنها لم تدفع قسطا واحدا.. وكان زوجها يعمل جاهدا الا انه لم يستطع ان يدفع كل ما عليه من ديون في الوقت الذي تستولي هي على ما معه من نقود تنفقها على نفسها من صبغ الشعر الى الميش والعطور والملابس والمكياج ثم راحت تنفق على اهلها وتشتري لهم الثياب والطعام.. ثم راحت تفتعل المشاكل لزوجها بان ابن الجيران  قد اسمعها كلاما بذيئا.. وتجعل زوجها يتشاجر مع الجيران ويصل الحال الى الاعتداء بالايدي وتدخل الشرطة بالامر.. وما ان ينتهوا من مشكلة حتى كانت هناك مشكلة جديدة.

 

واخيرا رجعت تمارس اعمالها السابقة في قراءة طالع النساء.. وكل ذلك واحمد غارق  في حبها وما تقوله له يعتبر دستورا لا يحيد عنه.. ورزق طفلا وازدادت مصاريف العائلة.. وكانت  والدته تمده بالفلوس خلسة عن ابيه.. وفي مرة كان في زيارة اهله يطلب منهم العون وحاولت والدته ان تنصحه بعدم التبذير ودفع ما عليهم من ديون وان لا يجعل  زوجته تشتري شيئا  دون اذنه.. فكل ما قدر عليه.. ان يقول لتلك التي سهرت الايام والليالي في تربيته والعناية به انا لا اسمح ان تتكلمي عنها بشيء فهي علم وتاج على راسكم.. وضحكت الام وقالت: يا اسفي عليك كنت اظن انك ستكون سندي وعمود ظهري.. وما كنت ادري انك خرقة وسخة لزوجتك.. وبعد ايام من هذه الحادثة علمت العائلة ان ابنها قد تم سجنه لاعتدائه على  رجل جاء يطالب  بديونه التي بذمتهم.. وادعت زوجته انه جاء للاعتداء عليها..  فما كان من الوالد حتى تبرأ منه تماما عشائريا وقانونيا.. واعلن وفاته لكل الاهل والمعارف وادرك احمد وهو في سجنه ان احدا لا يزوره وبات وحيدا.. حتى زوجته كانت زيارتها له متباعدة وراح يتوسل بهذا وذاك من الاصدقاء الا انهم رفضوا مساعدته بعد ان تنكر للجميع.. وهنا عرف فداحة خطأه وما اقدم عليه في بيع اهله من اجل امراة لم تجلب له سوى الدمار والاهانة والانحطاط.. ولكن كان كل ذلك بعد فوات الاوان.

 

محمد عباس اللامي – بغداد

مشاركة