الكل يشبهني وأشبهه وأنا منه وهو مني – نصوص – عبدالله المتقي

القاص المغربي رشيد قدوري:

الكل يشبهني وأشبهه وأنا منه وهو مني – نصوص –  عبدالله المتقي

قاص ساخر حد الهلوسة والجنون المعقلن ، سخريته سوداء لاذعة ، ويستقيها من حقول متعددة ، ثقافية ـ اجتماعية ، وسياسية ، ليعيد إخراجها في شكل قصص قصيرة ، وقصيرة جدا .

على هامش اصداره ” هكذا جن قلمي ..هلوسات قصصية ” ضمن منشورات الموكب الأدبي ، كان لنا معه هذا اللقاء :

{ متى تبدأ القصة لديك ، وكيف تقبض على الجملة الأولى متلبسة؟

– في الحقيقة أنا لا أقبض على الجملة الأولى بل عادة ما أقبض على الجملة الأخيرة في القصة أو ما يعرف بالقَفْلَة ..تلك الجملة المعبرة والمركزة هي التي تجعلني أتخيل لها الشخوص والفضاء والتسلسل الزمني، تلك الجملة هي مركز الثقل في القصة بدونها لا طَعْمَ للنص بأكمله …أما كيف أقبض عليها فالأمر يشبه كثيرا صيادا يهيم في بحر الدنيا وعينه دوما في حالة ترقب لأي حدث أو موقف مثير لتلتقطه صنارته الكتابية …

“هكذا جن قلمي” ، فهل تشبهك يدك ؟

يدي ما هي إلا أداة تمسك قلمي …قلمي هذا الذي حبره من جنوني…

لهذا إن قلت أكْتُبِي كَتَبَتْ وإنْ قلتُ تَوَقَّفِي تَوَقَّفَتْ .. ومادامت هذه يدي وهذا قلمي وهذا جنوني فالكل يشبهني وأشْبِهُهُ ،وأنا منه وهو مني..

{ للسخرية حضور مكثف ، فهل يمكن الحديث عن ذهابك باتجاه السخرية ؟

– أقول في إهداء لابني في بداية هذه المجموعة بأني كنت أحلم أن أصير شاعرا.. لكني لم أواصل الدرب حتى أصدر ديوانا ، لأني وجدتني (مهلوسا) أكثر، أميل إلى جنون الكتابة وسخريتها ..وهي ليست وليدة اللحظة بل أبي كان ساخرا ليست تلك السخرية من الناس و الأشخاص بل كان يمتلك سخرية الموقف بمعنى أن يعطيك رأيه من الواقعة أو الظاهرة المعروضة بطريقة ساخرة تجعلك تتقبلها بابتسامة عريضة وواعية ..فتربيت في هذا الجو الساخر الذي انتشر بين جميع إخوتي …لحسن حظي أني أنا الوحيد الذي دونت تلك المواقف الساخرة واعدت ترتيبها في شكل قصص ..واحرص دوما على تدوين أي موقف طريف أتعرض له، فقط يبقى التفكير في الأسلوب أو القالب الشيق الذي أضعه فيه حتى يروق للقارئ ..ثم إن السخرية بالنسبة لي ليست فقط تلك المواقف الطريفة بل المواقف العنيفة أيضا سواء كان الأمر سياسيا أم اجتماعيا أم أدبيا أم أخلاقيا.. أي تلك الأشياء التي لا يستوعبها عقلي ومنطقي فتنتابني حالة الجنون تلك واكتب عنها ناقدا لاذعا …

{ في ذات السياق ،هل يمكن الحديث عن مشروع قصصي ساخر لرشيد قدوري ؟

– نعم ويمكن القول أني دشنت هذا المشروع القصصي الساخر بإصدار المجموعة (هكذا جن قلمي _هلوسات ساخرة ) …ما وصلني لحد الآن من صدى حول ما كتبت سواء من قراء أم من قصاصين أم من نقاد أيضا كلهم تقريبا اجمعوا على:” أنك بدأت مغامرتك في هذا اللون فلا تراجع إلى الوراء” ..وفعلا هذا هو اللون الذي أجد فيه نفسي أكثر ولازلت أواصل نفس النهج في الكتابة من خلال ما أدونه من قصص مكتملة أو ما أنشره من تغريدات على صفحتي الفيسبوكية …لكن الروح الشعرية لها حيزها أيضا و تستيقظ في داخلي بين الفينة والأخرى، فأجدني اكتب شذرات تعرف عشاقها بين الأصدقاء المتابعين لصفحتي ويعرفونها ، لهذا لا أريد أن أخنق تلك الروح الشعرية على حساب الروح الساخرة فكل جانب يتحمل هذياني بالشكل المناسب والمريح…

{ هلوساتك قصص قصيرة ، وقصص قصيرة جدا ، فأين تجد نفسك ؟

– أجد نفسي في الشكل الذي يناسبني لحظة الكتابة …ولست أنا من يتحكم في شكلها بل كل هلوسة تفرض شكلها فهناك الهلوسة السهم أو الطلقة هذا النوع لا يحتاج وقتا طويلا بقدر ما يحتاج تركيزا قويا لأن الهدف صار أمامك فلا وقت لتضيعه من بين يديك ..وهناك الهلوسة التي تتطلب حبكة سردية حتى تصل إلى الجملة الساخرة التي تفجر النص والقارئ معا ..وربما اذهب بعيدا لأقول : ليس بالضرورة أن تكون الهلوسة قصة قصيرة أو قصة قصيرة جدا …فان المتتبع والمطالع لهذا الإصدار سيجد بعض الجمل أو الفقرات استهل بها كل نص نص ..هي عبارات كتبت في لحظتها لكن بعد أن فصلت النصوص وعنونتها بدأت أوزع تلك العبارات المناسبة لروح كل نص ..بمعنى أن تلك العبارات هي أيضا شكل من أشكال الهلوسات التي أكتبها كأن أقول مثلا

لن يتقدم العرب حتى تتساوى

(جيماتهم) لفتاة حسناء

(بجيماتهم) لمقالة فكرية

فهده واحدة من الطلقات التي تعالج ظاهرة صارت منتشرة كثيرا كأن يكتب المبدع مقالة او قصة او قصيدة ولا يكثرت له الناس ويكفي أن تضع فتاة صورة على صفحتها حتى ولو كانت صورة مستعارة تصل الجيمات الى اعداد فلكية .بمعنى أن أمتنا صارت لا تقرأ .ومقياس تقدم الشعوب كما ه معروف هو القراءة ..

او أقول :

وأنا أتابع حظ الأنثى في هذا العصر الأزرق

صرخت بملء جنوني :أريد أن أكون شاعرة

{ غالبا ما تلجأ إلى استخدام اللغة ” الدارجة” في أسروداتك ،والسؤال هو كيف جاء هذا الخيار، ولماذا ؟

– الدارجة لغتنا الأم بها نعيش واقعنا وأحداثنا وحواراتنا ونعبر بها عن اغراضنا ومواقفنا وأظن حتى تعريف ابن جني للغة لا يخرج عن هذا السياق لكن تبقى مشكلتها الوحيدة أنها محدودة التواصل والتفاعل والفهم إلا بين الناس الذين يتكلمون بها …و هذا لا يعني أن نتجاهلها او نحاول أن نترجم كل عباراتها إلى اللغة الفصيحة.. فأنا اكتب عن مجتمع مغربي يتواصل بهذه اللغة يبكي بهذه ويضحك بهذه اللغة ..فأحاول أن أسرد القصة باللغة العربية الفصيحة المتفق على قواعدها وتراكيبها وفنيتها لكن عندما أصل الى الجملة الثقل في النص اعجز عن ترجمتها لأن تلك الترجمة في كثير من الأحيان تفقد الجملة الدارجة كثيرا من حمولتها الفكرية لهذا اكتبها كما خُلقت .. فقط ما أصر عليه أن يتم تعيين الجملة على أنها لسان دارج كأن أعمل على شكلها ووضعها بين قوسين حتى تميز نفسها ثم أني لا أرى عيبا في توظيف دارجتنا وخصوصيتنا ..فهناك العديد من الكتاب وصلوا إلى العالمية انطلاقا من خوصويتهم …فهذا طموح ليس سهلا طبعا ولكن ليس مستحيلا أيضا…

{ متى قررت أن تكون قاصا مهلوسا ؟ وهل وضعت خطة لتحقيق هذا الاختيار؟

– قررت أن أكون مهلوسا يوم وجدتني ضمن كوكبة من الكتاب والشعراء الشباب الذين يحملون طاقة من الرفض ..رفض كثير من الظواهر الثقافية المشينة والرغبة في التغيير وخطتي التي وضعتها نصب عيني لأكون مهلوسا هي ما عبرت عنه في تقديم (ما الهلوسة): إن خطاب الهلوسة هو خطاب الرفض الممزوج بالسخرية المرة وليس مجرد رفض من أجل الرفض، كما أنه ليس خطابا سطحيا يستهدف تصفية حسابات شخصية… الهلوسة أعمق، إذ تصارع أفكارا شاذة وظواهر مشينة لا تقتصر على ميدان معين.. قد تبدأ الهلوسة من محيطها الأدبي الثقافي، لكن تتسع إلى ميادين أخرى، لأن الظواهر المشينة والشاذة لم تترك ميدانا إلا ونخرته.. لهذا كلما كان الصراع فكريا؛ كلما كانت الخلخلة أوسع وأشمل وأعمق.. أما إذا نزلت إلى قعر التشخيص، تحولت إلى “شَنْشَفْنِي نْشَنْشْفَكْ” أي صراع ديكة … باختصار: الهلوسة جنون العقلاء، وهي حلقة من حلقات السخرية الصادمة التي تكسر كل الطابوهات…

{ هل ثمة قواعد لكتابة هلوسة ساخرة ؟

– الهلوسة خطاب مختلف عن أنواع كثيرة وسائدة من الخطابات، أو تحاول أن تميز نفسها: عن الخطاب السياسي الخشبي… وعن خطاب الشارع الشفوي الساذج… وعن الخطاب الأكاديمي المتعالي… وعن الخطاب الأديولوجي بشقيه الديماغوجي والدوغمائي، وعن الخطاب الهزلي التهريجي… وعن الخطاب المجاملاتي (الشيميكولوري)… وعن الخطاب الأخلاقي المثالي…

وهذا الخطاب يتخذ الشكل المناسب له قد يكون في قالب قصصي اوفي قالب قصصي قصير جدا او في قالب حكمة او في قالب مقالة او في قالب قصيدة حتى… فقط يجب استحضار العناصر الآتية :الرفض المقنع، السخرية المرة، الجنون العاقل

{ إذا كتبت هلوسة قصيرة جدا عن الربيع العربي ، فماذا تقول ؟

– الآن نعيش مرحلة ما بعد الربيع العربي والذي في الحقيقة صار خريفا عربيا بعد ما عاث فيه الدواعش سفكا وقتلا ودمارا ونلاحظ كيف أصبحت الدول التي عرفت ما سمي ربيعا عربيا واقرب مثال الجماهيرية الليبية لهذا كتبت :

رغم أن القذافي كان(يُطَزْطِزُ)كثيرا

إلا أنه قال جملتين بليغتين:

– من أنتم ؟

– وسوف تندمون أشد الندم…

(يطزطز ) مأخودة من عبارة (الطز) التي كان يرددها كثيرا

{ لو لم يحدث أن تكون كاتبا مجنونا ، فكيف كنت ستتعامل مع هذا العنف الذي يلف العالم ؟

لو لم أكن كاتبا مجنونا لكنت مجنونا حقيقيا …بفعل الكتابة أحافظ على توازني… وبالسخرية والنقد اللاذع أحاول التغلب على هذا العنف فالذهاب بعيدا في الجنون يجعلك تلامس الحقيقة وهنا تصبح أنت المتحكم في جنونك تمارسه في الوقت المناسب وتتركه في الوقت المناسب..وهكذا تصبح خبيرا في الطريق الرابطة بين الجنون والعقل ويمكنك الذهاب والرجوع بسلامة عقلية وجسدية بل ومحملا باكتشافات ذلك العالم الذي لا يدركه الكثيرون …

{ هل هناك عمل مهلوس في جعبتك ؟

– هناك شخصية تنضج اسمها اسي عبقادر ربما ترسم لها طريقا نحو سلسلة هلوسية جديدة

{ بماذا يتهم رشيد قدوري، رشيد قدوري ؟

– اتهمني باللامبالاة

{ هل حدث مرة ان طلبت منك احدى شخصياتك ان تسخر من نفسك؟

– سأفصح لك عن شيء إن شخصية اسي عبقادر هو أنا… وهل هناك سخرية أكبر من أن تسمي نفسك اسي عبقادر وتسنج كل يوم قصة أو هلوسة عنك…