الكلب المشنوق – قتيبة آل غصيبة
يحكى أن حاكماً أراد أن يتفقد رعيته في يوم من الأيام، فجمع أعيانه وحجّابه وخرجوا في تفقد الرعية، وقضى ذلك النهار في زيارته لها، وبينما هو في طريقه للعودة رأى بيتاً من الشعر في منطقة بعيدة فقال لنفسه ومن معه، دعونا نزور ذلك البيت، فما أن وصلوا؛ حتى رحّب بهم صاحب البيت أجمل ترحيب وهو لا يدري من هم؛ وهم أيضاً لم يفصحوا عن أنفسهم؛ فشربوا القهوة ودعاهم لتناول الطعام ولكنهم رفضوا لأنهم يريدون أن يرجعوا إلى ديارهم؛ وبينما هم في المجلس شاهد الوالي كلباً مشنوقاً ومعلقاً في وسط بيت الشعر، فسأل صاحب البيت ما شأن هذا الكلب وما هي قصته؛ فسكت صاحب البيت وقال إن لهذا الكلب قصة عجيبة ولا أستطيع البوح بها فمكثوا قليلاً من الوقت وبعدها قفلوا راجعين إلى عاصمتهم، ولكن الوالي لم يغب عن ذهنه المنظر الذي شاهده عند ذلك الرجل، وفي اليوم التالي أرسل الوالي حاجبه ليستطلع من صاحب البيت قصه هذا الكلب علّه يأتي بإجابة، ولما وصل الحاجب إلى مكان بيت الشعر رحب به كعادته، وتكلموا في أمور شتى ولكن الحاجب سأله عن قصة الكلب؛ ولكن صاحب البيت أجاب نفس الإجابة السابقة؛ ولم يأخذ من صاحب البيت أية إجابة ناجعة؛ وأبلغ الوالي أن الرجل لم يقل شيئاً، حار الوالي في أمر هذا الرجل؛ وأصّر أن يعرف السبب، بعد أسبوع أرسل إلى صاحب بيت الشعر أجناده يقولون له إن الوالي يريدك؛ فاستغرب الرجل من هذه الدعوة؛ وقال: إنني لم أعمل شيئاً خطأ؛ فوصل إلى الوالي فرحب به وأكرمه؛ وفي أثناء الحديث سأله وقال له أتدري لماذا أتيت بك إلى هنا؛ قال: كلا يا مولاي فقال: أريد منك أن تحدثني عن قصة هذا الكلب؛ فقال له يا مولاي أمرك مطاع ولكن قصته لا أستطيع أن أخبرك بها إلا بشرط؛ فقال له الوالي لك ما تريد؛ فقال له أريد أن أكون والياً مكانك لفترة من الزمان؛ فاستغرب الوالي من هذا الكلام وبدت الدهشة على وجهه من جواب الرجل؛ وقال له كيف تتكلم بهذا؟ ومن تكون؟ وكيف أسمح لك بذلك؟ فقال له الرجل هذا شرطي؛ بعد فترة من الوقت استأذن الرجل وسمح الوالي له بالمغادرة ، بعد أسبوع قال الوالي في نفسه لعّل هذا الرجل عنده شيء كبير يُكنه في نفسه؛ فاستدعاه مرة أخرى ولما وصل إلى قصر الوالي رحب به؛ وقال له لك شرطك ولكن عليك أن تفي بوعدك؛ في تلك الأيام كانت هذه الولاية تدفع مبالغ كبيرة من المال إلى جيرانها “إتاوة” كل سنة لأنها هي الحلقة الأضعف؛ بين الممالك المحيطة بها لأسباب كثيرة ،
أمر الوالي بتنصيب هذا الرجل مكانه وغاب عن الأنظار؛ فقام الوالي الجديد قبل كل شيء بسجن كبار الوزراء والمسؤولين في المملكة؛ ووضع مكانهم؛ اشخاصا يمتازون بالاخلاص والنزاهة والكفاءة؛ وأرسل إلى الممالك المجاورة بأنه من الآن فصاعداً لن يسمح لهم بأخذ الإتاوات والمال من مملكته؛ وانه سيبعث اليهم جيشاً يأخذ منهم المال بدل أن يأخذوه من مملكته ، فحاول حكام المالك الأخرى الاتصال مع وزراء ومسؤولي هذه الولاية فلم يجدوا أحداً من اعوانهم وعملائهم المتنفعين منهم؛ ولم يحصلوا على نتيجة؛ فقام هذا الحاكم الجديد؛ بإرسال مبعوثين أمناء إلى الولايات الأخرى؛ مطالبين بالاموال التي كانت تدفعها هذه المملكة لهم منذ زمن طويل، وقد تحقق ذلك؛ بإسترداد المال المسروق والمنهوب إلى خزانة المملكة؛ ولما استتب الأمر وعلم أن الأمور قد انتهت؛ ولن ترجع إلى سابق عهدها؛ اعاد المملكة الى حاكمها السابق؛ قال له هذه مملكتك ردت إليك ، والآن سوف أبوح لك بسر هذا الكلب، فقال له، كنت أفتقد في كل يوم شاة كبيرة وبقيت على هذه الحال لمدة عشرة أيام أفتقد شاة أو شاتين، وعندها أردت أن أعرف من الفاعل، فإذا بالكلب يأتي آخر الليل ثم ينتقي الشاة السمينة ليقدمها إلى صديقه الضبع، ويطعمها له وما أن عرفت ذلك حتى أتيت بالكلب؛ وقلت في نفسي يجب أن أعاقب هذا الكلب على فعلته فأمسكت به، وشنقته أمام بيت الشعر ليكون عبرة لغيره من الكلاب؛ فشكره الوالي وأغدقه بالمال لقاء هذه النصيحة.
فكم من الكلاب الخائنة في اوطاننا اليوم؟؟؟
وكم مواطن ذُبح وتم نهبه واستبيح وطنه وماله؟؟؟
وكم من الضباع التي تصول وتجول بيننا اليوم ؟؟؟
وصدق القائل
إذا كان معك 10 رصاصات فعليك ان تطلق 9 منها على العملاء والخونة في الداخل .. وتبقي رصاصة واحدة للعدو الخارجي .
والله المستعان
منقولة بتصرف من كتاب سير الملوك ..لنظام الملك الطوسي (ت: 485 ه – 1093م) ، ص64