الكــــرسي

الكــــرسي

 

وفاء عبد الرزاق

 

 

في هذا المكانِ أبوابٌ

 

ترتجفُ حين يلعبُ الاطفالُ

 

بقطراتِ المطر

 

هم لا يريدون غيرَ دفءِ القلبِ

 

يصنعون منه أقلاماً

 

وحقائبَ مدرسيةً.

 

في هذا المكانِ نوافذُ

 

انكسرَ عمرُها كزجاجةِ حلُمٍ

 

كمياهِ متدفقةٍ بالحنينِ

 

لكنَّ الوعدَ ضوءٌ أعمى.

 

خلفَ هذهِ الأبوابِ صيادٌ كادحٌ

 

رمى شبكةَ العمرِ

 

في مياهٍ مالحةٍ

 

في الليلِ تجسَّدَ الملحُ مراكبَ هائجةً

 

ولمْ يتجسدْ الساحلُ.

 

أيُّها الكرسيُّ

 

سنغفرُ ذنبَ الشموسِ

 

لو اعتزلتْ شروقَها

 

وفتحتْ خيانةَ الطريقِ

 

يُغفرُ ذنبُ الشمسِ

 

لأنَّها الراعيةُ لضوءِ الكلامِ

 

لكنْ لنْ يُغفرَ ذنبكَ

 

يا راعيَ الصمتِ والحجرِ.

 

الأبوابُ لا تريدُ المفاتيحَ الخطأَ

 

إنْ كانَ بصرُكَ شحيحاً

 

دعْ نجومَنا تعبرْ الفصولَ

 

تدخلُ قلوبَ العاشقينَ

 

وقلبَ أمٍ

 

لا تجعلْ الابتساماتِ موجعة ًمثلَكَ

 

دعْ أرغفَتَنا تُطعمْ الجميعَ

 

تعوَّدنا على اقتسامِها

 

حينَ يشحُّ الرزقُ

 

ولأنَّكَ لا تعرفُ العوزَ

 

لمْ تمضغْ لقمةَ الفراغِ

 

في فمِ امرأةٍ عجوزٍ

 

لمْ تذُقْ وجبةَ الجراحِ

 

ولمْ تسمعِ الصليلَ.

 

كلُّ هذا من عطاياكَ

 

أيُّها الجالسُ منذ ُوقتٍ

 

على اكتافِ الشعبِ

 

ورزقِ المبعدينَ

 

وقتما كنتَ تفترشُ الحريرَ

 

افترشتِ الصبية ُالطرقاتَ

 

وتوحشتْ مثلُها

 

وحينَ ارتديتَ ألبسةً فاخرةً

 

كانَ أطفالي يرتدونَ القيظَ

 

ويشربونَ كأسَ العاصفةِ

 

بينما طفلتُكَ يدللُها المأجورونَ

 

الذين بصمتْ سياطُكَ على ظهورِهِم

 

عمقَ المهزلةِ.

 

أيُّها الكرسيُّ

 

أنا لا أبحثُ عن مائدةٍ في وطني

 

أبحثُ عن قمرٍ استظلُّ بهِ

 

وأعلِّمُ إبني سرَّ الضوءِ

 

وكيفَ يرفعُ رأسَهُ عالياً

 

لاحتضانِ السماءِ.

 

أيُّها الكرسيُّ

 

ارفعْ وجهَكَ عن كلِّ الأقنعةِ

 

خذْ إبرَكَ المغروسة َفي قلبي

 

لأعيدَ حياكةَ مرافئِنا

 

أبعدْ اصابعَكَ الملوثةَ

 

عن كلِّ الزوايا المطفأةِ

 

عن رغبةِ الأحصنةِ بالجموحِ

 

وعنِّي

 

ليهتزَّ رحمُ قصيدتي

 

وتهتزُّ زهرةُ الخدرِ طرباً

 

بمجيء نبيٍّ بينَ أحرفي.

 

لنا دمعٌ آخرُ

 

غيرَ الذي أرقتَهُ في العيونِ

 

لنا شجرٌ لا يصنعُ العروشَ

 

والأقفاصَ

 

لنا بكلِّ الرعبِ والصراخِ

 

الذي اقتنصَ أعمارَنا

 

عمرٌ آخرُ لا تعرفُهُ انتَ

 

سأحرقُ الخشبَ اليابسَ

 

الذي صنعَكَ

 

وأبقي الأخضرَ ملجأً للعصافيرِ.

 

إذا رأيتَ حينَها نجماً يلعبُ في النهرِ

 

فهوَ وجهُ ذلكَ الصبيّ

 

الذي لعبَ حافياً على قارِ الطرقاتِ

 

وإذا سمعتَ الشموسَ تغني

 

فاعلمْ أنَّهُ الشعبُ أُشرقَ

 

ليزفَّ بياضاً أبدياً

 

ينصعُ الأحلامَ،

 

شهقتُنا الضاحكةُ

 

وحدها ستتسلقُ الجبالَ.

 

الجوعُ صالحٌ للكتابةِ

 

وصدورُنا المزكومةُ بجراثيمِكَ

 

صالحةٌ للصراخِ

 

على صدرِ الشعوبِ ينغرسُ الكلامُ

 

أيُّها السهوُ الأبلهُ

 

سأكتبُ على مزقِ ثيابِ العراةِ قصائدي

 

وأبثُّ النجوى من على صخرةٍ عاليةٍ

 

ابتساماتُ الفجرِ تقرأُ الجالسينَ على الترابِ

 

ولا تقرأُ الكراسي.

 

أمي غزلتْ لي باباً

 

في هذا المكانِ

 

في تلكَ النافذةِ رسمتْ

 

جناحَ فراشةٍ

 

لذا ستصير الشوارعُ مطراً يُغرقُ العروشَ.

مشاركة