الكتاب ــ أنور عبد العزيز
الولد الجميل بزرقة عينيه وشعره الأصفر بتناثر حمرة فيه يحكي للأرملة الجميلة أمينة عن مدرسياته.. قد تفقه مما يرويه لها بعض شذرات ، لكنها لا ترى في محكياته أي نفع أو متعة.. مخزون ما عندها أذهل الصبي وأحاله لأذنين لاقطتين حتى لهمساتها الناعمة غير المسموعة..
الولد اللعبة يجالس الأرملة لساعات على عتبة دارها.. سخرت منه نساء المحلة ونبّهنه وحذّرنه أن أمينة امرأة ثرثارة مهذارة.. لا تضع وقتك ولا تسمع لها.. هو يحب كتبه ومدرسته ونصائح أبيه ، لكن قولة الجارة تظل ترنّ وتدور في عقله لا تتعب عينيك بسخام الكتب فهي كلها ترهات وعمي للعيون أقلقه ضياعه وعذبه قلق ما يسمعه من قولين متعاكسين وأن كانت روحه تركن وتأنس بمقولة الأرملة عندما تزدحم عليه الامتحانات المضنية مع القلق والخوف من نتائجها ومحاسبة الأب الصارم وسخرية المحلة أن هو رسب مرة ومرات.. أمينة لم تكن ثرثارة وكما تكيد لها نساء المحلة , وهي لم تكن جاهلة ، ما قرأت شيئاً وما تعاملت مع صحف وكتاب.. تروي له ذلك الكتاب أستمتعت به في سنوات شبابي.. كنت مجنونة بمروياته.. لم أنسَ سحرياته وأنا في عمر كهولتي.. هو كتاب سحر وأغان وأمثال.. كذب من يقول السحر خرافة ولا وجود لسحر.. السحر كان له ملكان ببابل هاروت وماروت.. ومن السحر ما يفرق ويحرق ويدمر العلاقة حتى بين زوجين عاشقين لحد الجنون.. الفتى الجميل ما أحس بغرابة ما ترويه الجارة بعد أن تسربت لعقله وروحه معان لمدلولات الحب والعشق ومسميات ما يربط الرجل بالمرأة وبعد أن صار يشعر بثقل تغييرات أليمة مع لذتها في جسده وروحه ومع تحولات واضحة كاشفة ظهرت وتغيرت في صوته وملامح وجهه.. هو كان قد عرف أن أمينة رعت زوجها وهو كان وفياً لها رغم معرفته أن زواجها منه كان علاجاً لها من تجربة حب جنونية خاسرة انتهت بمقتل عاشقها ليحل البديل كحالة شفاء وكمخدر لوجع كاسح بعد أن ضاع المقتول وضاعت معه..
قالت صبية مراهقة جميلة ماكرة عرفتها المحلة بالجرأة والتصدي حتى لأبويها ولكبار المحلة الأرملة تكذب هو كتاب في عشق الجسد ليس غير لا سحر فيه وهم يتسترون عليه بدعاوى مكذوبة.. ليس أمينة فقط غيرها أيضاً أفترى أن الكتاب كتاب علم وحكمة وعقل وفلسفة.. كذبوا.. لغوي مسن وقور قال أي جدل عقيم.. الكل يعرف أن الكتاب هو للنحو والصرف والأملاء كتبه نحوي لا يتكرر مثله مهما طال الزمان.. كتاب كبير مثير بأستطرادته وعمقه كاشف لبهاء اللغة وقوانينها وقواعدها ودلالاتها ومرموزاتها وعلاماتها..هو كتاب في النحو بلغت به شهرة العصور أن حذفوا منه أسمه عند أي ذكر له مكتفين بمفردة الكتاب وكان مؤلفه قلقاً وحريصاً على قواعد وقوانين لغته التي خانها وغدر بها الأحفاد مخدوعين مشوهين راطنين بألسنة معوجة متكسرة تختنق فيها المعاني ولا صفاء فيها لكلمة.. بعد أن أوضح العالم المسن وتمتم بشهادته بحسرة أليمة على تجاهل المتأخرين في أجيالهم لقيمة الكتاب كلؤلؤة ، قال نحوي معاصر نشأ من فراغ هو كتاب قديم مزعج ومعقد وبحروف صغيرة تحتاج لعيون البوم والصقر ، يصيب قارئه بالكآبة وعمى العيون.. تدخل في الكشف عن المستور شاعر وقال
لأنهم يكرهون الشعر ويخشونه ويمقتونه ويحاربوه بقسوة ووحشية ، فقد حولوا الكتاب بتواطؤ مكشوف وبتلفيق وموت ضمائر لسحريات وحكايات وخرافات.. أنا قرأت الكتاب.. كله شعر ولكن مما لا يأنس به المتبطرون والحواة المتكبرون الطغاة..هو كتاب أشعار وموسيقى ورسومات مما تعشق عيون الناس أن تسرح وترعى فيه ومما يثير الهلع في عقول وقلوب من شطبوا على أي حق وأية حياة لغيرهم.. صعلوك الحي البوهيمي المتشرد الذي لا يفوت المشاركة بمثل هذه الخلطة العجيبة من الكلام والتقولات.. محا كل ما سمعه وما هدر في أذنيه مؤكداً أن وجود الكتاب حقيقة ، وأنه قاد يوماً شاعراً وروائياًً لاتينياً لمكان الكتاب.. كانت ظهرية صيف تغلي كفرن ، لم يأبه اللاتيني لأثر الحر ووخامة الهواء برطوبته الثقيلة العطنة ، كان واثقاً مهووساً بأن الكتاب المخبوء في قبو ذلك السرداب وفي مكتبة هي حفرة حجرية ولا أحد يعرف سره إلا هو ، والكتاب إضافات أخرى ممطوطة لليالٍ طويلة لشهرزاد لم يقبل بها حماة الأخلاق فهم لم يقبلوا بما سبقها من ليالٍ انتشرت مع كل الهواء في كل العيون والأفواه وفي كل الأرض.. أحرقوها ولم يسلم منها غير هذا الكتاب مع ورقيات أخرى خبأها عشاق الألفيات في مغاور وسراديب لا تصل إليها أيدي الوشاة وعيون العسس وجند السلاطين.. وأضاف الصعلوك متباهياً أنه هو من أوصل اللاتيني لغايته لم يخف سراً عندما ذكر أن الشاعر قد أستل أوراقاً كثيرة من الكتاب الكبير الذي حوى موضوعات أخرى أخذها معه.. الشاعر الغريب وروائي عوالم السحر لم يلتفت لأي موضوع آخر وكان عشقه تهويمات شهرزاد وحكاياها.. ذلك البوهيمي زاد أن كل ما كتبه الروائي اللاتيني بعد زيارته وعودته لبلده كان من مستلات ومن وريقات ذلك الكتاب ، حكى البوهيمي كثيراً عن تلك الزيارة ، كلنه لم يوضح ويضيء كيف أن الزائر وهو أعمى ومن أقصى الأرض قد وصل مدينة بانيبال ، وحتى لو أقنعنا وأتفقنا معه بوصوله بأية طريقة كانت وهو ما لا يصعب على عاشق كتب ، فكيف سيقنع سامعيه أن الأعمى أستطاع وبتلك السهولة تمييز ما فاهت وحكت وأفاضت به شهرزاد عن الليالي الجديدة المضافة بعينين مغلقتين يعرف الكل أنهما وكما شكت وروت زوجته عميتا من تواصل قراءاته وامتدادها لساعات طويلة لاغية أي محددات لليل ونهار ، وكيف ميز وتعرف على ليالٍ من الألفية الجديدة ومع ظلام العمى والسرداب ، وفي كتاب مخبوء في قبو حجري عميق ؟ لا نجد أي جواب عند مخبرنا عن الزيارة التي ربما كانت حلماً رآه.. هو لم يوافقنا وظل يردد أن شهوة اللاتيني لليالي المضافة والتي لم يروها الرواة ولم تثبتها كتب هي ما أوصلته لفرح مجنون وهو يدس الوريقات في حقيبته المثقلة بالكتب..
العازب الأشيب المترهب في غرفة مستأجرة بدار أمينة والمتوحد مع عشق التراث وكتبه أستغرب هذا الخلط لمعرفة هوية الكتاب مؤكداً أن الكتاب وكما قرأ في أكثر من مصدر هو في علم الحيل الميكانيك ولأن أصل الكتاب نادر وقليل ، فقد خبأه أحد الحريصين في تلك الفجوة الحجرية من قبو السرداب والتي تنطبق مواصفاته علي ما أسمعه من أمر السرداب وموقعه وحالته بعد كل السنين التي مر بها مخبوءاً ولكن متعافياً آمناً من تزوير معلوماته مكتفياً بما سطره ولوّنه فيه كاتبه الأصلي قبل أن تمتد إليه أصابع المتلاعبين في تشويه كتب التراث بزيادة مخلة أو نقصان مضر يوجع قلب أي عالم منشد لاستكمال الحقائق العلمية..
تراثي آخر غريب عن المحلة يسكن طرف المدينة البعيد أكد أنه كتاب علمي ولكنه ليس في علم الحيل بل في الخيمياء والرغبة العنيدة والسر الخفي في معاودة ألف محاولة فاشلة لتحويل المعادن لذهب.. حلم الطامعين والغاوين حتى لو تناثر الحلم في مهب عاصفة كاسحة وحتى لو تاه في بحر سراب… المهم هو التآلف مع جنون ذلك الأصفر المنعش للروح والعين وبالإصرار على تغيير هويته من معدن خسيس لمعدن أصيل…
بعد كل جولات العقول والعيون والاستذكارات عن ماهية الكتاب.. عاد أسم الليالي وما يشبهها من حكايا متردداً لاهثاً على الألسنة..
فقال رجل مهووس بالجنس ربما كان ماجناً أو عاقلاً حكيماً لماذا يخفون ما في الكتاب وهو من أثر الماضين بصدقهم وصراحتهم وحيويتهم.. هو كتاب في الجنس والباه لا ضرر فيه لأحد.. هو دروس واقعية عملية مؤنسة للشباب ومنقذ لشيوخ الهموم في ذبولهم وعسرة أيامهم الهرمة الكئيبة كشمس عصر باردة شاحبة زاحفة متسللة نحو الغروب…
الصبي الفاتن وقد أزداد جمالاً وحيوية ما أضافته إليه مرحلة الرجولة.. هو الآن في المرحلة الأخيرة من الثانوية مزدحم العقل والقلب بما تضطرب في روحه ومخيلته من حكايا الحب والعشق والسحر والخيال وما يراه من واقعيات مزرية أليمة في محلته ومع ثقل ومرهقات الدرس والسهر مع أب ومدرسين يتعاملون معه كخشبة منخورة وكيان جامد لا حسّ فيه..
ولولا الأم الرحيمة الحانية لأختنق بضجيج النصائح والمطالبات التي لا تبدو مهمة كلها بل هي تافهة متهافتة سلطوية قاهرة مؤذية وكأنها العذاب وحرقة الجمر في أغلبها…
مضى ما مضى من كل السنين وهو لم يتجاوز عتبة أمينة.. رغم كل السنين هو لم يعرف أن البيت الصغير هو من داخله غرفتان ليس غير.. واحدة مستأجرة لمتوحد بابه مغلقه وقلما ينكشف لأحد وغرفة ثانية هي أيضاً للإيجار ولكنها معطلة بسبب تصدع جدرانها.. الشيء الحميم في الدار الملمومة هو سرداب غير عميق وبطراز قديم.. ربما كان أحلى ما في الدار غرفة أمينة العلوية تصعد لها بدرجات أسمنتية ثخينة عالية مطمئنة لصاعدها بسياج معدني مطرز بشكل أوراق وأوراد حلزونية…
حكايات الجارة الحميمة ومثيرات الليالي جعلته يصمت وهو يسمع دعوة أمينة لدخول الدار.. سنوات وهو يعتذر.. هذه المرة تاه الفتى وتاهت عيناه في شفتي أمينة ونهد أمينة المندلق ببياض ثلجي وردي من حافة ثوبها العلوي.. في الماضي ما كان تربيته تتجرأ على اجتياز العتبة وطالما كانت تربيتها تستحثه على قمع خجله وتجاوز حالة الجمود والاكتفاء بوهج حكاياها على العتبة.. كان مضطرباً في البداية.. ومع انتهاء آخر درجة علوية مؤدية للغرفة.. أحتضنه دفء الغرفة ، بساطة الغرفة.. ألفة الغرفة بسرير تراثي جميل ومنام مترف وبساط من شعر الماعز وسجادة حائط ملونة منقوشة مترعة بعين ماء ومسيل جدول وثلاثة غزلان أثنان منها يلتهمان العشب بشهية والثالث الكبير حذر منتبه رافعاً رقبته متسمعاً بأذنين يقظتين وكأن صياداً أو حركة صياد مختبيء قد ينكشف بعد لحظات باطلاقات قاتلة. على الأرضية ثمة مفرش نظيف ومدفأة قديمة.. في زاوية الغرفة دولاب مبني مع الجدار حوى أنية وأطباقاً قديمة.. وما لاحظه على غالبية موجودات الغرفة من المفروشات كان بلون وردي وبمنقوشات جميلة.. تحسس أنه في غرفة عرس وليس غرفة امرأة أرملة.. كان مرتبكاً في البداية قد أحتضنه مقعد جلدي عتيق.. لكن انبساط الجارة وتلقائيتها في الكلام خفف شيئاً من توتره.. ازداد ألفةً عندما رآها تتخفف من فوطتها وتجلس على حافة السرير وكأنها قد عايشته في الغرفة منذ سنين.. زاد هدوءاً عندما رآها وببشاشة وبسمة مثيرة ترغب في معاودة حكاياها.. يتأملها بنظرة مغايرة بعد أن هجرت فوطتها منذ دخوله الغرفة.. يتأمل فيها ظفيرتين أثيثتين مسبلتين بلون حناء خفيف ورائحة الصبا القديم… مذهول بعنقها الحليبي وشفتيها المضمومتين الظامئتين متخلياً وهاجراً هواجس تلميذ كان متخماً بموانع الأب ونواهيه ، طارداً أشباح التردد والخوف من قهر سنين.. لم يعد ذلك المشغوف بحكايا الجارة.. هو الآن يقرأ جسد أمينة. لكن أمينة قالت لفتاها
لم أخبرك بالسر الكبير.. السحر وكما علموني وجربته بنفسي.. على العتبة كنت أخشى أن يسمعنا العابرون أو أن تسمعنا تلك المهزولة الشرسة المعروفة بفضائحياتها وعراكاتها وشتائمها الوسخة.. رمزية العوراء إذا اندلقت بشرورها وكأن مرحاضاً قد طفح بنجاساته.. هنا المكان آمن ولا آذان فضولية تتسمع.. كيف لا يوجد سحر.. زوجي بعد حبيبي المقتول كان طيباً معي ، لكن حب المقتول لم يترك له أبداً فسحة من روحي وقلبي كان بسيطاً وساذجاً يمكن لطفل أبله أن يخدعه.. خشيت عليه من النساء.. مرة سمعت بل وتأكدت أن غنية مترفة منجوسة من النساء أخذت تغويه.. خشيت أن يضيع مني.. صدقت ما في كتب السحر وطبقت نصيحة ساحر عليم ذكرني بأن من السحر ما يدمر ما بين زوجين ويحيل أعمق وأحلى حميميات الحب لكراهية ساحقة وفراق موجع.. ماذا أفعل يا سيدي والمخاطر باتت كحقيقة أمام عيني وأنا أرى حالات مفاجئة لتبدل زوجي حتى أنه عزل جسده ولياليه في فراش بارد ، قال الساحر لا تضطربي الأمر سهل.. أحصلي على عضو ذئبه أو ضبعة.. أحرقيه مع المساء.. وذري رماده في ساقيه وسخه موبوءة بمياه سود.. الخيانة قذارة ولا يمحق القذارة غير قذارة أقوى وأشد فعلاً.. رُشّي الماء في نتانة الساقية ودمدمي غاضبة بشتائم نارية محرقة للملعون الرجيم ولكل الخائنين والأشرار.. أتصدق أنني فعلت بتلك النصيحة الذهبية بعد أن صرفت الكثير فمن أين بذئبة ومن أين بضبعة… لكن قريباً مستوراً صامتاً حافظاً للسر من قريتي حقق الأمينة… وعاد زوجي لفراشي نادماً معتذراً مجنوناً بحب جديد وعشق قاهر.. عاد إليّ غير مصدق ما حدث له.. وكيف قبلته وأرتضيته بعد ذلك الجفاء.. عاد كخروف لا يطمع إلا برضاي وإدامة أسعادي له.. أهداني سواراً لأفعى ذهبية زيّنت ساعدي ، كان مجنوناً ببياضي وجمال ساعدي.. قال أن سمّ الأفعى ستبعد كل الشرور.. وكتأثير أكبر على ندمه وحبه فقد أهداني عاشقي هذا البيت.. فعل ذلك قبل موته بأيام وقال لن أتركك وحيدة ضائعة يا أمينة ، أنا السبب في حرمانك من الولد.. أنا المذنب العقيم ، لن تكوني بعدي حائرة محزونة يا أمينة فقد كنت لي دنيا وحياة حلوة.. وحل صيف جديد.. في بداياته ومع قهر البكالوريا وعسرة الامتحانات والسهر المضني.. عيناي حمراوان ساهرتان تبحلقان في الكتب والأوراق والشعر والمعادلات واللوغاريتم والأرقام والخرائط والتواريخ والمثلثات والجبر والجيب تمام ودودة الأنكلستوما.. ومع هيمنة أبي وقلقه وحنان أمي الساهرة معي لأبعاد جوعي وإنعاشي بالشاي والقهوة وإسعافات حبوب وجع الرأس وتحمل السهر… رغم حرصي على أن يتلقف رأسي ودماغي وذاكرتي سود الكلمات ، فأن خيالات كانت تشطح بي لتهيمن على استذكاري وتعطل هضم ما أقرأه.. أقرأ سطوراً ومخيلتي تسبح في حكايات أمينة وأخبار الكتاب وأسراره وتكهنات ما سمعته مما أتخم عقلي بمروياته فظل مهيمناً على مشطوراً بين تلك المرويات وما أقرأه من فروض ينتظر أبي نتائجها بسطوته وأمي بحنانها وأمينة بحرصها على التباهي بنجاحي قاهرة حسد العوراء وكراهيتها لكل البشر…
مع دراسة الفجر ووجع الصداع وحريق العينين واضطراب الرؤية وتقافز الكلمات وحروفها أمام عدسات نظارته… كان يهاجمه السؤال القديم والمتجدد عن الكتاب أن كان كتاب ليالٍ ولن ينس الفقرة التي كانت أمينة تلح في روايتها له عن الأكاذيب والتلفيقات المبهوة للساحرة شهرزاد عندما استغلت ووظفت كل إبداعات الأنثى الخالدة ومكرها وحيلها ومكائدها لتخدير الرجل ببلاهته وإغرائه بأوهام من أحلام وخيالات وحتى بمتصورات مما لم يلامس عقل بشر.. وعن أصل الكتاب.. الكتاب كان واحداً وحيداً معروفاً في مكانه وكما أتفق الجميع فلماذا أختلفوا فيه ؟ لم أختلفوا ؟ لا أدري َ
كلهم كلهم تكاذبوا، تجادلوا بخشونة وبألسنة وسخة… ولم يتفقوا على حال..
منتهى الأخبار ربما كان الخبر اليقين عند كاشف الأكاذيب.. الرجل العجوز المقعد متألفاً مع كرسيه الرحيم وحضن لم يخل أبداً من كتاب.. أن كانت قسوة الحياة وغدرها وموجعاتها وعوقها قد أٌقعدته عن الحركة، لكنها لم تستطع أن تقعده عن الوعي والتذكر وحكمة… ونضج الرجال الموزونين… قال الحكيم» لم كل هذه الضجة صار الأمر وكأنه حزورة… أنتم أبناء محلة واحدة… البيت الذي تتحدثون عنه ومع سردابه والقبو والمكتبة الحجرية والكتاب المخفي في مدينتكم.. أ،تم تعرفون البيت والمكان..إذهبوا كلكم وأنظروا بأعينكم وعقولكم وأطردوا أي وسواسٍ وشك… عندها سيكشف الكتاب لكم عن نفسه وجوهره وأسراره إن كان فيه أسرار.. أفعلوا ما أقول لكم وسترونه سهلاء ماحياً شاطباً على أي فرقة وإختلاف.. دعوا الكسل والثرثرة وتعاملوا مع ما يشغلكم بضوء كاشف للحقيقة أن كانت هناك حقيقة في هذه الحياة وستذكرون ما أقول لكم بأن الحقيقة هي وهم سراب…إقتنع الجمع برأي الحكيم… نبذوا خلافاتهم… أتفقوا على موعد في ضحى يوم…. إكتروا وركبوا عربات خيل منها ما كان بحصانين وأغلبها بحصان واحد بعد أن قتل الطاعون خيول المدينة…
ذهبوا وأوغلوا في عمق السرداب وقبو مظلم.. توزعت أيديهم وأصابعهم تتحسس عمق الجوف الحجري.. طال شوقهم وترقبهم.. صدمهم يأس من تلمس أي حياة لكتاب وبعد أن أحسوا ببوادر إختناق من هواء ساخن راكد ثقيل.. خرجوا مهرولين متعثرين بتكسرات درجات متأكلة منخورة وكأنّ شيطاناً مرعوبا قد تسلل وتسرب لأرجهلم الهاربة وبعد أن لم تلتقط أعينهم من ظلمة السرداب غير أورق تالفة ممزقة متناثرة عبثت بها جرذان سمينة شوهاء.. وكانت مبقعة برطوبة وآثار دم لفئران صغيرة مقتولة كريهة المنظر والرائحة.
AZP09















