الكاتب واللغوي الدكتور روبين بت شموئيل لـ (الزمان ): السريانية تتلألأ في الجامعات الغربية الرصينة

articles_image220150131014754TVcr

 الكاتب واللغوي الدكتور روبين بت شموئيل لـ (الزمان ): السريانية تتلألأ في الجامعات الغربية الرصينة

سامر الياس سعيد

استاثرت اطروحة الدكتوراه للباحث روبين بت شموئيل والتي كانت بعنوان (اللغة السريانية المحكية (السوريث)، وادب الدوريكاثا، واثر اللغة العربية فيه )والتي نال عنها شهادة دكتوراه الدولة من الجامعة اللبنانية قبل عام ونيف باهتمام الوسط الاكاديمي ،كونها تمحورت حول ميدان اللغة السريانية ، التي تعاني  اصلا قلة المصادر رغم عراقة اللغة  ،الى الدرجة التي دفعت باحد اعضاء لجنة المناقشة الى القول ، بان مثل هذه الدراسة  لم تناقش وبهذا المستوى منذ اكثر من نصف قرن ليس على صعيد الجامعة اللبنانية فحسب بل على صعيد جامعات الشرق الاوسط ،واليوم وعند عتبة الدكتوراه يجد الكاتب واللغوي (روبين بت شموئيل )الفرصة سانحة لان يبادر شبابنا لطرق ابواب الجامعات العالمية من اجل الحصول على الشهادات العلمية المتخصصة في ميدان اللغة السريانية لسد النقص الحاصل في التبحر بها وكشف كنوزها للعالم المتحضر ، ودفع دماء شابة لميدان اللغة بغية المحافظة على وجودها وديمومة تواصلها على السنة الناس ، وعن محور الدراسات العليا وغيرها من المحاور المتعلقة بالثقافة كان لـ(الزمان) هذا اللقاء :

{ كيف تبلورت لديك الفكرة في مواصلة البحث العلمي وصولا للحصول على شهادة الدكتوراه التي نلتها قبل ما يزيد على عام ؟

-في تموز (يوليو ) من عام 2005كنا من اوائل المبادرين لعقد اول مؤتمر  متخصص باللغة السريانية في دهوك وكانت الهيئة التحضيرية لهذا المؤتمر مؤلفة من  الارشمنديت عمانوئيل يوخنا والاب شليمون ايشو  وعمانوئيل شكوانا اضافة للمتحدث ، واشار المؤتمر  في توصياته الى ضرورة ارسال طلبة من ابناء شعبنا ومن مواطن السريان الاصلية الى الجامعات الغربية ، للتخصص باللغة السريانية وادابها  ونيل شهاداتها العليا ، وكانت الخطوة الاولى في تنفيذ تلك التوصيات ، ترشيحي اضافة لترشيح زميل اخر،  وفعلا قمت بتحصيل قبول بمتابعة من صديقي من ايام كلية الهندسة  ،الاب عمانوئيل بيتو يوخنا في احد الجامعات الغربية نتيجة حصولي  على بكالوريوس لغة عبرية ،  لان شهادة الهندسة الكيماوية  التي لم تكن تؤهلني لمواصلة دراستي اللغوية ، وكنت قد دخلت قسم اللغة العبرية ، ونلت شهادة البكالوريوس عام 2004 من جامعة بغداد ، رغم ان قسم اللغة السريانية لم يكن قد استحدث في تلك الفترة . وعلى ضوء هذه الشهادة تم قبولي في جامعة لايدن الهولندية عبر الاعداد لرسالة الماجستير في اللغة السريانية وادابها وباشرت رحلة الاعداد حتى وصلت الى مرحلة المناقشة ، التي كانت في 31اذار(مارس ) من العام 2008وكانت باللغة الانكليزية  حيث حملت عنوان (المدارس الاشورية  الخاصة في العراق في القرن العشرين ) واشرفت عليها البرفيسور (هيلين فان ديربيرغ )وكانت من المستشرقين المختصين والمهتمين بلهجة الاشوريين المحكية (السوريث) وبالمناسبة فالمشرفة هي التي اقترحت موضوعة الدراسة ونال موضوع الدراسة ، قناعتي الشخصية ، والتي تناولت  المدارس الرسمية وشبه الرسمية في العراق والتي كانت  لغة التعليم فيها السريانية بشقيها القديمة الكلاسيكية  والحديثة ..

{ بعد حصولك على شهادة الماجستير ، هل وجدت الفرصة سانحة لاستكمال مشوارك العلمي نحو نيل درجة الدكتوراه ؟

– بعد حصولي على شهادة الماجستير، نصحني الاصدقاء والزملاء على مواصلة  مشوار التحصيل العلمي ، وصولا للحصول على الدكتوراه فطرقت في سبيل ذلك العديد من ابواب الجامعات خصوصا اللبنانية ومنها جامعة الكسليك والجامعة اليسوعية  وكان جوابهم على طلبي بالاعتذار اوبدفعي للرضوخ لشرط دراسة مادة التاريخ باللغة الفرنسية لمدة عام قبل الشروع في الاعداد لمتطلبات الدراسة العليا ، وكان مثل هذا الامر بالنسبة لي ،في غاية الصعوبة ، كون لغتي الثانية هي اللغة الانكليزية ، ولم تتحدد محاولاتي عند ابواب الجامعات اللبنانية فحسب بل طرقت ايضا ابواب الجامعات المصرية كونها كانت تمنح شهادات عليا في اللغة السريانية ، وبرزت من تلك المحاولات صعوبة  الحصول على الفيزا التي مثلت عائقا امام هذا الامر ، وعدت من جديد لطرق ابواب الجامعات الرسمية في لبنان حيث تناهى لسمعي  بان اللغة السريانية  كانت من المواد التي تدرس في كلية الاداب  في الجامعة اللبنانية ومنذ ستينيات القرن الماضي وعلى يد الاستاذ افرام البستاني وبولص كبرئيل وفعلا تعرفت في لبنان على الدكتور عصام خليفة  الحاصل على دكتوراه في التاريخ اللبناني الحديث والذي اسهم بشكل كبير بايجاد مقعد لي لدراسة الدكتوراه واديت في 16 كانون الاول (ديسمبر )2010 امتحان  القبول والمعروف اكاديميا بمباراة القبول  لدراسات الدكتوراه  وكان ذلك الامتحان يستغرق ست ساعات نصفها عبارة عن ترجمة للادب العربي والنقد واللغة العربية  ونصفها الاخر  لترجمة نصوص من اللغة الانكليزية الى العربية  وفعلا حققت النجاح  في هذا الامتحان مما اهلني  للقبول في المعهد العالي للدكتوراه في الاداب والعلوم الانسانية والاجتماعية  وكانت الدراسة في هذا المعهد مؤلفة من اربع سنوات منها سنة اولى تحضيرية والسنوات الاخرى  للاعداد للرسالة واشرف على رسالتي الدكتور ربيعة ابي فاضل وهو من كبار الشعراء اللبنانيين  على ان يساعده استاذ متخصص في اللغة السريانية  وكان في اول الامر  الدكتور باسيل عكوله كمشرف علمي ونظرا لكبر سنه وظروفه الصحية فتم استبداله بالبروفيسورالدكتور اسكندر يلدا وعملت لاحقا في الاعداد والتحضير حتى وصلت المرحلة النهائية ممثلة  بمرحلة المناقشة التي جرت في مطلع العام الماضي ونلت على اثرها دكتوراه دولة بدرجة جيد جدا وبتوجيه خاص على طبع الاطروحة على نفقة الجامعة اللبنانية  لمستواها العلمي العالي وندرة  موضوعها ..

{ الا ترى ان هنالك ثمة قصور في مؤسساتنا الاكاديمية في عدم الاهتمام باللغة السريانية مقارنة بالجامعات الغربية التي تمنح الشهادات العليا في هذا الميدان ؟

-لااخفيك سرا في ان حصولي على الماجستير من جامعة لايدن الهولندية منحني دعما معنويا في تكثيف نشاطي اللاجامعي عبر التواصل مع المستشرقين  المهتمين باللغة السريانية سواء عن طريق الشبكة الالكترونية  او من خلال زيارة الجامعات الاوربية التي تهتم بتدريس هذه اللغة وتراثها  وفعلا وجدت ان هنالك اهتمام استثنائي بهذه اللغة من خلال تلك الجامعات او من قبل المستشرقين خصوصا في الجامعات العريقة والمعروفة على نطاق العالم ومنها اكسفورد وكامبردج وهارفر وشيكاغو  وتورنتو والسوربون ولايدن ولوفان وتورينو وغيرها  حيث تمنح هذه الجامعات شهادات عليا في اللغة السريانية  رغم ان المفارقة  في ان مواطن هذه اللغة  مازالت غائبة عن تدريس اللغة في المستوى الجامعي  وما فوق الجامعي وكنت غالبا ما اواجه بالسؤال في الجامعات الغربية حول تجشمي عناء السفر والحضور لتلك الجامعات قادما من الموطن ( الام ) لهذه اللغة من اجل دراستها وكنت ابين في اجاباتي مدى  الظلم والتهميش الذي وقع على السريان ولغتهم وثقافتهم في العراق ..

{ كيف تقيم دور المستشرقين في منح اللغة السريانية بريقها الذي مازال يتلالا في جامعات الغرب ؟

– لابد لي ان اشير لجهود المستشرقين في دعم اللغة ومنحها الديمومة  المطلوبة  فهنالك من المستشرقين  من المهتمين باللغة الكلاسيكية  باعتمادهم  على الكتب  الموضوعة سواء كانت طقسية  اومخطوطات اما  المستشرقون  المهتمون باللغة المحكية (السوريث)فلهم اكثر من جسر  يربطهم بهذه اللغة الحية  ومن هذه الجسور زياراتهم لمواطن الناطقين بهذه اللغة سواء في ايران او سوريا او لبنان  او من خلال الاختلاط مع الناطقين باللغة  من المهاجرين المقيمين  في تلك الدول ..

{ في سياق اجابة سابقة ، ذكرت دور المؤتمرات في الاسهام بتحصيلك العلمي فالى جانب هذا الامر ما المعطيات التي يمكن ان تضخها اقامة تلك المؤتمرات في جسد اللغة السريانية ؟

-للمؤتمرات والندوات المتخصصة في اللغة السريانية دورها الفعال والحيوي بالتاكيد فمن خلال دار المشرق الثقافية  التي رعت انعقاد خمس مؤتمرات يمكن ان نطلق على بعضها صفة العالمية  خصوصا في المؤتمر الرابع الذي عقد بمشاركة 12 عالم لغوي مختص باللغة السريانية مما  اسهم بانتاج بحوث رصينة في اللغة اضافة  لخلق مساحات من التعارف بين المهتمين  خصوصا بين  في اوساط المستشرقين  الذين وفروا المنافذ الاكاديمية  امام الراغبين للحصول على الشهادات العليا كما اسهمت تلك الندوات في خلق مشاريع بحثية مشتركة كان من شانها اعداد الدراسات والمعاجم والقواميس..

{ في وقت سابق كان لكم محاضرة تناولت الحداثة الشعرية في القصيدة السريانية  فهل هنالك فارق بين هذه الحداثة وقرينتها بما يختص اللغة السريانية ؟

-بلاشك هنالك فارق بين الحداثة الشعرية  وعما يتعلق بالحداثة اللغوية فمن مقومات الحداثة الشعرية  امتلاك الشاعر المقبل على التغيير للغة اجنبية فمثلما درسنا واطلعنا عن تاثر شعراء عرب بالشعر الغربي وابرز الامثلة على ذلك تاثر الشاعر العراقي بدر شاكر السياب  بالادب الغربي فلذلك لايختلف الامر عما تاثر به الشاعر السرياني في ارومية  من خلال انتشار الارساليات  منذ منتصف  القرن الـ19 لذلك بعد نصف قرن  ظهرت طبقة مثقفة  من الاشوريين من الذين يتقنون لغة اجنبية  بالاضافة الى لغتهم الام  واذكر من هذه الامثلة الشاعر  شليمون ايشو  دسلامس  الذي عمل لفترة طويلة  مع البعثة الروسية الارثوذكسية  وكان يجيد اللغتين الروسية والانكليزية مما اهله للاطلاع  على الادب الغربي المدون بهاتين اللغتين ودفعه هذا الامر لكسر التقليد العمودي في القصيدة  السريانية  وكتب (سلامس ) اول نص  اشوري في الشعر الحر (شعر التفعيلة ) وكان بعنوان (  رحلة الدموع في طريق الدم ) وهو عبارة عن قصيدة موزونة من دون قافية  ونشرت تلك القصيدة في عام 1925 وبالنظر لجهلنا بتاريخ تاليفها فيبقى تاريخ نشرها ، المصدر الرئيس لاعتمادها كاول  المحاولات التي سبقت  بربع قرن  الحداثة الشعرية التي كان يقود سفينتها  كلا من السياب ونازك الملائكة اضافة لعبد الوهاب البياتي ..اما عن الحداثة اللغوية  فهي عبارة  عن خلق صياغات لغوية جديدة  وخلق تراكيب جديدة..

{ في هذه الظروف التي نعيش قسوتها بابتعاد اغلب المثقفين عن ديارهم ومناطقهم ، هل تجد ان هنالك دور مغيب لصحافتنا السريانية في هذه الاجواء ؟

-لاشك في  اخضاع اللهجة المحكية للكتابة قبل 170 عام  اسهم بشكل كبير  في نشر اللغة وما انتج كرد فعل على هذا الامر  من خلال انشاء المدارس والكليات واستقطاب كلا الجنسين لدراسة اللغة  بالاضافة  لانشاء مطابع خاصة  اسهم كل ذلك بنشوء الصحافة  التي اعتبرت اولى مظاهر النهضة الادبية  ولايختلف اثنان على ما تسهم به  الصحافة والفضائيات من تنشيط افاق اللغة خصوصا في اوساط النشيء الجديد لكن ما يثير فينا الاهتمام هو ان صحافتنا السريانية  خصوصا في السنوات الاخيرة لم  تكن تحت اشراف ضليعين او مهتمين باللغة السريانية فبقيت الصحافة تعاني تاخرا  فمن هو  ذلك الذي يعطي صلاحية لنشر نص باللغة السريانية دون ان يدقق صلاحية ذلك النص وخلوه من الاخطاء اللغوية او متانته ..

{ عملت في فترة من الفترات في رئاسة احدى الجمعيات المتخصصة بالثقافة ، ما مدى اسهام الجمعيات  والاتحادات في نشر اللغة ؟

-عملت في جمعية اشور بانيبال  اضافة الى النادي  الثقافي الاثوري وفي جمعية الناطقين باللغة السريانية  وهي مؤسسات ثقافية  اغنت الثقافة  وقامت بابراز الكثير من  الادباء والمثقفين فعلى صعيد جمعية اشور بانيبال  التي كانت من ابرز الجمعيات الثقافية العاملة لاسيما في حقبة تسعينيات القرن الماضي لكن هذه المؤسسة الثقافية القومية اجبرت على الانحراف عن خطها الثقافي لصالح الحزبية الضيقة  ،  والمصالح الانانية شانها شان مؤسسات ثقافية  طالها هذا الامر بعد التغيير الذي حصل في البلد عام 2003وهذا الامر  ابعد المثقف العراقي بعامة  والاشوري بخاصة من دائرة صنع القرار  مع الاخذ بنظر الاعتبار بان السياسي العراقي بعد التغيير  لم يكن سياسيا فحسب بل كان تاجرا وبجيب مملوء دائما ..!!

{ وماذا عن دور المثقف السرياني وجهوده في ايصال المحنة التي يعيشها عن طريق مجالات الادب المتاحة ؟

– المثقف يسعى دائما الى  تجاوز الماساة التي عاشها ويعيشها ،من  خلال سلسلة نشاطات يضطلع بها  والتي تقام في عنكاوا  من قبل الادباء السريان من النازحين من بغديدا وبرطلة  وباقي مناطقنا ولم يكن هنالك دور ملموس للاحزاب  في اقامة اية مسرحية او امسية  شعرية لكن ايمان  الادباء  والكتاب  وتعبيرا عن ماساة شعبهم  اقاموا  اكثر من نشاط تمثل بمسرحية او امسية ادبية  ومازالت تلك النشاطات تقام على قدم وساق بالرغم من الالم الكبير  الذي يكتنفهم  وقبل مدة  اقام النادي الثقافي الاشوري في اربيل  امسية شعرية شبابية شارك فيها بعض الشعراء الشباب من منطقة سهل نينوى المهجرين حاليا في اربيل ودهوك وغيرها ..

مشاركة