الغرور الكتابي
قليلٌ منا – معشر الأقلام- من لم يستول عليه، ما اسميه (شيطان الغرور الكتابي)، ذلك أن للكلمة سحر متوقد يذهب بك، أو بصاحبه شتى المذاهب، فمرة ترى نفسك قائدا كتابيا ذا أساطيل نصية بحرية، أو برية، أو جوية، أو برمائية، أو جومائية، إذا صح تعبيري الاصطلاحي هذا، وإلاّ فالملقن يتكفل ذلك،أقول: فما أن تفوق من انتعاشتك هذه حتى يلقى بك مذموما مدحورا، في هوة اليقظة السحيقة، التي قد تكون متأخرة، ومرة ترى نفسك أمير الشعر، وأخرى عميد الكتابة، وأخرى مدوي الخطابة، وأخرى ترى نفسك (المتنبي) السابع عشر، أو عنترة بتسلسل 180، أو الجاحظ بتسلسل وهمي يجعلك في المرتبة الأولى غرورا، وهبوطا، وتدحرجا من ألأعلى الوهمي، إلى الأسفل الوهمي، وأنت بتحد كهذا ، لايقف بوجهك لا(طه حسين)، ولا (أحمد شوقي)، ولا حتى المرحوم (ناظم الغزالي)، لو أريد منه أن يكون شاعرا، أو كاتبا، فما أن تفوق من تألقك ونجوميتك الخادعة هذه، حتى تلكزك العجوز الشمطاء ( بركلة)، أو (دفرة) كما يحلو للبعض أن يسمها باللغة الشعبية ! فتستيقظ من ضلالك هذا لترى نفسك أمام واقع صارم مهمته التقزيم والتحجيم،، والتقريع، والتشذيب، والتهذيب، وربما حتى التسقيط الإبداعي على مالهذه اللفظة من قسوة! وو.. الخ
الغرور في الحياة مشكلة، والغرور الكتابي مشكلة أكثر تعقيدا، وتعسفا، فمرة ترى نفسك مغرورا ولست كذلك، ومرة لست كذلك وترى نفسك مغرورا، أو ويراك الآخرون مغرورا، بمعنى أنك واثق بالأنا الإيجابية، ولكن الغرور يكون قد أصاب المتلقي لحظة متابعة سلوكك الكتابي والنتاجي، فألقى، أو اسقط غروره عليك!، ثم استفاد هذا الغرور من (الشبحية)، فصار يتزود من الدهون الزائدة لدى التكبر، فتعقدت المسألة أكثر وأكثر، فصرنا لانعتقد بشاعرية امرئ القيس، ولاندين بعبقرية الجاحظ، ولا نؤمن بابتكارية مبدع محدث يمكن أن تراه أعيننا، ولا نقر بروعة لقصيدة قد تجود بها قريحة مغيب، هي أفضل ألف مرة من أخرى، يطبل لها ويزمر، ويعزف، ويدبك لها ويرقص، ولكنها ميتة، لاتدبك، ولا ترقص، ولا تعزف !
وتكمن خطورة الغرور الكتابي في انه يأخذك إلى عالم مشتت الرؤى، فيسقط أمامك (جميع الكاريزمات المتاحة للآخرين) إلا كاريزميتك تبقى تهتف في صخب متواصل، فلا تسمع في هذا الصخب سوى صدى صوتك، إذ تختفي لديك جميع الأصوات، فلا تجد صوتا يرشدك إلى حقيقتك وضالتك، ذلك لأن جميع تلك الأصوات، هي الأخرى عبث بها شئ من هذا الغرور، فسلب منها تواضع الكلمة، فأصبح المشهد أمام مباراة كاذبة تنتهي نتيجتها برقم قياسي للأهداف (101) هدف لكلا الفريقين المغرورين!، وهنا تسعفني ملكة (ر-ش- مصدرا ومرجعا وباحثا) بتنظير يضفي على المقال بشذرة اقتداح مهمة، فأقول: يقسم الغرور العام إلى : غرور سلطوي، وجمالي، وثرائي، وصحي، وعضلاتي، ونجومي، وتألقي، وعنصري (اجتماعي)، وكتابي، وإنشائي، وابداعي، وإدعائي : وهو الغرور المركب، وكلنا يدري بحكم تجربته المتواضعة في الحياة، مالهذه الأنواع من سلوك عبثي في مفاصل الحياة، وواجهاتها المهمة، بما يضيق الخناق على صاحب العملة النادرة، وصاحب الغرور الحقيقي (الثقة) الذي لايغتر بثقته، وكل هذه الأنواع من الغرور هي غير منتجة تأخذ نفقاتها بالإدعاء الوهمي من ميزانية المجتمع القيمية، دون أن تقدم له شيئاً مضاهياً فهي وكما يشير علي الملقن أن أصفها (بالتنبل) الذي هو كلٌّ على صاحبه، أينما يبعثه لايأتي بخير، كما أشار إلى ذلك المعنى القرآني بقوله تعالى:” الآية الكريمة، رهينة البحث، سأوردها في نسخة المقال اللاحقة، بمشيئة الله تعالى.
وأما الغرور الإنشائي، فيندرج مرادفا للغرورين الإبداعي والكتابي، وهو يرافق تدفق الكلمات الإبداعي، محتويا على جانب كبير من الثقة، لذلك أقول فيه (الغرور المحايد)، مستفيدا من استنتاجية مصدريتي ومرجعيتي وبحثيتي، وأقول عنه المحايد لكونه حاز على شهادة ما اسميه (الأنا الإيجابية)، في براءة اختراع اللحظة!، ولا أريد أن أتوسع أكثر من هذا التوسع لكي لااثقل بأفكاري على العمود الفقري لمقالي هذا فيبدو محدودب الظهر، كسيح الخطوات، لايسير إلاّ بمساعدة حفيده السخي، بل هو في عنفوان شبابه كما أرى!، ومن ثم اخرج عن الفكرة الرئيسية التي مازالت بالانتظار منذ لحظات، لذلك أعود فأقول : إن شر أنواع الغرور هو مااسميته (الغرور المركب)، الذي يقوم على نظرية من يمنح المغرور صفة هي ليست له ولا يمكن أن تتأصل فيه، بسبب الجهل، أو فساد الذوق، أو المحاباة غير النزيهة، أو ..الخ، ثم أن هذا المغرور أوهم نفسه سلفا بامتلاك مزية لم تكن متوفرة فيه، فصرنا هنا أمام طامة كبرى، بحيث أصبح صاحب الغرور المركب، بحاجة إلى، (ركلة أخرى) من العجوز الشمطاء كي يثوب إلى رشده !
واسمحوا لي كذلك أن أقول: الغرور مهندس فاشل، احذر من تبني خريطته في البناء، لأنه سرعان ماينهدم فيقع السقف على الجدران، وتقع الجدران مع السقف على من تحت السقف، لنصبح أمام مشهد من الأنقاض !، وإذا كان علاج الغرور في ركلة شديدة من العجوز الشمطاء، فلا بأس بذلك ؛ لأن هذه العجوز هي عمتنا (الحكمة)، وفي ركلتها شفاء من كل داء!، فهيا جميعا لأخذ نصيبنا من الركلات!
رحيم الشاهر
AZPPPL