الغربة وعاشق بغداد

الغربة وعاشق بغداد

مزارات الملوك

بعد ان اوقَف قلمي لحظات الحسرة على عشقي الازلي بغداد اليوم.

اكمل طريقي وانا متجه الى نصب الشاعر الذي اقترن اسمه مع اسم نصف بغداد اعتزازاً منه باسم اجمل مدينة بالكون وكلماته التي اطلقها لتكن فيما بعد احاديث يتداولها اهل بغداد وهو ((معروف عبد الغني الرصافي)) وقفت حائراً بين يميني ويساري تحت شمس صيف بغداد الجميلة لان على يميني حجي طه ابو اللبن وهو (( يخوط بالچمچه اللبن الثخين بالنجانه البيضة )) وصوته الذي يسمعه الجميع دون ازعاج وجملته المعروفه (( الله ربك تعال وبرد قلبك )) مع الضحكة الحلوة في وجه الزبون ولا ينسى ان يقول للجميع عند دفع الحساب (( خليها عليه فدوه )).

عناقيد العنب

اما على يساري وعلى بعد خطوات من التقاطع (( شربت زبيب الشورجة )) وعناقيد العنب الطبيعي وهي تتدلى لتغطي واجهة المحل وعند دخولك للشراء اول ما تستقبل به هي العبارة المشهوره في هذا المحل وهي (( جرب الزبيب وصلي على حبيب )) وبين هذا وذاك تركت المكان هروباً من حيرتي متوجهاً الى ساحة الرصافي وهي تزهو بالنظافة وكل شخص تراه عيني يذهب باتجاه سوق السراي او عمارة الرصافة البيضاء الجديدة او سوق الصفافير او ملتقى الثقافة والمثقفين شارع المتنبي او سوق هرج وادور في مكاني ابحث عن وجهتي التي اضعتها لان كل مكان ذكرته اجمل من الاخر واود ان اتوجه اليه فاخترت ان اتجه الى مكاني الذي لو زرته كل يوم وكل ساعة وكل لحظه لما مللت وهو سوق هرج فانا اعشق كل تحفة او منحوته او صورة تراثيه من بغداد وعلى مر السنين التي سبقتني وكان لي صديق يعمل في بيع ( السبح والخواتم ) وتجولت بين هذا المتحف الكبير الذي يسمى سوق هرج لانتهي بمجالسة صديقي ( الشقندحي) والذي يجعل من الكلمات والاحاديث العابرة ( نكات) تُضّحك حتى نسمات الهواء العابر بيننا لاشرب (الشاي المهيل ) بعد ان احضره من مقهى صغير يجاور محل صديقي ليأتي ( بصينية وسطها قوري فرفوري صغير مورد ) ويقول ( تفضل اغاتي هني ومري) لأغادر المكان محملاً بنشوة لا يشعر بها الى من عشق بغداد .

اواصل خطواتي في شارع الرشيد تجاورني ( الدنگ) التي تحمل فوقها لوحات من البناء البغدادي المطرز بالشناشيل متوجها الى وجهتي ولكن العطش تغلب على سعادتي وانا باحضان عشقي الازلي بغداد فكان موعد العطش في وقته المثالي حيث انا ، فهنا محل زاره الملوك ورؤساء وزارات العراق في العهد الملكي وروساء الجمهورية العراقية والادباء والفنانون وعامة الشعب وهو يروي عطشهم او يحلي مذاقهم البغدادي وهو (شربت حجي زباله) بطعمه المميز وانا اتوذقه متزامناً مع تذوقي للصور التي تغطي الجدران وهي صور (الملوك والقبنچي والزعيم وابو الفرارات ورجل الوزارات نوري السعيد والچرخچي و ، و ، و) معرض لصور بغدادية لا تجدها في مكان اخر.

اترك محل ( حجي زبالة ) مرتوياً بالشربت والذكريات متوجهاً الى جسر الشهداء ولكن اخترت شارع الثقافة شارع المتنبي لاطل على كتب لا تملكها اعظم المكتبات العالمية تفترش ارض بغداد معشوقتي ويحيطها الكثير الكثير ويتصفحون عناوينها ليمتلكوها ثروة دائمة وهناك موسيقى تصويرية معها وهي صوت المطابع وهي تطبع وعلى مدى وقت النهار لانها بغداد الثقافة.

اقف في تقاطع السراي وامام مقهى الشابندر هذا المقهى الذي كان اسمه من معالم بغداد في تلك الايام التي اتحدث عنها في هذه الاسطر من عاشق بغداد واصبح نفس المقهى هو من احزان بغداد التي سوف يعرف حزن هذه المقهى الاجيال بعد الاجيال .

لا يوقف سردي لاحداث وذكريات تسعدني الا حزني على معشوقتي بغداد (اليوم).. ولنا تكملة …!

احمد كامل  الزبيدي –  السويد

مشاركة