العودة لزمن الرقّ والعبودية
معتصم السنوي
رق Slavery (الموسوعة السياسية- الجزء الثاني- 827) ظاهرة اجتماعية نشأت في المجتمعات القديمة نتيجة الحروب واستمرت بشكل أو بآخر حتى زمن قريب..! كان (الرق) يقترن عادة بالعمليات الحربية التي تقوم بها إحدى القبائل بإخضاع قبيلة أخرى مهزومة، ومن عادات القبائل الأفريقية أن توضع (الزوجات والأطفال) بصفة (رهائن) نظير التزام معين بحيث تغدو هؤلاء الزوجات والأطفال عبيداً دائمين إذا لم يتم الوفاء بهذا الالتزام. والواقع أن نظام (الرق) قديم جداً حيث ظهر في قوانين (حمورابي) وكانت صورته شائعة في حضارات دجلة والفرات وفي (فارس) القديمة والعبرانيين القدماء. كما أن (الرق) من النظم المقررة باليونان في زمن (هيوميروس)..! وكان الرقيق يعتبرون (قانوناً)، من الممتلكات، وكان إعتاقهم شائعاً، وفي سنة (1885) تمخض مؤتمر (برلين) عن اتفاقية التزمت بمقتضاها معظم الحكومات في العالم بمقاومة تجارة الرق ثم اتفاقية بروكسل (1890) وقعتها (18) دولة، وقد قامت عصبة الأمم بحملة عالمية من أجل مكافحة هذه الظاهرة وإلغائها خاصة في مؤتمر (1926) بيد أن الرق أستمر..! أما (العبودية) Esclavage (الموسوعة السياسية- الجزء الثالث- ص868) هي ملكية إنسان لإنسان آخر، ملكية لا تقف عند حد استغلال المالك لعبده وإجباره على العمل وإنما تمتد لتمنحه الحق في أن يتصرف فيه (بالبيع والشراء) وقبض ثمنه، بل أنها تبيح له في غالب الأحيان أن يتخلص منه متى شاء بإزهاق روحه..! والعبودية ليست مجرد حالة عابرة في تطور بعض المجتمعات، بل كانت مؤسسة اجتماعية واقتصادية وسياسية ذات أسس قانونية أرتبط ظهورها بتطور الاقتصاد والمجتمع في مراحل متقدمة نسبياً من التاريخ البشري. وبالطبع، فإن العبودية، كمؤسسة قانونية واجتماعية، كانت متعددة الأشكال. وقد ظهرت، أول ما ظهرت، عندما توقف الإنسان، في مرحلة متقدمة من التطور الاقتصادي عن قتل خصمه أو عدوه أو مدينه، وأخذ يستغله (أو يستعبده) بتحويله إلى شغيل مجاني ذي مستوى معيشي متدنٍ، يساهم بعمله المجاني في رفع مستوى معيشة (سيده)، والملاحظ أن المجتمعات البدائية المتوحشة لم تشهد أبداً هذا النوع من العبودية بل ظل مصير العدو الأسر فيها (القتل المباشر)، والوظيفة الاجتماعية الأساسية لهذا النوع من العبودية التي يطلق عليها البعض صفة (العبودية القديمة) أو (العبودية غير العنيفة)، كانت أذن في (الحفاظ) على الأسير والإبقاء على حياته بهدف تشغيله وتسخيره في خدمة (سيد) واعٍ لمصلحته البعيدة المدى، وهذا النوع هو الذي يدفعه إلى معاملة (عبده) برفق وإعتدال. والعبودية، من هذه الزاوية، كانت تشبه إلى حد بعيد الدور الاجتماعي الذي كان يقوم به الخدم في المجتمعات البورجوازية، إذ كان العبد يرتبط بنوع من الوفاء لسيده كما كان يعتبر نفسه، عن حق أو عن خطأ -عضو في عائلة سيده الكبرى، والعبودية بشكلها هذا، ترتكز بالدرجة الأولى على النظام الأبوي. أما في الشكل الآخر للعبودية فأن وضع (الإنسان المُستعبد) يكاد لا يختلف في شيء عن وضع (الحيوان)..! وهكذا يصبح العبد (ملكاً) لسيده تماماً يتصرف فيه كما يتصرف (بحصانه وببقرته..!). كما أن بعض المؤلفين الرومان كانوا يقدمون النصائح العملية للأسياد في كيفية استغلالهم الأمثل بأقل كلفة ممكنة. وعندما يكون العرض في (سوق العبيد) أكثر من الطلب خاصة في أثناء الحروب، كان الأسياد يعمدون إلى (خصي) عبيدهم أو عدم تشجيعهم على الإنجاب نظراً للكلفة الباهظة التي يفترض فيهم أن يدفعوها لتربية الطفل قبل بلوغه مرحلة القدرة على العمل، ولكن هذا الموقف سرعان ما تبدل رأساً على عقب بعد إلغاء تجارة العبيد رسمياً مما أدى إلى ندرة العرض وهذا بدوره قد دفع (الأسياد) إلى تشجيع العبيد على الإنجاب واعتماد طرق سريعة واقتصادية لتربية صغار العبيد ووضعهم بسرعة في سوق العمل..! إضافة إلى ذلك، فقد عمد بعض تجار العبيد، خاصة في (أمريكا الشمالية)، إلى إنشاء (مزارع) لتربية الأطفال العبيد وبيعهم في السوق)، خاصة بعد عام (1808). كما تخصص بعض هؤلاء التجار بتزويج العبيد من أجناس مختلفة لإنجاب جنس جديد وقوي من العبيد ذي قدرة عالية على التحمل الجسدي والقيام بالأشغال الشاقة..! وهكذا نرى أن نظام العبودية عبر التاريخ لم يتورع عن أرتكاب أي شيء في سبيل زيادة الإنتاجية وبالتالي الربح..! إن ثروة الأسياد لا يمكن أن تتراكم إلا بفضل وجود (اللامساواة بين البشر)، تلك اللامساواة التي تعتبر العبودية أوضح تعبير عنها، وحول هذا الموضوع يقول (أرسطو) في كتابه (السياسة): “أن الفائدة من الحيوانات الداجنة ومن العبيد تكاد تكون واحدة..! فكلاهما يساعداننا، بفضل قوتهما الجسدية، على تلبية حاجات الوجود. وهكذا فالحرب هي، بشكل من الأشكال، وسيلة طبيعية طالما أنها تقتضي القيام بمطاردة الحيوانات والعبيد الذين يرفضون الأنصياع ، وهو الذي خلقوا أصلاً للطاعة..! وفي تراثنا العربي القديم نماذج مشابهة لما كان يجري في الغرب القديم وهي من أهم مظاهر النزعة العصبية للدفاع عن (القبيلة) وهو أن يقف الفرد نفسه مدافعاً عن القبيلة، ولا ريب أن ظروف العيش قد هيأته لذلك، إذ جعلته حياة الصحراء فارساً يُلمّ بفنون الإغارة والقتال، فهو غالباً ما يتوقع غزواً من عدو، أو إغارة خاطفة من موتور، أو صيحة حرب في القبيلة استعداداً لهجوم على حيّ من أحياء القبائل الأخرى..! وليس أبعث لفخر الفرد أنتصار قبيلته، وعودتها إلى أحيائها محملة بالغنائم تجرّ وراءها الأسرى، وخاصة (سبايا النساء)، إذ إنَّ سبيهن مظهر لمدى قوة القبيلة وسطوتها، ولمدى ضعف العدو وتخاذله، لأن القبيلة لا تتخلى عن نسائها إلاّ بعد أن تهزم هزيمة متكرة..! ثم إن بقاء (السبايا) بأيدي القبيلة (المنتصرة يذكّرها دائماً بفوزها، ويبُقى لظىّ محرقاً في قلوب أعدائها، وعاراً مشيناً لاصقاً بهم أمام القبائل الأخرى..! وسباياهم من النساء وهن يعولن ويصرخن، بعد أن كن حرائر ممتنعات في بيوتهن..! وفي عراق اليوم يعيد التاريخ صفحاته السوداء بأشع صورها حين نشاهد وشعوب القارات الخمس معنا ما يحدث في نينوى والأقضية والقرى التابعة لها، من استباحة لكرامة الإنسان ونحن في القرن الواحد والعشرين، أن تنظيم (داعش) حسبما أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني في نينوى قتل (80) شخصاً في قرية (كوجو) (اليزيدية) جنوب قضاء سنجار لرفضهم الأنصياع لطلب داعش (أعتناق الإسلام) وسبى نساءهم وأطفالهم وتمّ نقلهم إلى (تلعفر) لبيعهم في أسواق (النخاسة) التي فتحها التنظيم بعد دخوله الموصل في العاشر من حزيران 2014 وتشير التقارير أن الكثير من النساء والفتيات (الأيزيديات) أقبلن على الانتحار بعد تعرضهن للاغتصاب من (داعش)..! وأدت سيطرة (التنظيم) المتشدد على هذه المناطق التي تسكنها أقليات دينية من (المسيحيين والأيزيديين والشبك والكاكائية) إلى نزوح مئات الآلاف منهم، وحدوث كارثة إنسانية كبيرة جراء محاضرة آلاف من (الأيزيديين) في جبال (سنجار) حيث توفي المئات من النساء والأطفال وكبار السن بسبب الجوع والعطش وحرارة الجو..! شعبنا الذي قدم التضحيات من أجل كرامته والحياة الحرة، لا يستحق ما يجري له، وهو ينوء تحت وطأة العديد من القضايا والملفات ذات العيار الثقيل، لعل في المقدمة الآن ما يقوم به (داعش) من موبقات حرمها الدين الإسلامي وقرآنه الكريم، بل والشرائع السماوية الأخرى، لتخرج هؤلاء (الدواعش) عن تصرفات البشر، فشره شمل الجميع، والوطن يئن، وجراحه يعمقها الإرهاب والمليشيات المنفلتة، فلا عذر لمن يساهم في زيادة الطين بلة، وبالذات من جانب من يحسبون أنفسهم على العملية السياسية الجارية الآن في بلدنا بمالها وعليها، الوضع حرج بما فيه الكفاية، ولا يتحمل المزيد من (التجارب) بما جاءت به سابقاً، وما يمكن أن تجيء، من انعكاسات سلبية خاصة وأن بلدنا الآن في مخاض عسير وممارسة جديدة لانتقال السلطة الذي لابد أن يكون سلمياً وأن يتكرس كنهج لا رجعة عنه، وهو ما يتوجب ترسيخه عبر ممارسة دستورية قانونية سليمة تجنباً لأية تفسيرات منقلبة تقود إليها مصالح ضيقة يضعها أصحابها فوق كل اعتبارات أخرى، وفوق مصالح الشعب والوطن العليا..! والناس تنظر النتائج الملموسة، وليس الأقوال والاستنكارات لجرائم داعش فالموصل وسكانه يستغيثون ومستاؤون من أوضاعهم وكأنهم يعيشون في غابة البقاء فيها للأقوى وخائفون على حياتهم، وينتظرون التدخل الحكومي لإنقاذهم من واقع لم يسبق أن عاشوه على مر التاريخ، وتحريرهم مع مدينتهم المغتصبة من العناصر التي تسيطر عليها..! فزمن الرق والعبودية قد تجاوزه التاريخ والحضارة الإنسانية، ولكن ما يثير القلق والاستغراب التناقض الواضح للسياسة الأميركية والبريطانية الذين يعدون (حلفاء العراق) بعد عام2003 وملتزمين بإتفاقيات دفاعية لحماية أمن العراق وشعبه، ومن حق (العراقيين) يشبهون موقفهم بالمثل البغدادي (يقتلون الميت ويمشون وراء جنازته)..! ففي الوقت الذي يصرح به السفير البريطاني في العراق (سيمون كوليس): كنا على علم بالخطورة المحدقة وقدمنا النصح للحكومة العراقية لهزيمة تنظيم داعش من خلال إستراتيجية شاملة مكافحة الإرهاب! يكشف الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية (أدورد سنودن)، أن الوكالة وبالتعاون مع نظيرتها (البريطانية) ومعهد الاستخبارات والمهمات الخاصة (الموساد) مهدت لظهور تنظيم دولة العراق والشام (داعش)..! وقال (سنودن) أن (هناك تعاوناً لأجهزة استخبارات ثلاث دول هي (الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل) لخلق تنظيم إرهابي قادر على استقطاب المتطرفين من جميع أنحاء العالم في مكان واحد في عملية يرمز لها (بعش الدبابير)..! وأظهرت وثائق سرية من وكالة الأمن القومي الأمريكي أن الأخيرة قامت بتنفيذ خطة (بريطانية) قديمة تعرف (بعش الدبابير) لحماية الكيان الإسرائيلي تقضي بـ(إنشاء دين شعاراته إسلامية يتكون من مجموعة من الأحكام المتطرفة التي ترفض أي فكر آخر أو منافس له)..! ويحضرني الآن ما كنت قد كتبته في عام 2001 وفي صحيفة العرب التي تصدر في لندن مقال نوهت فيه إلى هذه (اللعبة القذرة) بإستخدام (الدين ضد الدين)..! أما قرار مجلس الأمن الدولي الذي صدر في آب 2014 بعد غفوته الطويلة وهو يؤدي دور (المتفرج) على مسرح مذابح (داعش) وسبايا نساء وقتل أطفال أهتزت لها قُبة السماء..! جاء (متأخراً) بعد اجتياح (داعش) مدن في سوريا العراق وأصبح يهدد مصالح الغرب وخاصة أمريكا وبريطانيا في العراق (النفطية)، وبهذه المناسبة نشير إلى مقالنا المنشور في العدد (4851) وبتاريخ 5 تموز 2014 لإظهار مدى تأثير (المصالح) في اتخاذ القرار الأمريكي ولم يكن رأينا الشخصي أو اجتهادنا الذي يدرك أبعاد السياسة الأمريكية وخاصة (الخارجية) وبالأخص فيما يتعلق بالمنطقة العربية وننقل لكم ما تحدثت به صحيفة (واشنطن تايمز) الأمريكية. أن الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) ما يزال مصراً على انتهاج سياسة (النأي بالنفس) رغم الإرهاب المحدق بمنطقة الشرق الأوسط ولاسيما العراق..! وسلطت الصحيفة الضوء على بعض (الانتقادات التي تمّ توجيهها إلى (أوباما) حيال تعامله مع الأزمة العراقية والتي تقول إن معالجته للأزمة تعد دليلاً آخر على أن سياسته الخارجية خلال الخمسة أعوام الأخيرة، خلقت حالياً ظروفاً تهدد استقرار الشرق الأوسط بالكامل)..! وتابعت الصحيفة أنه (بالرغم من اعتراف (أوباما) بالتهديد المباشر الذي يمثله تنظيم داعش على الولايات المتحدة إلا أنه أكد أن داعش لا يمثل تهديداً حالياً (لواشنطن)..! وكل ما نقوله (سبحان مغير الأحوال والطبائع) لتغيير سياسة (أوباما) من الزاوية الحادة إلى القائمة وقد تصل إلى (المنفرجة) إذا ما دعت السياسية الأمريكية إلى ذلك. فمن المعروف للقاصي والداني وللمواطن العادي أن تنظيمي (الدولة الإسلامية (داعش)، وجبهة النصرة من إنتاج الولايات المتحدة وبعض الدولة الغربية التي ساهمت على تدريبهم وتسليحهم في الأردن وتركيا وتخصيص المليارات من الدولارات من قبل بعض الدول الخليجية (قطر والسعودية) لتمويل التنظيمين بدفع أثمان الأسلحة الحديثة وأجور (الجهاد) للمقاتلين..! وقد فضح القرار من دون أن يدرك أبعاد (الفضيحة) حينما أدرج أسماء ستة قياديين إسلاميين متطرفين من (الكويت والسعودية ودول أخرى على لائحة العقوبات الدولية الخاصة بتنظيم القاعدة مما يؤدي إلى تجميد ممتلكاتهم ومنعهم من السفر..! وقد تناست (عمداً) الآلية التي سيتم بموجبها تنفيذ ما جاء في قرار المجلس على دول تعد من أصدقاء الغرب وأمريكا الأوفياء..! والسؤال الذي تتناقله (الألسن) في الشوارع والبيوت وفي وسائط النقل والأسواق والملاجئ التي اتخذت مأوى للذين هجروا قسراً من مناطق سكناهم وخرجوا بالملابس التي تستر عريهم فقط ماذا سيكون مصير هؤلاء المهجرين الذين سكنّوا في الخيام والكرفانات وفي هياكل أبنية مهجورة ومدارس وجوامع وحسينيات مع متغيرات في درجات الحرارة حولتهم إلى ما يشبه (أفران المخابز)..! خاصة وليست هناك مؤشرات نحو استعادة الأرض التي أغتصبها الإرهابيون هي وأهلها، وهل هناك من يفكر بالاستسلام للأمر الواقع كما هو عليه تنفيذاً لما تمّ التخطيط له منذ سقوط النظام السابق عام 2003..! بتقطيع البلدان العربية ومنها العراق بهدف أضعاف الأمة العربية والإسلامية وجعلها تدور في فلك مصالح الدول الكبرى وتحت قيادة (شرطي أمريكا) الكيان الصهيوني الذي يصول ويجول في المنطقة متى شاء وكيفما يشاء..! ونذكّر (هؤلاء) الذين أعمتهم مصالحهم الدنيوية للعبث بأرواح الناس بالآية الكريمة (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ]البقرة/229]، وبالقول المأثور: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً..! والعاقبة للمتقين..!