العمل الإستخباري بين السياسة والسيادة

عماد علو

كثيرا” من اللوم ومحاولات تنصل المسؤولين من مسؤولية الدماء العراقية التي تراق كل يوم من قبل الارهابيين ، تلقى على تدني وتردي أو ضعف العمل الاستخباري ، وأنا على يقين أن الكثير من الذين يعلقون فشلهم في تفسير ما يجري من ابادة واضحة للشعب العراقي بمختلف مكوناته لا يلمون بشكل تام بمفهوم ومشتملات ومتطلبات العمل الاستخباري المطلوب لمكافحة الارهاب وحماية الشعب والممتلكات العامة ، ويعتقد معظم الذين يتكلمون عن ضعف العمل الاستخباري أن الاستخبارات تتلخص بزرع (المخبرين السريين) بلباس مدني بين الناس ليراقبوا ما يحصل بينهم  ويجمعوا ما يعتقدون أنه (معلومة استخبارية) ليحققوا الامن والاستقرار المنشود؟

فالعمل الاستخباري هو عملية جمع المعلومات وتقويمها وتصنيفها وتحليلها عن العدو أو أي تهديد أمني أو سياسي أو اقتصادي أو عسكري أو اجتماعي وتوزيعها الى الجهات ذات العلاقة لغرض المباشرة بعملية التخطيط لمواجهة التهديد أو الخطر المحتمل الذي تؤشره تلك المعلومات . وعليه فان العمل او الجهد الاستخباري هو عمل وجهد متنوع يشمل مساحة واسعة من الاختصاصات والتخصصات ويتطلب الآلاف من الخبراء والمتخصصين بمختلف العلوم الطبيعية والانسانية والسياسية والعسكرية والتكنولوجية والنفسية … الخ .

والعمل الاستخباري أو الجهد الاستخباري الناجح والفعال لا يقتصر على كونه علما” أو مجموعة من العلوم بل هو حصيلة تراكم خبرات مختلف الاختصاصات التي ذكرناها في مجال تحليل وتصنيف وتوزيع المعلومات ومستند الى قاعدة معلومات واسعة النطاق يتم تحديثها بصورة مستمرة من قبل مختلف مصادر جمع المعلومات والتي تشمل المخبرين أو عناصر الاستطلاع والجواسيس ، كذلك مختلف وسائل الرصد والتحسس البصرية والالكترونية والرادارية المتحركة(على الارض والطائرة في الجو والفضاء الخارجي)  والثابتة وكذلك مصادر المعلومات الاعلامية (الراديو والتلفاز والصحف المقروءة والالكترونية والكتب والبحوث والمؤتمرات العلمية ….الخ) .

تقدم تكنولوجي

وعلى سبيل المثال لا الحصر تتبع “وكالة الاستخبارات المركزية “CIA أساليب عدة للحصول على المعلومات بواسطة التقدم التكنولوجي والمعلوماتية والتي تتفوق به على الكثير من الدول المتقدمة في هذا المجال إضافة إلى استخدامها أساليب “التجسس الفرويدي” وزرع أجهزة التنصت والتصوير, واستخدام الواجهات المختلفة والأشخاص للتجسس البصري المرئي, وتستخدم أيضا النساء والجنس وطورت أدائها باستخدامها الواسع للأقمار الصناعية التجسسية لمتابعة وتعقب الاتصالات-نظام تحديد المواقع GBS وتحليلها وتتجه إلى تطوير هذه القدرة بمشاريع جديدة وبقدرة أنفاق أكثر لتسيطر على حركة العالم وتجعله تحت المراقبة المستمرة لأربع وعشرون ساعة وبتفاصيل دقيقه . وقد سبق وان تمكن برنامج طائرات التجسس (U2) في جمع الكثير من المعلومات الهامة عن الاتحاد السوفيتي ، وفي عام 1997 كشف عن استخدام “وكالة الاستخبارات المركزية “CIA الحشرة الالكترونية للحصول على المعلومات لم تتمكن الأجهزة المخابراتية الوصول إليها كتحليل الحالة النفسية للأشخاص المطلوب التجسس عليهم وخاصة الرؤساء والشخصيات المهمة. وهي عبارة عن مرسل صغير حيث أشار إليه العالم الألماني (أيرش شميدت ابينوم) وأعلن أن استخدام مرسل بالغ الصغر يمكن تركيبه في أي كومبيوتر يستطيع أن يرسل ما هو موجود في هذه الكومبيوترات إلى الأقمار الصناعية خلال جزء من الثانية(سرعة الإرسال) وذلك بزراعته سواء في( وحدة المعالجة المركزية أو ما يطلق عليه لوحةCUP-أو في أحدى الرقائق الموجودة في اللوحة)، وقد تسلمت الموساد هذه التكنولوجيات المتقدمة المسماة “بروميس” من المخابرات الأمريكية التي قامت بدورها بزرعها في الكومبيوترات التي تباع إلى الدول العربية ومن ثم استطاع الكيان الصهيوني الإطلاع على محتويات هذه الكومبيوترات بتعاون الجهازين الاستخباريين .  وعليه فان التطور التكنولوجي في مجال العمل الاستخباري بلغ مراحل متطورة من التحديث وقدرة التمويه والاختفاء لنقل المعلومات.

ويتساءل عدد كثير المهتمين والمراقبين  عن كيفية مراجعة ودراسة تقييم وتحليل آلاف الملايين من المكالمات والمحادثات الجارية كل ساعة في العالم نظرا لما يشاع بان الهواتف والمكالمات والرسائل مراقبة, وما حجم الكادر الذي يستطيع القيام بهذه المهمة ويمكن الإجابة عليها ببساطة, التكنولوجيات المتطورة الحديثة لها دور أساسيا بالتغلب على ترهل الكادر ومتابعة المكالمات من خلال “قاموس الكلمات” حيث يكون هناك مجموعة كلمات مهمة جنائيا أو سياسيا أو عسكريا مفروزة ضمن هذا القاموس, ولكل جهة نوعية كلمات يجري التعامل بها  فمثلا أن كان الهدف المطلوب مراقبته إسلاميا فهناك معجم  من الكلمات التي يتعامل بها الإسلاميون يجب مراقبتها فمثلا كلمة التحية السلام عليكم – إن شاء الله – مشاء الله وغيرها من كلمات التداول للمسلمين, وقد قامت المخابرات الألمانية(BND) بتحديث نظام مماثل أطلقت عليه اسم(AUSTIN2) يستطيع التقاط الإشارات اللاسلكية في الهواء أي حتى وان كانت الأجهزة النقالة غير مستعمله للتحدث(مقفلة)  وفرز الكلمات الواردة فيها حسب معجم الكلمات الواجب مراقبته, أما وكالة المخابرات الروسية (FSB) تعمل منذ مده على مشروع مماثل يدعى مشروع(SORM) وكذلك الصين يجري فيها نظام التتبع الالكتروني ويقوم بتتبع جميع المخابرات إلي تتم عبر الانترنيت ويعزز ذلك نظام تحديد الموقعGBS. ومن وسائل أو مصادر جمع المعلومات الاخرى المستخدمة في اجهزة الاستخبارات والمخابرات : أجهزة متطورة صغر حجمها لغرض عدم لفت النظر إليها وسهولة إخفائها أو زرعها لتحقيق التنصت المطلوب أو التصوير , مثل الميكروفون الليزري الذي يعمل بتوجيه أشعة ليزر إلى نافذة من نوافذ أي غرفة, أو موقع لتسجيل الحوار الدائر في الغرفة بل يستطيع اقتناص أي أشارة صادره من أي جهاز الكتروني في تلك الغرفة أي تخضع كامل الغرفة تحت عملية التنصت والتجسس. كذلك جهازTX وهو جهاز إرسال صغير داخل هاتف يراد التنصت عليه لأنه يمكن بواسطة هذا الجهاز””TX الدخول إلى خط الهاتف الصغير من بعيد دون أن يشعر احد بذلك, كما يستطيع تحويل الهاتف الموجود في الغرفة إلى جهاز إرسال ينقل جميع المكالمات التي تجري داخلها حتى لو كان ذلك الهاتف مقفلا, كما أن جميع الهواتف النقالة تقع  ضمن دائرة المراقبة والتصنت بعد أن استطاعت أحدى الشركات الألمانية وهي شركة(Rode &Schwarz) تطوير نظام أطلقت عليه اسم(IMSI-Cather) وهو مختصر ل International  Mobil Subscriber  Identity استطاعت من خلاله التغلب على الصعوبات في رصد واستمكان جميع الإشارات من هذه الهواتف وقلبها إلى مكالمات مسموعة, إضافة إلى قدرة تحديد وتعقب موقع الهاتف حتى وان كان مغلقا بالتماس الحراري مع البطارية الموجودة فيه وكذلك قدرة تعقب موقع المكالمة بدقه وفي موقعها. كما وكالة المخابرات البريطانية (GCHQ) قد استحدثت مشروع جديد للتنصت يرمي للتنصت على جميع الاتصالات التي تتم بواسطة الانترنيت والهواتف النقالة والفاكسات والاسم المختصر لهذا المشروع الاستخباري هو(98NNFOPOI) ..

وعلينا أن لا ننسى دور العنصر النسوي في رصد وجمع المعلومات ويلاحظ غالبية دوائر المخابرات في العالم تستخدم النساء والجنس كأساليب معتمدة في استقاء وجمع المعلومات والاختراق والاصطياد, وهذا الأسلوب اخذ بالتعامل به في غالبية أجهزة المخابرات في العالم حتى أن إسرائيل تستخدمه بما يسمى (بيت الملذات), وهو جهاز يعتمد على تصوير المستهدفين في أوضاع مخلة لغرض تجنيدهم عن طريق ابتزازهم بهذه الصور وغالبا ما يكون المستهدفين في بيت الملذات من العرب, أذن فاستخدام الجنس قاعدة عامة معروفه في عمل دوائر الاستخبارات والمخابرات.

 وفي الختام لابد لنا من التفريق بين مصطلحات الاستخبارات والمخابرات وجهاز الامن ، حتى يمكن تنظيم عمل الاجهزة التي يرمز لها كل مصطلح وتنسيق العمل والتعاون فيما بينها فالاستخبارات مصطلح عسكري يشير الى عمليات الاستطلاع وجمع المعلومات عن قوات العدو واماكن انفتاحها وتحركها ونوع تسليحها و….الخ . في حين يشير مصطلح المخابرات الى نشاط جهاز ومؤسسة من مؤسسات الدولة تختص بجمع المعلومات وتحليلها عن البلدان والمؤسسات الأجنبية ويقومها، كما تقوم بمكافحة التجسس المعادي ، والأعمال الأخرى التي تستهدف إضعاف البلاد. اما جهاز الامن فهو المؤسسة المعنية بجمع المعلومات وتحليلها وتصنيفها عن الخارجين عن القانـــون وعناصر الجريمة المنظمة والفاسدين والمنحرفين والمناوئين للنظام داخل حدود الدولة ..

غياب الانسجام

ان العمل المخابراتي والاستخباري والامني في العراق يشهد تداخلا” وعدم انسجام وغياب واضح في التنسيق بالإضافة الى تأثر واضح باتجاهات التفكير لقوى سياسية ابتعدت به عن المهنية والحرفية خصوصا” بعد حل الاجهزة الامنية السابقة في عام 2003 مما الغى عقود من تراكم الخبرات المهنية والاحترافية .  الامر الذي يحتاج الى اعادة النظر في الهياكل التنظيمية والادارية  لتلك الاجهزة وكذلك اعادة النظر بنوعية وسائل الرصد وجمع المعلومات واساليب تحليل المعلومات وطرق توزيعها ، بغية الارتقاء بقدراتها على مواجهة التهديدات المختلفة التي يواجهها العراق داخليا” وخارجيا” ، بما يعزز سيادته بعيدا” عن تداعيات الازمات السياسية.