العقول لا تكسر بل تصنع بها الدول – إسماعيل محمود محمد العيسى

العقول لا تكسر بل تصنع بها الدول – إسماعيل محمود محمد العيسى

في كل دولة تحلم بالنهضة، يقف الأكاديمي المفكر المثقف الحقيقي في مقدمة الصف، لا لأنه يبحث عن منصب أو امتياز، بل لأنه يحمل مشروعًا منضبطًا بالمعرفة، قادرًا على تحويل الفوضى إلى رؤية، والارتجال إلى خطط، والقرارات المرتبكة إلى سياسات ناضجة.

ومع ذلك، فإن بعض من صُنّاع القرار في عالمنا العربي ما زالوا يتعاملون مع الأكاديمي المفكر والمثقف بوصفه “خطرًا ناعمًا” يجب تحجيمه، لا قوة عقلية يجب استثمارها، يُقصى حين يختلف، ويُهمَّش حين ينجح، ويُكسَر حين ترتفع مكانته في المجتمع، كأن وجوده يهدد هيبة السلطة بدل أن يرفعها.

وهنا تظهر القاعدة التي يجب أن تُكتب بحروف بارزة في دفتر الدولة:

عندما يكون هناك أكاديمي ناجع…فعلى صاحب القرار أن يدعمه لا أن يكسره؛ فهدمُ العقول لا يصنع دولة، وكسرُ أهل العلم لا يبني مستقبلًا.

التجارب العالمية واضحة:

الدول التي احترمت عقول علمائها نهضت، والدول التي كسرتهم خسرت قرنًا كاملًا من التنمية.

في اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية، لم تكن النهضة نتيجة المال أو الموارد، بل نتيجة وضع الأكاديمي المفكر في قلب القرار، لا في هامشه.

وعلى العكس، فإن دولًا امتلكت ثروات هائلة لكنها همّشت الأكاديميين، فبقيت تتحرك في دائرة مغلقة، وتكرر الأخطاء ذاتها جيلاً بعد جيل.

اليوم، يعيش العراق- وغيره من الدول العربية- لحظة فارقة:

إما أن يُعاد الاعتبار للعقل الأكاديمي المفكر ليقود التنمية، أو تُترك المسارات لسياسة آنية قصيرة النظر لا تستطيع بناء وطن ولا إنتاج مستقبل.

إن دعم الأكاديمي المفكر ليس مجاملة…بل استثمار في الدولة نفسها، وكسـره ليس قرارًا إداريًا…بل جريمة تنمية تُدركها الأجيال بعد فوات الأوان.

 

مشاركة