العقول الكونكريتية
عبد الحسن علي الغرابي
لا تستغرب العنوان، هناك من استخدم العقل في العلم والعمل وبشكل يتوافق مع عصرنا الحاضر الذي يجب ان نقول هو أليق العصور في التقدم العلمي، واختراع اجهزة غيرت حياة العالم بتقنيات لم نألفها سابقا ونقف حيالها مبهورين، وثمة عقول جامدة لا تحرك ولا تتحرك يعول عليها عقل المسؤول حماية ارواح الناس وحفظ الامن العوارض الكونكريتيه التي تحكم غلق الازقة والشوارع، وتشوه منظرها، وفي الاونة الاخيره اخذت تتكاثر وتتناسل ليصل احيانا عددها الى ثلاثة او اربعة في الزقاق الواحد، تعرقل السير وتمنع مرور العجلات، تعيش معنا ننظرها وتنظر الينا بتحد وقح، ولا ترد السلام على السابله، وغاب عنها الاحساس بوجود الحاجة الى سيارات الطوارئ والخدمات مثل سيارات الاسعاف او الحريق وحتى كابسات النفايات، انها مرض استشرى يضاف الى امراض الزمن الرديء. قبل ايام قليلة مرت وقريبا من دار سكني حصل حريق في احد الدور المجاورة نتيجة تماس كهربائي، ألهب غيرة وحماس الشباب النشامى في المنطقة وهبوا يتسابقون لإخماد النار وبالوسائل البدائية المتاحة تم تطويق النار خشية ان تتسع وتشمل اكثر من دار، حينها تعالت أصوات بعض النساء يطالبن الاتصال بدائرة الدفاع المدني التي لايبعد مركزها عن مكان الحادث، ألا ان الجميع يدرك لا جدوى من ذلك بسبب أن العقل الكونكريتي يقف حاجزا دون وصول سيارة الأطفاء، واشيد هنا بعزيمة وشهامة الشباب وتظافر جهودهم الخيرة اثمر بإخماد نيران الحريق،كان ذلك في ظهيرة يوم ساخن ارتفعت فيه درجة الحرارة اكثر من اربعين درجة.
الحي السكني المعالف محلة 843 الواقعة في الجنوب الغربي لكرخ بغداد في الآونة الاخيرة تعرضت المنطقة الى اكثر من خرق أمني ارهابي راح ضحيته شهداء وجرحى، تزامن مع عدة انفجارات هزت العاصمة بغداد، وعلى اثر ذلك تحركت العقول الجامدة وبحركة انفعالية سريعه احكمت فيها غلق جميع منافذ الازقة والشوارع بالكتل الكونكريتية وتحول الحي اشبه بمعتقل غوانتنامو وكأن هذا هو الاجراء الرادع للارهاب.. واخر ما توصل له العلم في تحقيق الامن والآمان، اما المواطنون اعتبروا هذا الاجراء الصارم عقوبة لهم بعد ان قدموا ابنائهم شهداء وجرحى ينظرون لهذا الاجراء الغير مدروس الذي قيد حركتهم داخل المنطقه او عند الخروج منها، او العودة اليها.
لو عدنا للوراء الى عام 2006 و2007 في احلك الظروف العصيبة التي شهدتها المدن العراقية وبالاخص مدينة بغداد لم يحصل خرق امني في منطقة المعالف الا مرة واحدة استهدف مسجد وحسينية شهداء الطف، لم يعقب ذلك الحادث اي اجراء أمني بغلق زقاق او شارع بل ماحدث وحد الناس وعزز قدرتهم بمواجهة الطائفية المقيتة والتصدي لها، وقد فر الارهابيون كالفئران المرعوبة… في عام 2011 بدأت تزحف علينا الكتل الكونكريتية واحاطة المسجد والزقاق المحاذي للمسجد وبعدها اغلق زقاق المدارس وكان اجراء احترازياً لا تثريب عليه.
انها في الواقع ظاهرة غريبة دخيلة على عقول رجال الأمن متناسين ان حفظ الامن علم من العلوم النافعة اذا اعتمد التطبيق الصحيح، يعطي دائما ثماره المرجوة، هناك بحوث ودراسات متخصصة باستخدام الاجهزة والمعدات الحساسة والكشف بالسونار، ولا يصح الا الصحيح، اما المبالغة والمغالاة وانعكاسها السلبي على سكان المنطقة فهذا امر مرفوض وغير مقبول، والمثال على ذلك وانا ابن المنطقة اسكن داراً في زقاق يمتد الى الشارع العام بحدود 120 متراً، وضعت في الزقاق ثلاثة عوارض كونكريتية تسمح بمرور السابلة فقط، بين كل حاجز واخر مسافة 40 مترا ألا ترون ان هذه القيود تدعو للسخرية.. والحادث الذي تعرض له جاسم الساعدي عندما عاد الرجل ليلا الى داره عثر باحد هذه العوارض وكسر ساعده وهو من سكنة الزقاق.. وقصة جاسم معروفه بالمنطقة، انها اجراءات وخطط قاسية غير مدروسة وتدل بشكل واضح ان من وضعها بهذا الشكل لا يهدف الى حفظ الامن بقدر ما يخلق حالة تذمر واستياء بين سكان هذه المنطقة التي يقطنها الفقراء من عمال كادحين وكسبه وصغار الموظفين. انا من بين عباد الله الذين تجاوزوا العقد السابع من العمر، عشت الواقع من ايام المرحوم نوري السعيد الى ايام نوري المالكي، كل العقود التي مرت لم أر فيها سوراً او كتلاً كونكريتية تؤدي واجب حماية المواطن، بل نسمع ان في الحروب تحفر الخنادق والسواتر على طول جبهات القتال كمصدات تؤمن حماية الجنود في مواجهة الاعداء، اما هذه الاجراءات التي ان دلت على شيء انما تدل على اننا نعيش في أسوأ عقد زمني، عانينا ونعاني فيه من غياب العقل والحكمة والسلوك، وفقد فيه المسؤولون القدرة والخبرة بإدارة الملف الامني، واستعانوا بالحواجز الكونكريتيه ذات القدرة العاليه على قطع دابر الارهاب، هل يتكرم احد من المسؤولين بزيارة المنطقة ويرى بعينه كيف تقوم هذه الحواجز باداء الدور الموكل اليها في حفظ ارواح المواطنين.
AZP07