العقول الكونكريتة
لاتستغرب العنوان ، هناك من استخدم العقل في العلم والعمل وبشكل يتوافق مع عصرنا الحاضر الذي يجب ان نقول هو أليق العصور في التقدم العلمي ، واختراع اجهزة غيرت حياة العالم بتقنيات لم نألفها سابقا”ونقف حيالها مبهورين ، وثمة عقول جامدة لاتحرك ولا تتحرك يعول عليها عقل المسؤول حماية ارواح الناس وحفظ الامن العوارض الكونكريتية التي تحكم غلق الازقة والشوارع ، وتشوه منظرها ، وفي الاونة الاخيرة اخذت تتكاثر وتتناسل ليصل احيانا” عددها الى ثلاثة اواربعة في الزقاق الواحد ، تعرقل السير وتمنع مرور العجلات ، تعيش معنا ننظرها وتنظر الينا بتحدي وقح ، ولا ترد السلام على السابلة ، وغاب عنها الاحساس بوجود الحاجة الى سيارات الطوارىء والخدمات مثل سيارات الاسعاف او الحريق وحتى كابسات النفايات ، انها مرض استشرى يضاف الى امراض الزمن الرديء . قبل ايام قليلة مرت وقريبا” من دار سكني حصل حريق في احد الدور المجاورة نتيجة تماس كهربائي ، ألهب غيرة وحماس الشباب النشامى في المنطقة وهبوا يتسابقون لاخماد النار وبالوسائل البدائية المتاحة تم تطويق النار خشية ان تتسع وتشمل اكثر من دار ، حينها تعالت أصوات بعض النساء يطالبن الاتصال بدائرة الدفاع المدني التي لايبعد مركزها عن مكان الحادث ، ألا ان الجميع يدرك لاجدوى من ذلك بسبب أن العقل الكونكريتي يقف حاجزا من”دون وصول سيارة الأطفاء ، واشيد هنا بعزيمة وشهامة الشباب وتظافر جهودهم الخيرة اثمر بأخماد نيران الحريق ،كان ذلك في ظهيرة يوم ساخن ارتفعت فيه درجة الحرارة اكثر من اربعين درجة .
الحي السكني (المعالف) محلة 843 الواقعة في الجنوب الغربي لكرخ بغداد تعرضت المنطقة الى اكثر من خرق أمني ارهابي راح ضحيته شهداء وجرحى ، تزامن مع عدة انفجارات هزت العاصمة بغداد ، وعلى اثر ذلك تحركت العقول الجامدة وبحركة انفعالية سريعة احكمت فيها غلق جميع منافذ الازقة والشوارع بالكتل الكونكريتية وتحول الحي اشبه بمعتقل (غوانتانامو وكّأن هذا هو الاجراء الرادع للارهاب .. واخر ما توصل له العلم في تحقيق الامن والآمان ، اما المواطنين عدّوا هذا الاجراء الصارم عقوبة لهم بعد ان قدموا ابنائهم شهداء وجرحى ينظرون لهذا الاجراء الغير مدروس الذي قيد حركتهم داخل المنطقه او عند الخروج منها ، او العودة اليها .
لو عدنا للوراء الى عام 2006 و 2007 في احلك الظروف العصيبة التي شهدتا المدن العراقيه وبالاخص مدينة بغداد لم يحصل خرق امني في منطقة المعالف الا مرة واحدة استهدف مسجد وحسينية شهداء الطف ، لم يعقب ذلك الحادث اي اجراء أمني بغلق زقاق او شارع بل ماحدث وحد الناس وعزز قدرتهم بمواجهة الطائفية المقيتة والتصدي لها ، وقد فر الارهابيون كالفئران المرعوبة… في عام 2011 بدأت تزحف علينا الكتل الكونكريتية واحاطة المسجد والزقاق المحاذي للمسجد وبعدها اغلق زقاق المدارس وكان اجراء احترازي لاتثريب عليه .
انها في الواقع ظاهرة غريبة دخيلة على عقول رجال ألامن متناسين ان حفظ الامن علم من العلوم النافعة اذا اعتمد التطبيق الصحيح ، يعطي دائما” ثماره المرجوة ، هناك بحوث ودراسات متخصصة باستخدام الاجهزة والمعدات الحساسة والكشف بالسونار ، ولايصح الا الصحيح ، اما المبالغة والمغالات وانعكاسها السلبي على سكان المنطقة فهذا امر مرفوض وغير مقبول ، ومثال على ذلك وانا ابن المنطقة اسكن دار في زقاق يمتد الى الشارع العام بحدود 120 متر ، وضعت في الزقاق ثلاث عوارض كونكريتية تسمح بمرور السابله فقط ، بين كل حاجز واخر مسافة 40 مترا” ألا ترون ان هذه القيود تدعو للسخرية .. والحادث الذي تعرض له الرجل عندما عاد الرجل ليلا” الى داره عثر باحد هذه العوارض وكسر ساعده وهو من سكنت الزقاق .. وقصة الرجل معروفة بالمنطقة ، انها اجراءات وخطط قاسية غير مدروسة وتدل بشكل واضح ان من وضعها بهذا الشكل لايهدف الى حفظ الامن بقدر ما يخلق حالة تذمر واستياء بين سكان هذه المنطقة التي يقطنها الفقراء من عمال كادحين وكسبة وصغار الموظفين .
انا من بين عباد الله الذين تجاوزوا العقد السابع من العمر ، عشت الواقع من ايام المرحوم نوري السعيد الى ايام نوري المالكي ، كل العقود التي مرت لم ارى فيها سور اوكتل كونكريتية تؤدي واجب حماية المواطن ، بل نسمع ان في الحروب تحفر الخنادق والسواتر على طول جبهات القتال كمصدات تؤمن حماية الجنود في مواجهة الاعداء ، اما هذه ألاجراءات التي ان دلت على شيء انما تدل على اننا نعيش في اسوء عقد زمني ، عانينا ونعاني فيه من غياب العقل والحكمة والسلوك ، وفقد فيه المسؤولين القدرة والخبرة بأدارة الملف الامني ، واستعانوا بالحواجز الكونكريتيه ذات القدرة العالية على قطع دابر الارهاب ، هل يتكرم احد من المسؤولين بزيارة المنطقة ويرى بعينه كيف تقوم هذه الحواجز باداء الدور المتميز وفق احدث التقنيات خصوصا” اذا حصنت المنطقه بشكل مبالغ فيه يشل الحركة ويؤثر على الخدمات ، نأمل من المعنين بمسؤولية حفظ امن المنطقة ان يعيدوا النظر بفتح شارع واحد يجتاز المنطقة ويأمن سير العجلات بوضع سيطرة في المدخل واخرى في نهاية الشارع وفتح بعض الازقة الوسطية، ولا اشك قطعا” من ان هذا الاجراء سيلاقي قبول وتأييد سكان المنطقة.
عبد الحسن علي الغرابي – بغداد
AZPPPL