
علي السوداني
ستكون الكرة الأرضية جنةً عظيمةً لو أنَّ كلَّ الدول القائمة فوقها قد اقتنعت بحدودها الجغرافية وحدودها الفكرية ، فلا استعمار ولا غزو ولا حروب ، بل جيرة طيبة طبيعية مثمرة دافئة آمنة مطمئنة لما وهبتها الطبيعة والمصادفة وحسن الحظ وسوء الحظ أيضاً .
الدولة الغنية تساعد الدولة الفقيرة وتعطيها من مائها ونفطها وزرعها وعلمها ، فتردّ الفقيرة ممتنة بما تيسر تحت يمينها من نعمة ممكنة ، حتى لو كانت دواوين أدب وفنون جميلة تسر القلب وتنعش الرأس وتشعر الفقير بأنه ليس شحاذاً واقفاً على باب لئيم .
أظن ان الأمة العربية الماجدة من بغداد شرقاً الى الرباط غرباً ، هي النموذج المثالي لقراءة وتفكيك وفحص ما تمنيناه وما جئنا عليه قبل سبعة سطور من هذا الآن الأسود المسخم .
لقد زرع المستعمرون الكونيون المعلنون والمستترون مرضاً قاتلاً في قلبها ، وجائوا الى فلسطين العربية بملايين المواطنين اليهود الذين كانوا يعيشون عيشاً طبيعياً وممتازاً في جلّ البلدان التي هاجروا منها صوب كذبة سموها أرض الميعاد ، فحفروا وزوروا وقتلوا وهجّروا واستوطنوا واستباحوا ، فلم يجدوا الدليل والدال على هذا السراب المميت .
من الشرق توجد ايران وهي دولة كبيرة ومهمة وغنية وصاحبة ارث حضاري عظيم ، لكنها اصيبت بلوثة التمدد وتصدير الفكرة المصبوغة بلون ديني طائفي من أجل حلم مريض وعودة لامبراطورية كانت فبادت وماتت بفعل حركة التأريخ وحتمياته ، وعليكم اشلآن أن تتخيلوا حال إيران وشعبها لو أنها بقيت داخل حدها ولم تتورط بمستنقعات بعيدة استنزفتها واستنزفت جيرانها ، في متناقضة مضحكة تتحدث عن تحرير فلسطين لكنها ساهمت في نشر الفتن والحروب الطائفية الغبية ، فقتلت العرب أصحاب المسؤولية الأولى في المسألة ، وساهمت في جعلهم شعوباً وقبائل وطوائف تأكل بعضها البعض !!
من الشمال فعلت تركيا الأمر نفسه فذهبت صوب أرض العراق وسوريا وليبيا ، وبنفس الطريقة الماكرة القذرة ركبت جسر فلسطين وتحريرها ، وفي نفس الوقت أقامت مع العدو الصهيوني علاقات تجارية وعسكرية وأمنية ضخمة ودسمة !!
من الجنوب ظهرت الآن أثيوبيا لتعمل على تعطيش وتصحير السودان ومصر ، من خلال بناء سدود تدريجية عند منابع نهر النيل العظيم ، لكن الفرق بين هؤلاء الأوغاد هو أنَّ اثيوبيا لم تستعمل الكذبة الحقيرة التي استعملها الأتراك والإيرانيون ، ولم يرفعوا شعار تحرير فلسطين وكانوا واضحين في أهدافهم وعلاقتهم الطبيعية جداً مع لقطاء صهيون !!
أما العرب فلقد اكتفوا بدخول نفق الحروب البينية العبثية الغبية التي لا سبب لها سوى الطائفية المريضة ، فمنهم من صار محمية للغزاة ومنهم من فضل دور الذيل الوسخ ، ورائحة العفاط والضراط الهابة من مؤخرة المستعمر الرجيم !!