العرب وأيديولوجيا التدخل الإنساني الدولي
معتصم زكي السنوي
ربما لا يعرف البعض أن مصطلح (التدخل الإنساني) قد ظهر في أوائل القرن التاسع عشر وتحديداً عام (1815) ليسمى التحالف الدولي الغربي ضد الإمبراطورية العثمانية والذي ضم النمسا وبروسيا وروسيا (وأنضمت إليها فيما بعد إنكلترا وفرنسا) بحجة حماية السكان المسيحيين المضطهدين، وذلك في ابتعاث جسور لمنطق التحالف (المقدس) للحروب الصليبية، حيث لم يتغير جوهر سياسة القوة والذي يرتدي في آن أشكالاً متعددة براقة على مستوى التبرير النظري والسياسي والأخلاقي، ولعل هذا (النفاق) -ودعونا نسمي الأشياء بأسمائها- يذكرنا بمقولة شاعت في صناعة الإعلام الأمريكي فحواها أن (الكذبة يجب أن تكون كبيرة جداً حتى تصبح قابلة للتصديق..!).
سياسة القوة/ العدوان
إن سياسة القوة/العدوان لم ولن تعدم أن نجد منظريها وأيديولوجييها الذين يتفانون في صياغة القواعد الأخلاقية والرأسمالية اللازمة لتمرير النزعات والحركات التي قد تكون مفرطة في وحشيتها وأنانيتها، ومن ثم فإن تناول مبدأ التدخل الإنساني لا ينحصر في حظيرة المناقشات الفقهية للقانون الدولي، وإنما يمتد بالضرورة إلى ميادين المجالات السياسية والأيديولوجية، ويكتسب طابع اللحظة التاريخية بكل آلياتها وتوازناتها وطروحاتها المتصارعة(1). ومع ذلك ظلت الدبلوماسية الأمريكية على وعي كامل بدورها المتناقض في هذا الشأن، حيث حرصت على قصر عدم التدخل على أوربا، بينما قاومت بشدة أن ينسحب هذا المبدأ بالقدر نفسه على (حق) التدخل الأمريكي، فرغم توقيعها عام 1933 على اتفاقية (مونتفيديو) بشأن حقوق وواجبات الدول التي أبرمتها الدول الغربية ونصت على عدم أحقية التدخل من أية دولة في الشؤون الداخلية أو الخارجة لدولة أخرى، فإن الولايات المتحدة (تحفظت) على ما أسمته الحقوق (المكتسبة) من قانون الأمم المعترف به بشكل عام، ونتيجة لذلك ظل هناك خلاف متواصل بين الدول الغربية وأمريكا حول قائمة الأعمال التي تعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول الأخرى: وفي هذا السياق يمكننا أيضاً فهم مبادئ Doctrines عديدة حاولت القوى العظمى إرساءها (كقواعد حاكمة) في العلاقات الدولية، ومن أمثلة ذلك مبدأ (أيزنهاور) الذي حدد الإستراتيجية الأمريكية بعد أزمة السويس وافول القوتين الإمبرياليتين: فرنسا وبريطانيا، والذي فوض بمقتضاه الكونغرس الرئيس الأمريكي صلاحية استخدام القوة العسكرية لضمان التكامل الإقليمي والأستقلال السياسي لأي دولة في الشرق الأوسط تتعرض لتهديد من قبل أو مصدر تسيطر عليه الشيوعية الدولية.
فلسفة التدخلية
تشير التدخلية عادة إلى تدخل الحكومات محلياً في حياة مواطنيها ورعاياها، وخارجياً إلى التدخل في أنشطة حكومة أو حكومات أخرى، ومن ثم فهي تنطوي على استخدام أو التهديد أو بإستخدام القوة أو القسر لتبديل موقف سياسي أو ثقافي…الخ يعتبر خارجاً عن القيم الأخلاقية أو السياسية للقائم بالتدخل، ولا شك أن لهذه القيم علاقة قوية بالمصالح المادية والمعنوية له. ولهذا يمكن القول إن استخدام الإقناع أو الإغراء لدفع جماعة أخرى من البشر إلى (تبديل) سياسة أو تقليد معين معيب أو موضع تخطئة أو تقدير أنه سوف يأتي بعواقب وخيمة أو عكس المراد منه، لا يمكن اعتباره عملاً من أعمال التدخل (على الأقل: المباشر) لأنه يفتقر إلى عنصر القوة أو التهديد بها، فمثلاً قطع العلاقات الدبلوماسية لا يعتبر تدخلاً، ولكن الشيء نفسه لا ينطبق بالضرورة على استخدام سلاح (الضغوط) الاقتصادية والإعلامية. ويقدم أنصار التدخلية حججهم من منطلقات متعددة، بعضها يبرر (التدخل) على أساس أن الحكومة المعنية هي أكثر (معرفة) من جماعة أو حكومة أخرى غير قادرة -أفتراضاً- على أن تتخذ قرارات سليمة مبنية على معلومات مؤكدة ورؤية يزعم توازنها بين المصالح العامة والخاصة (وفي الواقع أن هذا الطرح ينطبق على المستوى الدولي). ويتمثل منطلق آخر في الواقعية السياسية التي تعطي الأولوية في الشؤون الدولية (للمصلحة الوطنية الصرف)، ومن ثم ضرورة القيام بتدخلات دولية لتحقيق الدفاع عن متطلبات المصلحة الوطنية( 2)، ويقف على رأس المنادين بهذه الواقعية (ميكافيللي وهوبز). ومن الأمثلة الحديثة للتدخل الأمريكي حروب كوريا وفيتنام والخليج وإسقاط النظام في ليبيا من قبل شمال الأطلنطي(ناتو)، واحتلال العراق بتاريخ 9/4/2003 من قبل أمريكا وحلفائها. أما المنطلق الثالث فيتمثل في نظريات (الحقوق) التي تعتبر أن أية حقوق أو امتيازات تكتسبها الدولة تنبع أساساً من تفويض مواطنيها، ومن ثم فإن حقوق الأفراد (تعلو) على أمتيازات الدولة وهكذا فإن التدخل لدعم تلك الحقوق يستند إلى مبرر (أخلاقي)، ولا ينتهي هذا الموقف الأخلاقي من الحقوق الفردية عند حدود الدولة وإنما يمتد إلى ما هو خارجها، ومع ذلك فهناك أمثلة هامة أثيرت إزاء هذا الطرح، من قبيل: ما هي حدود التدخل؟ وهل يمكن أن يؤدي التدخل إلى إلحاق الضرر بالقضية أو الحقوق (المزعوم) الانتصار لها. (بدافع الانتقام مثلاً)؟ وهل تستطيع دولة ما تبرر تدخلها على هذا الأساس (الأخلاقي-الحقوقي) بينما ساحتها هي نفسها غير نظيفة تماماً في هذا الصدد؟ وإلى أي حد يمكن التفرقة بين عجز الدولة عن القيام بواجبها في إعطاء مواطنيها حقوقهم وبين أن تكون الدولة ذات طبيعة متسلطة أصيلة؟. وجدير بالذكر أن الكثيرين أيضاً صاغوا اجتهادات شتى في الفلسفة السياسية ناهضوا فيها نزعة التدخل، فمثلاً نجد (جون ستيوارت ميل) يقول: بأن المسؤولية تجاه الآخرين تتوقف عند تبصيرهم بالأخطار التي تهددهم، ولا تمتد اتخاذ إجراءات مادية لإيقاف أولئك الذين يمكن أن يلحقوا الأذى بأنفسهم، أما على مستوى التدخل الدولي فقد نادى بسياسة (تقرير المصير) وأن يترك لكل شعب آخر حقه في أرتكاب الأخطاء واختيار طرقه الخاصة صوب الحرية، إذ إن (التدخل) لن يساعدهم في التوصل إلى إدراك قيمة الحرية بطرقهم الخاصة، كذلك نجد منظري مدرسة (الوضعية القانونية) يرون أن الدولة الوطنية تملك (الحق المطلق) في السيادة والتكامل الإقليمي، ومن ثم في عدم انتهاك حدودها، إلا أن هناك استثناء من هذا الموقف يتمثل في بلوغ الدولة المعنية في انتهاك الحقوق السياسية للإنسان إلى حد لا يمكن معه اعتبارها (تمثل شعبها) نظراً لما تحدثه سياساتها من (هزة لضمير البشرية). كما يشترط أنصار هذه المدرسة أن يستند (التدخل) في هذه الحالة إلى مصادقة شرعية فوق قومية، وبالنسبة لأنصار مدرسة (العزلة) فإنهم ينطلقون من عدم الأكتراث بما يحدث خارج الحدود الدولية للدولة. وأن (التورط) في الشؤون الداخلية للآخرين غالباً ما يجعل الأمور أسوأ وأن الصلاحية الوطنية (ومن ثم الانشغالات الأخلاقية والسياسية) تنتهي عند الحدود السياسية.
المبدأ والممارسة
لعل القرن العشرين هو القرن الذي أدخل فقه القانون الدولي المئات من الاتفاقيات والأعراف الجديدة التي حاولت تنظيم العلاقات بين الدول، بما في ذلك العلاقات الدموية والعنفية في صورة الحروب والنزاعات، غير أن التاريخ يقول إن القانون الدولي الإنساني أعمق من ذلك بكثير(3 ). وتوالت الاتفاقيات والمواثيق والإعلانات ذات الطابعين الخاص والعام(4 ). فكانت الاتفاقيات الخاصة بجرائم ضد الإنسانية، مكافحة العبودية والاتجار في الأشخاص والعمل القسري، مكافحة التمييز العنصري، حماية الأجانب واللاجئين وعديمي الجنسية، حماية المدنيين ومعاملة أسرى الحرب والجرحى… فضلاً عن المواثيق ذات الطابع العام مثل إعلان حقوق الإنسان، والعهدين الدوليين للحقوق السياسية والمدنية، وللحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بذلك أخذ القانون الدولي الإنساني أبعاداً متعددة وأكثر عمقاً في إطار عام من أزدهار الثقافة المناصرة لحقوق الإنسان واحترام كرامته ومحاولة تنظيم علاقة الفرد بالدولة والعلاقات بين الدول على أسس العدل والتوازن وحماية مستقبل الحياة البشرية. وقد حرصت الدولة على أن تضع في دساتيرها ما يفيد احترامها لحقوق مواطنيها وحرياتهم، بصرف النظر عن مدى التزام ممارستها بذلك، ومع ذلك ظل الاتجاه العام هو أن الدولة- الوطنية هي (الضامن) لهذه الحقوق، إلا ظهور مفاهيم جديدة مثل الجرائم ضد الإنسانية (وهي لا تشترط بالضرورة وقوع صراع مسلح) ووضع هذه المفاهيم في صورة قواعد واتفاقيات دولية، وكذلك تشكيل محكمتين جنائيتين دوليتين خاصتين بقرارين صادرين عن مجلس الأمن لملاحقة مجرمي الحرب في رواندا ويوغسلافيا، كانا تطورين شديدي الأهمية في هذا المضمار حيث تم رفع المركز القانوني للأفراد إلى نطاق القانون الدولي(5). وغني عن الشرح أن كثيراً من هذا التراث القانوني الإنساني الآخذ في الأتساع والتعمق لم يكن من السهل تطبيقه بمعيار واحد وبدقة في كل الحالات والفترات، ورغم أن القواعد الخاصة بالتدخل الدولي الإنساني ظلت شاحبة ومقيدة بعشرات الشروط، فإنه مورس في أغلب الحالات وفق المصالح الخاصة بكل مجموعة دولية منخرطة في الصراع الدولي ووفق معاييرها الذاتية. ويمكن القول إن العقود الأربعة الأولى من عمر الأمم المتحدة قد شهدت عجز المجتمع الدولي عن التطبيق الشامل لهذا المبدأ بسبب مناخ (الحرب الباردة)، بل إستخدام كل فريق للمبادئ الواردة في الاتفاقيات مادة للصراع الأيديولوجي في مواجهة الآخر.
التدخل وفق حساب المكسب والخسارة
وهنالك تعريفات عديدة للتدخل الإنساني الدولي، غير أن ما يجمع بينها هي فكرة التدخل الهادف إلى حماية المواطنين أو جماعة أو أقلية في بلد ما يتعرضون لانتهاك حقوق الإنسان من جانب حكوماتهم الوطنية أو جماعات غير رسمية في الدولة. وكما أسلفنا، تواترت حالات عديدة للتدخل الأجنبي عامة رفعت جميعها (رايات) إنسانية، غير أن انتهاء الحرب الباردة كان علامة طريق بارزة في هذا الصدد، حيث أدت (السيطرة) الأمريكية على مجلس الأمن الدولي، وكذلك تمدد حلف شمال الأطلنطي (ناتو)، إلى أن أصبحت الساحة الدولية مهيأة لتعميق مفهوم هذا التدخل وممارسته على الأرض، سواء أكان ذلك بموافقة المنظمة الدولية أم لا. ولقد حرصت الدول العظمى في فترة الحرب الباردة أن تراعي في سياساتها الخارجية (الموازنة) بين مصالحها (الخاصة) وبينما تقدم عليه بعض النظم التابعة والحليفة لها من (انتهاكات) لحقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية، أما انتهاكات حقوق الإنسان في داخل الدول العظمى نفسها فقد كانت (فوق) كل مسألة بالطبع، لم تكن الدول العظمى تلجأ إلى ردع حلفائها أو تعديل سلوكهم، إلا في الأوقات والأزمات التي تنذر بانفجارات غير محسوبة قد تضر بقوة الحلف الدولي عامة، أو حينما تحاول بعض النظم التابعة المناورة بإنتهاج سياسة مختلفة كيفياً عن سياسة القطب القائد. وعلى أية حال فإن مبدأ التدخل الإنساني نفسه ما زال محل تجاذب فقهي وسياسي شديدين، ويثير إشكاليات قانونية هامة، حيث إن القانون الدولي يدعو إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والامتناع عن استخدام القوة المسلحة، إلا في حالة الدفاع الفردي أو الجماعي الشرعي عن النفس وفق آليات ومبادئ الأمم المتحدة. وإزاء هذا النقد دأبت الولايات المتحدة على (الضغط) من أجل إرساء وتفصيل هذا المبدأ قانونياً، وبالمثل خلق الآليات الدولية اللازمة (من داخل الأمم المتحدة، أو بموازاتها، أو بالجمع بين الأثنين) لممارسة حق التدخل(6).
ومن المقطوع به أن تاريخ البشرية حافل بحروب التدخل ودلالاتها، وأن هذه الحروب العالمية والإقليمية وحتى النزاعات المحلية، وأن معظم هذه الحروب قد حرص على رفع (شعارات) ذات طابع إنساني، إلا أن حروب التدخل الإنساني بالمفهوم الحديث الذي نعني به هنا قد دشنت في حقيقة الأمر مع (توسيع) الولايات المتحدة وبريطانيا لحرب (تحرير الكويت) لتدخل المرحلة الثانية وهي حرب (تدمير العراق)، وهو ما يمثل أول عمل-فيما بعد انتهاء الحرب الباردة من أعمال التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لدولة عضو بالأمم المتحدة (دون تفويض) واضح من مجلس الأمن الدولي، فتم فرض مناطق حظر الطيران والنشاط العسكري شمال وجنوب العراق بدعوى حماية الأكراد والشيعة، كذلك فرض (حصار) اقتصادي، كان ضحيته الشعب العراقي وليس أركان نظامه وبرامج للتفتيش على التخلص من أسلحة التدمير الشامل، التي أثبتت اللجان المتخصصة في الأمم المتحدة بعدم وجودها، وإنما كانت من (ذراع) التدخل!! وبرامج لتعويض المتضررين من الغزو العراقي للكويت…الخ.
السيادة الوطنية في مهب الريح ؟
أن الزخم الأيديولوجي الذي رافق عملية ما تسمى (العولمة) قد أسهم بدور كبير في إشاعة مبدأ التدخل الإنساني، وقد كانت الطروحات المواكبة لهذه العملية على وعي عميق بمصالحها حينما صبت معظم طاقاتها على مبدأ السيادة الوطنية المستقر إلى حد بعيد في كل من القانون الدولي والعلاقات الدولية.
يمكن القول إن (العولمة) ظاهرة اقتصادية في المقام الأول، وهي في الآن ذاته تأخذ أبعاداً وتجليات سياسية وعسكرية وثقافية وإعلامية تعمل في تساوق من أجل إرساء هيمنة الثالوث الرأسمالي العالمي (الولايات المتحدة-أوربا الغربية- اليابان) تحت الهيمنة شبه التامة للأولى. ويعني هذا أن عولمة بصفات ومواصفات كهذه هي أبعد ما تكون عن النزعة التطورية الإنسانية صوب العالمية بمعنى الانفتاح على الآخر والاعتراف المتبادل ووحدة التنوع، إذ هي تستند في المقال الأول والأخير على احتكار المال والإعلام والتكنولوجيا والسلاح الفاتك بالبشر والسيطرة على منظمات الجماعة الدولية. وبيت (القصيد) في هذه العملية هو (تفكيك) وشائج السيادة الوطنية للدول المتوسطة والصغيرة (بدرجات متفاوتة طبعاً وعلى آجال مختلفة) لصالح تايكونات كونية، وفي الوقت نفسه لصالح سلطات تحت مركزية ومفتتة تنشأ بفعل العولمة نفسها ولفائدتها(7). إن العولمة التي تبتغيها الولايات المتحدة تتضمن بالأساس حدوداً مفتوحة لانتقال (سلعها وأفكرها) مستخدمة في ذلك وسائلها الإعلامية الجبارة وتقدمها التكنولوجي والمؤسسات المالية الدولية والخاصة والشركات متعدية الجنسيات والضغوط السياسية والحملات العسكرية أيضاً، وهي بالتأكيد مواجهة غير متكافئة على الإطلاق، وتنطوي في الوقت ذاته على انتهازية ولا أخلاقية سافرتين، فحينما وأينما تتعارض الحدود المفتوحة مع مصالح المراكز الرأسمالية المتقدمة-سيما الأمريكي- تكون هذه المراكز هي أول من يغلق حدوده ويفرض الضوابط وفي الوقت الذي يتم فيه العمل على الحد من السيادة الوطنية للدول المتوسطة والصغيرة تتفاقم قوة الدولة في المراكز إلى حد بعيد رغم كل الإدعاءات. إذاً، في مقابل مبدأ سيادة الدولة أستقر كأحد أسس الأمن الدولي بعد الحرب العالمية الثانية أصبحنا إزاء نظام عالمي جديد يعطي الأولوية المطلقة لحرية السوق والمشروع الخاص مع تسخير مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان في خدمة ذلك، أي كاستخدام وظيفي لتسويغ التدخل في شؤون الدول القائمة في أطراف النظام الرأسمالي العالمي. ومن المبررات القوية التي تقدم في هذا الصدد أن العالم أصبح يعاين أخطاراً جديدة بعد انتهاء الحرب الباردة. تتمثل في الإرهاب والمخدرات والهجرة البشرية غير المسيطر عليها وتآكل البيئة وتدهورها وانتشار الجريمة المنظمة وتعاظم الأمراض والأوبئة…الخ غير أن عالمية هذه الأخطار تتطلب بالضرورة مقاومة عالمية مبنية على أسس ديمقراطية لا تعرف التمييز أو الاستقلال، وهو ما لا يتمنى بدون دول وطنية ذات سيادة فعالة وليس مجرد جماعات وكيانات محلية ضعيفة ومتناحرة. ولا يجوز بالطبع عزل محاولات انتهاك سيادة الدولة -الوطنية عن السماوات المفتوحة وتقلص قدرة الدولة في فرض القيود على البث الإعلامي الحديث بصورة المرئية النافذة والذي يعمل على هدم وتهميش الثقافات القومية لصالح الثقافة الأمريكية والثقافات شديدة المحلية في آن. كذلك لا يمكن عزلها عن برامج الإصلاح الاقتصادي والخصخصة والتكيف الهيكلي التي أدت إلى إخضاع الاقتصادات الوطنية (لأوامرية) صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية والاحتكارات متعدية الجنسيات..الخ ورغم أن هذه المؤسسات حمائية أو تدخل حكومي، فهي نفسها تزكي ذات المنافسات غير النزيهة من خلال إغراق الأسواق وتخفيض قيمة العملات الوطنية واستنزاف الموارد المادية والبشرية والإضرار بالبيئة ورفع الدعم عن سلع البقاء والخدمات الاجتماعية وتخلي الدولة عن دورها في خلق فرص العمل وتضبيط العلاقة بين العمل ورأس المال..الخ.. إن مفهومي سيادة الدولة وحقوق الإنسان الفردية قد تطور معاً بشكل تكاملي منذ قرون، ولكن الجديد حقاً هو مفهوم الأمن الدولي الذي نشأ مع قيام عصبة الأمم عام1919. ومن الصحيح أن السيادة لم تكن أبداً مفهوماً إطلاقياً مغلقاً، وأنه حتى تكون السيادة إيجابية فإنها يجب أن تبنى على التوازن بين المناطق والجماعات والأفراد في إطار الدولة الوطنية، لكن هل يمكن أن يتحقق الأمن الدولي في ظل أختلاف أو غياب التوازن على ذات المستوى الدولي بين سيادات آخذة في الضعف والتعرض للإضعاف المخطط وبين سيادة دول عظمى آخذة في (التوحش) وإن تلبست بأردية دولية وفوق قومية؟ وفي الحقيقة أن من أخطر ما جلبته العولمة نزعتها إلى تفتيت الأمم والتكتلات القومية في الأطراف على أسس عرقية وطائفية وجهوية… حيث يسهل عليها دمج هكذا كيانات في السوق العالمية، ورغم أن نزعة (التفتيت) هذه ليست جديدة تماماً فإنها أصبحت ممكنة في ظروف انهيار التعدد القطبي العالمية والخصوصية. لا يمكن إنكار أن المقولات الكبرى في عصرنا مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان تنطوي كل منها في آن واحد على جانب عالمي وجانب خاص بالثقافة والبيئة المعنيتين، وقد أزدات صعوبة التفرقة في هذا الشأن بين العالمي والخاص في ظل التشابك مع آليات العولمة ذات الصلة القوية بالتغريب (الأمركة؟) حيث النزوع القوي نحو أستبعاد شعوب وثقافات معينة بزعم أن أنماط التفكير والسلوك وأنساق القديم لديها تتسم بالأنغلاق والشمول وعدم التسامح ورفض الأندماج في تقاليد أسلوب الحياة الأمريكي وقيمه(8). ومن الملاحظ أن التركيز على احترام حقوق الإنسان بالمعنى الغربي يؤدي إلى نتائج (عكسية) في المجتمعات الأخرى (…) وقد تستخدم النظم السياسية هذه المقولة (كذريعة) لرفض أحترام حقوق الإنسان جملة وتفصيلاً، بل إنها قد تتمتع جنئذاك بتأييد عام(9). ومن أقدح مغالطات التصورات الغربية لحقوق الإنسان تركيزها على الحريات المدنية والسياسية، وتغاضيها عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (الحق في التنمية) رغم وفرة الأدبيات الدولية أيضاً، في هذا الصدد، وهي نصوص وأدبيات ظهرت أساساً بضغوط من قوى لا تنمي للفكر الليبرالي. وتبقى المعضلة الكبرى هي: من له الحق في الإدعاء بوقوع انتهاك لحقوق الإنسان؟ وأية حقوق؟ وما هي الإجراءات المتصاعدة لاستعادة المسلوب منها؟ وكيف ومن يضطلع بذلك؟
المنظمة الدولية: غطاء أم وعاء؟
أثبتت الخبرة الدموية لحرب تدمير العراق وليبيا وحروب البلقان مدى التكاليف المادية والبشرية للتدخل، ومن ثم فإنه حتى التدخل (الشرعي) الذي تقرره المنظمة الدولية قد يتعثر أمام هذه العقبة، ومن ثم فإن الدولة الأعظم تلك أكثر من غيرها القدرة في تفعيل قرارات المنظمة الدولية في هذا الشأن. وإلى جانب ذلك تضطلع الولايات المتحدة بنشاط (عمدي) لتوظيف الأمم المتحدة لخدمة أهدافها (التدخلية الخاصة)، ويتعجب أحد الدبلوماسيين المصريين البارزين من فيض القرارات الصادرة عن مجلس الأمن على أساس (الفصل السابع) من الميثاق بعد تخطي الحاجز النفسي لعام1990، واستغلال صلاحيات هذا الفصل في قضايا قد لا يتطلب حلها الإلزام، مما قد يؤدي في النهاية إلى أن يتحول النظام العالمي ككل إلى نظام عديم القيمة، فمثلاً أصدر المجلس في هذا الصدد أربعين قراراً تخص (البوسنة) وأكثر منها ضد العراق(10). وتتبع الولايات المتحدة آليات متعددة إضافية لإدماج المنظمة الدولية في صميم شبكة أولوياتها ومتطلباتها، ومن ثم فإن فاعلية المنظمة الدولية أصبحت رهينة لها في المقام الأول. فدورها كإطار للشرعية الدولية يتم إبرازها في بعض القضايا و(تغيبه) في قضايا أخرى بصورة تدعو إلى التساؤل(11)، ولا يصح عزل الهيمنة الأمريكية على مجلس الأمن عن إصرارها على احتكار الآليات والمرجعيات العالمية في مجموعة الدول الصناعية السبع والمؤسسات المالية الدولية ومنظمة التجارة العالمية وفي حلف شمال الأطلنطي ذاته. أصبحنا أيضاً إزاء نزعة (أستعلاء) أمريكي واضحة لابد من التعمق في دراستها حتى على المستوى (الثقافي). وتبذل ضغوطاً سافرة حتى تضع على رأس كل المنظمات الدولية خير من يمثل مصالحها القح، بل إنها لم تتحمل أميناً عاماً للأمم المتحدة إذا لم يكن يدور في (فلكها) وتتطابق أفكاره مع سياستها ومصالحها(12). التدخل الإنساني الأمريكي في الشرق الأوسط الولايات المتحدة موجودة بكثافة في المنطقة العربية وبدرجة تفوق الكثير من مناطق العالم الأخرى، ولعل بسبب-الإدعاءات الأمريكية المتواصلة بمصادر (الخطر) الدائم في المنطقة، وهي موجودة أيضاً من خلال علاقات التحالف الإستراتيجي مع إسرائيل وتركيا، ولكيهما دوره المعترف به في تنفيذ بعض مهام الإستراتيجية الأمريكية، كذلك هي موجودة من خلال شبكة تحالفات وتدخلات قوية مع معظم النظم الحاكمة في المنطقة، وهناك خمس قضايا أسياسية لن تقبل الولايات المتحدة إبداء أدنى درجة من التسامح حيالها(13):
أولاً: سيطرتها على منابع النفط وطرقه وإمداداته.
ثانياً: أمن إسرائيل وبقاؤها.
ثالثاً: امتلاك بعض دول المنطقة لأسلحة التدمير الشامل أو نظم صاروخية متقدمة.
رابعاً: قيام أنظمة راديكالية (يسارية أو قومية أو أصولية) على أنقاض نظم موالية.
خامساً: أضطلاع أية دولة عربية بمشروع تنموي طموح مستقل نسبياً على ضوء سياق العولمة.
أما ما عدا ذلك فلن يخرج عن التكئات والمماحكات والذرائع، وهي وفيرة مثل: العداء للسامية، أضطهاد أقلية عرقية أو دينية أو قومية، الانقلاب على الديمقراطية، وربما أيضاً نصادف ذرائع من نوع الفساد وتجارة المخدرات (وهما بالمناسبة ذريعتان رائجتان في أمريكا اللاتينية ووسط آسيا). ورغم إدراكنا أن التدخل الأمريكي سيقع لا محالة عند تحقق بادرة لأي من المخاطر الخمس سابقة الذكر، فإن الدول-الوطنية العربية يجب أن تقلل من مساحة ما نسميه الانكشاف الموضوعي والذاتي أو القابلية الفعلية للتدخل، وهي التي تكمن في طبيعة هذه الدول والنخب الحاكمة والممارسات الخاطئة على كافة الأصعدة، وأن ندرك أن إحياء النظام الإقليمي العربي وتفعيله هو الطريق الوحيد الأمثل للصمود في وجه الهيمنة الخارجية، وليس التعاطي مع بعض قوى أو آليات هذه الهيمنة/ العولمة لتحقيق مكاسب إقليمية على حساب بلد عربي آخر. وبناء على ما تقدم لا ينتظر من معظم النظم السياسية العربية أن تقدم – في ظروفها الحالية- حركة مقاومة متكاملة للعولمة/الهيمنة الأمريكية، كل ما هو مطلوب منها هو مجرد (الصمود وبأقل قدر ممكن من الخسائر، وبإمكاننا طرح الآليات الآتية في هذه المرحلة الدقيقة:
1- إفساح المجال أمام ممارسة ديمقراطية معقولة شرعية دستورية وقوة تأييد شعبي، يراعي المطالب العرقية والقومية والطائفية، مع أعمال قواعد الشافية والمساءلة.
2- الانفتاح على المجتمع المدني الوطني وتحصين النخب العاملة فيه من مؤثرات الاحتواء والاختراق، وإشاعة ثقافية سياسية تقوم على التسامح والاعتراف بالآخر قطرياً وعربياً.
3- تفعيل النظام الإقليمي العربي من خلال التكامل الاقتصادي، وأنتظام انعقاد القمة العربية، وتفعيل القرارات الصادرة عنها ومتابعتها لتكون الشعوب العربية على دراية بما لها وما عليها في هذه المرحلة الحالية والمستقبلية، والمضي في إجراءات (مصالحة) تقوم التسامح والمصارحة، وتوحيد المواقف في الصراع العربي الصهيوني، وتقاسم المنافع والمغارم، وإنشاء آلية أمنية ومحكمة عدل عربيتين…الخ.
4- المقاومة السياسية والدبلوماسية والقانونية لجوهر وآليات الهيمنة والتدخل، بالتعاون مع سائر بلدان الجنوب (لمقرطة) المنظمة الدولية وفرض استقلالية وكالاتها، ومواجهة إملاءات وضغوط المؤسسات المالية ومنظمة التجارة العالمية…الخ وإعادة الحياة والجدوى إلى حركتي عدم الإنحياز ومجموعة الـ77 و والمنظمات القارية والإقليمية الأخرى.
خاتمة ورؤية إجمالية
ما زال مبدأ (التدخل الإنساني) محل تجاذب (فقهي) و(سياسي) شديدين، لأن نظرية التدخل الإنساني الدولي تكشف ببساطة عن فوضى النظام، وهي نظرية مائعة وتتناقض والمبادئ الكلاسيكية (…) كيف يمكن أن ندعم (التدخل) عندما يكون غير مبالٍ بالحقوق، ويشكل منافياً للقانون ومخالفاً للأعراف الدولية، وعندما نجده يتكرر وكأنه أخذ شكلاً دستورياً، وبالإضافة إلى ذلك يثير هذا المبدأ إشكاليات قانونية هامة، حيث إن القانون الدولي يدعو إلى عدم التدخل في الشؤون للدول الأخرى والامتناع عن استخدام القوة المسلحة، إلا في حالات الدفاع الفردي أو الجماعي الشرعي عن النفس وفق آليات ومبادئ الأمم المتحدة وإزاء هذا النقد دأبت الولايات المتحدة على الضغط من أجل إرساء وتفصيل هذا المبدأ قانونياً، وبالمثل خلق الآليات الدولية اللازمة (من داخل الأمم المتحدة، أو بموازاتها أو بالجمع بين الاثنين) لممارسة (حق) التدخل وندون أدناه ملاحظات وأسئلة تم التوصل إليها وهي تدين في مجملها (التدخل الإنساني) الذي يتعارض مع القوانين الدولية وحقوق الإنسان وسيادة الدولة الوطنية:
أولاً: نظن أنه قد تكشف بوضوح أن ما يسمى التدخل الدولي الإنساني هو مجرد آلية من آليات (الهيمنة) الأمريكية أساساً، حيث يساء استخدام هذا المبدأ لتحقيق المصالح (قبل) المثل الأخــــــلاقية، وهو ما يتبدى في (الانتـــــقائية) الصريحة التــــــــــــــــي يتــــــم بها تطبـــــــــــيقه.
ثانياً: إن التدخل العسكري الأجنبي في السياق الراهن غالباً ما يأتي بنتائج سلبية-إنسانياً- على أرض الواقع، خاصة عندما لا يكون عملية (محايدة) وتمثيلية أو يتم بدون موافقة المنظمة الدولية.
ثالثاً: على الدولة-الوطنية العربية أن تحدد موقفاً استراتيجياً (واضحاً) من مجريات عملية العولمة، أي هل هي سائرة نحو الإندماج الكامل فيها أم تحسين شروط هذا الإنتاج أم مقاومتها جذرياً؟ ومن خلال الإجابة عن هذا السؤال الأعظم سوف تتفرع بالتأكيد كافة الإجابات- الأخرى عن أسئلة أخرى وجودية وقاسية.
رابعاً: على الدولة الوطنية العربية أن تحدد بوضوح هل هي قادرة على مواجهة الظروف الجديدة بمحض قواها الذاتية (المعزولة) عن الشعب في بلدها، وعن أشقائها العرب، وعن حلفائها وأصدقائها الذين يجاورونها جنوباً وشمالاً.
خامساً: قطاعات من النخب الاجتماعية والثقافية المتنفذة قد (أنجرفت) في مطلع التسعينيات من القرن الماضي وراء الترويج لمقولات (القرية العالمية الواحدة والشرعية الدولية العادلة في النظام العالمي الجديد والتدخل الإنساني الدولي… فهل باستطاعتهم الآن استيعاب دروس الهيمنة والغطرسة الأمريكية و(الإسرائيلية) أيضاً التي تلقى عليهم كل يوم؟ وهل هذه (النخب) على يقين من استمرار احتفاظها بالمكاسب الصغرى جراء هذا الموقف في ظل تسارع معدلات الاستقطاب الأحادي (إن جاز التعبير) في قمة النظام الدولي الراهن؟
سادسا: وكل ما سبق لا ينفي ضرورة أن تبذل الدبلوماسية السياسية والثقافية والقانونية فردياً أو جماعياً عبر جامعة الدولة العربية جهوداً لا تكل من أجل إعادة اعتبارات العدل والنزاهة إلى القانون الدولي الذي يتم (التلاعب) به سابقاً ولاحقاً على أسوأ وجه، والعودة مرة أخرى إلى جوهر حقوق الإنسان بعيداً عن المصالح المغرضة والكيل (بمكيالين) وثلاثة وأربعة كخطوة في طريق إقامة علاقات دولية عادلة، وحينها يمكن الحديث عن تدخل إنساني دولي..!
الهوامش
(1)and International Security. 200Como ItalySeptember .. Intervention Sovereignty Workshop: Pagwash an2 Jeffrey .Boutwell
(2) إحسان هندي، العولمة وأثرها السلبي على سيادة الدول، معلومات دولية، السنة السادسة، العدد (58)، خريف 1998، دمشق.
(3) عامر الزمالي: مدخل إلى القانون الدولي والإنساني، منشورات المعهد العربي لحقوق الإنسان، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، 1997، تونس.
(4) أحمد الرشيدي- حول ضرورة تصحيح علاقات التوازن فيما بين أجهزة الأمم المتحدة، السياسة الدولية، عدد(122)، أكتوبر1995، القاهرة.
(5) محمد عبد الفضيل: مبدأ السيادة المفتوحة والقواعد الجديدة للسلوك الدولي الأمريكي، الحياة، فبراير، 2000، بيروت.
(6) محمود حيدر: مقولة السيادة الوطنية بعد الحرب الباردة: الدولة الهالكة- الطريق- يناير/فبراير، 2000، بيروت.
(7) ممد سيد أحمد: هل الأمم المتحدة فقط لملء الفراغ- السياسة الدولية- عدد (122)، أكتوبر 2000- القاهرة.
(8) أحمد ثابت: العولمة والخيارات المستقلة- المستقبل العربي، عدد (2) 1999، بيروت.
(9) محمد صفي الدين خربوش، العولمة ودراسة العلوم السياسية في الجامعات العربية، مجلة النهضة، عدد(3)، أبريل2000، القاهرة.
(10) نبيل العربي: الأمم المتحدة والنظام العالمي الجديد، السياسة الدولية، عدد (114)، أكتوبر 1993، القاهرة.
(11) حسنين توفيق إبراهيم: النظام الدولي الجديد في الفكر العربي، مجلة عالم الفكر، مجلد (23)، العددان(3-4)، يناير/مارس-ابرايل/يونيو، 1995، الكويت.
(12) محمد شحات عبد الغني، الشركات متعددة الجنسيات ودعم حقوق الإنسان/ بين الترحيب والتشكيك، مجلة شؤون خليجية، سبتمبر2000.
(13) ممدوح أنيس فتحي، الإستراتيجية العسكرية الأمريكية للقرن القادم، السياسة الدولية، عدد (130)، أكتوبر1997، القاهرة.