العرب بين المطرقة والسندان
معتصم السنوي
في 8 كانون الأول (ديسمبر) 1953، أعلن الرئيس الأمريكي (ايزنهاور) في خطابه الشهير “الذرة من أجل السلام”، الذي ألقاه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن الولايات مستعدة لوضع ما لديها من معلومات والمنشآت الذرية في متناول البلاد الأخرى من أجل البحث النووي السلمي، وتبع ذلك الخطاب مرسوم الطاقة الذرية الذي صدر في آب (أغسطس) 1954، وسمح بتبادل بعض المعلومات حتى ذلك الحين، كما سمح بتزويد المواد الذرية للبحث والاستعمال الصناعي، فكانت نتيجة ذلك أن تمّ في السنتين التاليتين توقيع نحو ثلاثين اتفاقية ثنائية للتعاون النووي بين الولايات المتحدة وبين دول أخرى، وضمنها إسرائيل ومصر عقدت الاتفاقية مع إسرائيل في 12(يوليو) 1955، أثر اتصالات قام بها سفير إسرائيل في واشنطن، (ابان أبيان)، مع (مورهد باترسن)، كبير المفاوضين الامريكيين في شأن برنامج “الذرة من أجل السلام”. وقد نصت الاتفاقية على تبادل واسع للمعلومات المتعلقة بمفاعلات البحث الذري واستعمالها وعلى مد إسرائيل بستة كيلوغرامات من اليورانيوم (235) المخصب بنسبة 20 في المئة. وأعطيت إسرائيل، في الوقت نفسه، (حق شراء مفاعل صغير للبحث الذري مع مساهمة أمريكية بملبغ (350.000) الف دولار من ثمنه. وقدمت إلى إسرائيل في 31 آب (أغسطس) مكتبة فتية تحتوي على نحو (6500) تقرير عن البحث والتطوير الذريين من تقارير الطاقة الذري الأمريكية ونحو (45) مجلداً عن النظرية النووية وخلاصات لتقارير ومقالات. ومن ثم تدرب في المرافق الأمريكية النووية، بين سنتي 1955-1960، نحو (56) إسرائيلياً. إما في مهمات فردية أو كمشتركين في الدورات الدراسية التي تشرف عليها لجنة الطاقات الذرية الأمريكية في معهد (اوك ودج Oak Ridge) للدراسات النووية وفي المعهد “الدولي للعلم النووي والهندسة النووية” في مختبر (ارغون Argonne) الوطني، وكذلك زار نحو (24) عالماً إسرائيلياً منشآت مختلفة تابعة للطاقة الذرية الأمريكية، وأعرب (بن غوريون) وزير الدفاع ورئيس الوزراء المكلف في ذلك الحين، مراراً عن اعتقاده بأن القوة الذرية الإسرائيلية ستصبح خلال بصنع سنوات مصدر البلد الرئيس للطاقة، وأن في مقدور إسرائيل أن تبني مفاعلها الخاص بما تحت تصرفها من اليورانيوم والماء الثقيل المنتجين محلياً، وكذلك أكد (شمعون بيرس) مدير عام وزارة الدفاع في حينه ورئيس دولة إسرائيل حالياً، الذي كان من أتباع (بن غوريون) المقّربين، ومن أنشط مؤيدي القدرة النووية العسكرية وفي 19 آذار (مارس)1958، وقع عقد مع قسم الذريات التابع لشركة (أمريكان ماشين أندفاونردي) في نيويورك لشراء مفاعل بحث ذري ذي حوض قوته ميغا واط واحد، وأصدرت لجنة الطاقة الذرية في الولايات المتحدة الرخصة لذلك في 12 حزيران (يونيو) وقد اختار الإسرائيليون هذا النوع ” نظراً إلى بساطته وعمله المأمون، وإلى أمكان الأقتراب من قلب في أوضاع مضبوطة”.. وضع المهندسون الإسرائيليون الخطط لهذا المفاعل بالتعاون مع العلماء الامريكين، وبدأ انشأؤه في تشرين الثاني (نوفبر)1958 في (ناحال سوريك) إلى الجنوب من تل أبيب قرب مركز (وايزمن) للبحث النووي في رحوبوت، وانتهى العمل في أيار (مايو) 1960 وبدأ المفاعل عمله في 16 حزيران (يونيو) من نفس السنة، وبأختصار أنه من الجائز قد استعملت إسرائيل (اليورانيوم المخصب) تخصيباً عالياً الذي تزود به لصنع (قنابل نووية) من نوع قنبلة (هيروشيما صنعت قنبلة هيروشيما) حول قلب من اليورانيوم بينما استعمل (البلوتونيوم) لصنع قنبلة ناغاساكي)، يضاف ذلك فأن وجود مفاعل (ديمونا) يوحي بأن البرنامج الإسرائيلي لصنع الرؤوس النووية سيقوم على أسلحة قلبها من البلوتوتيوم، وهذا يوصلنا بأن تهديد (شمعون بيريس) رئيس دولة إسرائيل بإبادة العرب في حالة قيام الحرب لم يأت من أضغاث أحلام أو كلام غير مدعم قولاً وفعلاً بما لدى إسرائيل من إمكانات نووية لتنفيذ تهددها في الوقت المناسب!! وخلاصة القول: أن أمريكا لا تستطيع مغادرة قرار متخذ منذ خروجها من حدودها الوطنية إلى الآفاق الرحبة لعالم اليوم، بَعْد إيران وبصرف النظر عمن يحكم فيها جزءاً من منظومة الأمن القومي الأمريكي لعوامل متراكبة ومعقدة، منها على سبيل المثال (الأبقاء على حالة القلق العربي من الدور الإيراني وخاصة في منطقة الخليج العربي، وذلك من أجل أستدراج النظام الرسمي العربي إلى مزيد من الالتصاق بالمشروع الكوني الأمريكي)، مع ما يلحق بذلك من قبول بالصلح مع إسرائيل والتطبيع معها وطي أبدي لملف الحقوق العربية وحقوق الشعب الفلسطيني بشكل خاص، وعقد مزيد من صفقات السلاح وخاصة مع الدول الخليجية بمليارات من الدولارات لتحولها إلى مستودعات لأحدث الأسلحة ومثُبت عليها عبارة (ممنوع اللمس أو أستخدامها ضد الكيان الصهيوني)، كل هذا يتم تحت لافته (موازنة الخطر النووي الإيراني)، لإدامة الاقتصاد الأمريكي بشكل خاص والذي تعرض لأكبر هزة منذ الأزمة الاقتصادية العالمية نهاية عشرينات القرن الماضي بسبب حرب الرئيس (بوش) على العراق وافغانستان وما جلبته من كوارث كبرى، عن طريق أدامة حركة مصانع السلاح وكذلك التحكم بأسعار النفط!! …يتضح مما تقدم أن الشعوب العربية وحكوماتها أصبحوا في وضع لا يحسدون عليه، بعد أن تغافلوا وتجاهلوا الخطر المحدق بهم، بل وساهمت بعض الدول العربية إلى تقديم التسهيلات إليه لكي يتمادى في عدوانه المستمر ويتأهل علمياً وعسكرياً ليهدد ويتوعد في سحق العرب متى شاء وأينما شاء!! لتصبح المنطقة العربية (وبالرغم من أنفها) بين المطرقة والسندان مطرقة أميريكا وسندان الكيان الصهيوني، وما على العرب إذا ما أرادوا الحفاظ على البقية الباقية من وجودهم أن يتحركوا ويصحوا من غيبوبتهم، ويتحدوا كأمة عربية واحدة وشعب عربي واحد، للدفاع عن كرامتهم ووجودهم القومي ويدفعوا حكامهم إلى عقد مؤتمر قمة عربي طارئ لإتخاذ القرارات التي تتفق والمخاطر المحيطة به من كل جانب والضغط على مجلس الأمن الدولي والمنظمات الدولية ذات العلاقة بالأسلحة النووية لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية، ودفع الكيان الصهيوني للتوقيع على الأتفاقية الدولية المتعلقة بتحريم الأسلحة، وأتخاذ موقف موحد وصارم من قضية العرب المركزية (فلسطين) بمد العون العملي والمادي إلى الفلسطينيين لتشكيل دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف!!