تلك الكتب
العراق والمطبوع التراثي – قراءات – رزاق ابراهيم
لست من الذين ينظرون الى الثقافة من منظور اقليمي او قطري، فاجعل ما حققه العراق من منجزات ثقافية في الماضي على انه انجاز عراقي فقط، وانه يحسب للعراق وليس لغيره من البلدان العربية وانما هو انجاز عربي واسلامي، بل انه يمكن ان يحسب على الثقافة العالمية والانسانية في مرحلة معينة من مراحلها، اذ كان في عصر الخلافة العباسية قد حافظ على المنجزات الثقافية للشعوب الاخرى التي سبقته في جوانب معينة، واضاف اليها الكثير، وقد كان العراق سباقا في جعل ارضه وثقافته مركزا للمثقفين من مختلف القوميات والاجناس، وهو الانجاز الذي تفخر وتعزز به الكثير من البلدان الغربية، بل تعده واحداً من ابرز منجزاتها في مضمار الثقافة وحقوق الانسان، والعراق واحد من ابرز الثقافات العربية قبل الاسلام، وقد طبعت الان مخطوطات وماتزال من العراق في مختلف البلدان العربية والاسلامية، وفي البلدان الاوربية، ولكن كان ومايزال القارئ يستفسر عن المطبوع العراقي لهذا التراث العراقي الوفير والفريد والكثير الاهمية، وقد يحصل على حاجته من مطبوعات دول وبلدان اخرى، ولكن عندما تكون هذه الحاجة شحيحة من هذه المطبوعات يلتفت صوب العراق متسائلا عن دور العراق في الاهتمام في تحيقي مطبوعاته القديمة والاهتمام بها، وتوفيرها للقراء العرب والمسلمين، بل وتوفيرها للقراء العراقيين ايضاً.
ويمكن القول: اننا عندما نجري احصائية لما صدر من مطبوعات عراقية قديمة نجد ان الصادر عن العراق من هذه المطبوعات اقل بكثير من الصادر من بعض البلدان العربية، بل ان بعض دور النشر والجامعات العربية استغلت ظروف الحصار التي عاناها العراق، وعاشها جوعاً وفقراً، لتجعل من المخطوطات العراقية ميداناً تجارياً، ولتحاول الحصول على المخطوطات بارخص الاسعار، وذلك ما شمل المطبوعات التي تهتم بالمخطوطات وتحقيقها وطبعها مثل مجلة المورد الصادرة عن دار الشؤون الثقافية ومجلة سومر الصادرة على الاثار.
واذ تهتم هذه الدور والجامعات بهذه المخطوطات وضرورة الحصول عليها فانها تدرك قيمتها العلمية، واقبال الباحثين والقراء عليها، وانها تشكل مصدرا ومرجعا مهما في الثقافة العربية والاسلامية، ومن يراجع ما بذله المستشرقون الاوربيون من جهود مضنية في الحصول على هذه المخطوطات، ولاسيما العراقية، يدرك اهميتها للثقافة الاوربية والحضارة الحديثة، اذ كان هدفهم لتعليم اللغة العربية، وخوض غمار البحث فيها، وما تتطلب من رحلات واسفار، ومراجعة لمصادر ومراجع عديدة، ومن سنوات بل ان بعضهم عاش سنوات كثيرة في البحث وفي الحياة العربية لتعلم المفردات العربية، وتأليف المعاجم الدالة على ذلك.
وكل ذلك يشير الى اهمية ما قدمه وانجزه العراق من مخطوطات في مراحله السابقة من مسيرته الحضارية، ومع بعض هذه المخطوطات اخذت طريقها الى التحيقيق والطبع ونشر من اشخاص غير عراقيين ومن دول عديدة، اسلامية وغير اسلامية الا ان القارئ في العراق يظل يتساءل اين العراق في كل ذلك واين المطبوع العراقي التراثي واين الجهة العراقية التي يتم الرجوع اليها في التعامل مع هذه المخطوطات وتحقيقها واصدارها؟ وهل تظل دون مراجع، ودون جهة محددة ومعينة؟ ومتى يستمر الامر كذلك؟ وماهي الخسائر الثقافية والمادية التي خسرها العراق جراء اذلك ؟ هل تتعارض المطالبة بحقوق الطبع والنشر مع الجانب القومي والانساني للثقافة؟


















