العراق من عقد التاريخ إلى صراع منظومة القيم – مزهر الخفاجي
في الوقت الذي شكل المكان حيزآ او حافزآ للعمل والابداع كانت الجغرافيا العراقية
عاملا لزعزعة بناءه :-
جغرافية مفتوحة – بلد للهجرات (صراع البداوة والحضارة)
بلد طبيعة متألفة – انعكست على طبيعة الاستقرار البشري وثبطت من عزيمته (قلق) جار حاسد او حاقد – شعب مستفزآ ،محتل مرة ، ومحتلٍ مرة اخرى ،ضائع ، او شعب بائس لأدامة حربه تاريخيآ
في قبل الاسلام :- شعب العراق ، وارض العراق كانت محط تنافس وصراع ،يوناني ،فارسي ، روماني ، سلجوقي ،بويهي ، عثماني ، انگليزي ، امريكي ، داعشي .
الغريب أن العراقيون بعد الاسلام:-
كان العراقيون رأس منطقتهم – حركة الفتح الأسلامي ، وبسبب وعي ورفض وتمرد اهله:
*صار بيئة جيدة لأنتاج حركات معارضة.
*صار محطة لنشوء الفرق الدينية والفكرية الكبرى (موالي ،زندقة ، قرامطة، زنج) .
* بلد خبرات سائبة
*بلد قائمة على اقتصاد ريعي .
*غياب فكرة العدل وان حضر فيها تبعآ لمفهوم دولة الفرد ، القائم على فكرة لا مصلحة للفرد والمجتمع امام مصلحة الدولة العميقة .
*بلد تحكم اقتصاده ثلاث أقطاعيات:
أ. اقطاعيات سياسية (عوائل ) ملك ابن الهة ساسة يتوارثون المناصب .
ب. أقطاعيات زراعية (أغنياء ، واقطاعيين)
ج. اقطاعيات دينية (كهنة ، رهبان ، رجال دين) .
أجتماعيآ :-
غياب البناء الوطني على المستوى السياسي والتاريخي والاقتصادي والعراق بلد متنوع عرقيآ يميل الى المركزية حين يحضر القوي او يميل للامركزية حين يغيب القوي فأنتج مجتمعآ
متناشزآ / مناكفآ داخل النسق الجمعي
متغالبآ / يميل الى حكم القوي ويفضله في بعض الاحيان على غيره .
متغانمآ/ يميل الى المال او صاحب المال وترجح كفة قبوله الاجتماعية . سمات المجتمع العراقي بعد هذا التكوين: فردآ ومجتمعآ يميل الى ان يكون (قلقآ،عنيفآ،متطرفآ) والاسباب تعود الى
1-لان الفرد يحمل قيم مجتمعة العربي القائم على فكرة الغزو (البداوة ) للحصول على مايحتاج (الكلأ والملأ) تركت أثارها على تفكيره .
2- الصراعات المجتمعية الحيازة والحما( الصراعات القبلية او الطائفية على الارض والماء والمال او السلطة ) لقد تركت اثارها على قيم المجتمع فأنهكته .
3-انتشار السلاح لطبيعته الميالة للقوة.
4- الحروب الطويلة ،مكنت الناس من امتلاك السلاح .
علي الوردي يقول في هذا الشأن:-
ان القيم الاجتماعية لاتزول بزوال اسبابها فهي تبقى في الناس وان كانت ضعيفة.
عوامل ساهمت في تدهور الشخصية العراقية :-
مما تقدم تشكلت داخل تفكير هذه الشخصية (عُقد عديدة)
- عُقد تاريخية: بلد مناكف للسلطة رافض لها وقابل بالقوي كحاكم له.
- عُقد اجتماعية : صراع بين قيم البداوة وقيم التحضر (الحداثة )
- عُقد اقتصادية : غياب مفهوم العدل النسبي .
- عُقد ثقافية : غياب فكرة الوطن وحضور فكرة المكون الموالي ( عرق ، طائفة ، دين ، قبيلة ، حزب ) لهذا وذاك الطائفة فوق الوطن ، العروبة فوق الوطنية ، الوطنية الضائعة .
الثقافة الاجتماعية
العنف تحول من سلوك فردي الى سلوك جمعي او ثقافة سائدة لدى البعض لتحقيق اهدافه:
_ الفرهود والحوسمة كثقافة .
_ الحرامي بطل عند العشيرة /اخو اخيتة يجيب خبزتة .
_ القوي بطل عند العائلة / سبع اخو أخيتة .
_المتمرد / بطل رافض للجوع شقي او حرامي .
القراءة الجديدة تكمن في :غياب فكرة الهوية الوطنيه الجامعه
1-غياب مفهوم المواطنة : أي غياب فكرة الولاء بسبب تعدد ولاءات الفرد ، علو الثانوي والفرعي على الاساسي .
2-غياب النخبة الوطنية : صاحب المشروع التنويري وحضور الرموز والاشخاص أي ( العمل الجمعي غائب بسبب غياب الطبقة الوسطى).
3-غياب الدور الحقيقي للدولة : وحضور مشروعها ليس كنتاج وحراك وطني ، بل مفروضة من الخارج .
ب) غياب فكرة التعايش الجمعي :
-البعض حائر في انتماءاته وهي تغيب وتحضر تبعآ لتطور الوعي وثقافة المجتمع فأنتماءات ابن المدينةتختلف عن ابن الريف وابن العاصمة ، غير عن ابن الاطراف .
-والبعض ذهب الى تطبيق فكرة الثقافات المحلية علت من نفسها وانتقامها .
-ثم ذهبنا الى مفهوم انتقام الجغرافيا ومشاريع الشرق اوسطية الجديدة.
التوصيفات المزعزعة لنمو الشخصية :-
مثال عن ذلك “بيان الملك فيصل الذي شكك في وجود مجتمع عراقي او نسيج مجتمعي او بلد اسمه العراق”
هذه المقولة قد استندت الى قناعات مسبقة عبر عنها
رؤيا استعماريه : اكد عليها الباحث البريطاني ستانفيلد في كتابه المجمع العراقي /هويات سيوسولوجية .
يقول فيها : لقد عاش العراق منذ تأسيسه عام /1921من افتقاره للهوية الوطنية الجامعة الموحدة .. ويضيف آيضاً العراق مصطلح خلقته بريطانيا .
في حين رّد عليه عالم الاجتماع لندنز في قوله ” الهوية العراقية _ يقصد بها ، فهم الناس لأنفسهم وتصورهم لأنفسهم ومايعتقدون وخصائص الهوية العراقية الجامعة _الطبقات الأثنية
_ الطبقة الاجتماعية
إذ الهوية انتماءات اجتماعية جماعية وتوصيفات الثانية تذكر ان الملك فيصل في وثيقة له رغم أننا نشكك في نسبها لهُ… بل مكتوبه له يقول فيها : “ليس هناك بعد شعب عراقي ، بل كتل متنافرة في البشر مجردة من أية فكرة وطنية ، غارقة في الخرافة والجهل والفقر… تفتقر الى أية رابطـــة مشتركة ، ميالة الى الفوضى ومستعدة ابدآ للتمرد على أية حكومة مهما كانت .
والرجل قد دان نفسه بنفسه كما يقول عالم الاجتماع (اندرياس) اذآ ان اسباب ضعف الروابط انما يعود الى عاملين .
الأول :ضعف الروابط انما يعود لضعف المجتمع المدني ، اي ضعف مؤسساته المدنية وحضور الروابط الفردية .
الثاني :بسبب ضعف الدولة المعاصرة عن تطبيق المساواة .
الثالث : وجود التميز السياسي والاجتماعي والعرفي والطبقي .
والتوصيف الثالث /توجيفا بايدن يقول:-
يقول أن الدولة العراقية لم تكن نتاج تفاعلي محلي … بل هي نتاج ( مؤتمر سان ريمو ) / نيسان 1920في باريس ، وهي كمنظومة سياسية .. كانت بناءآ خارجيآ اشرفت بريطانيا على توطيد بعد احتلالها بعد الحرب العالمية الاولى.
مؤلفات عديدة
وكذلك قراءة الدكتور علي الوردي في مؤلفاته العديدة من طبيعة المجتمع العراقي وانتهاءآ بلمحات اجتماعية تساوي بين الفرد والمجتمع ويعتقد ان
_غياب الوعي الفردي (تخلف المجتمع )
_ وتناشز بنيته المجتمعية (صَدر لنا فردآ او مجتمعآ أزدواجيآ)
_ هو حائر اذ ان مشكلته تأتي .
من كونه شعب حائر بين نظامين متناقضين من القيم الاجتماعية قيم البداوة الأتية من الصحراء المجاورة أو قيم التعصب القادمة من التاريخ المُفرق ، او من عقدة القطيع الذي يقوده القوي .
وفي قيم الحضارة المنبثقة من تراثه الحضاري القديم وقيم الحداثة التي كانت التي كانت نتاجآ للحضارة والصناعة ، فصار الفرد يخرج من أزمة ليدخل الاخرى فأنتقل فيها الفرد ونظامه السياسي في مراحل ثلاث :
_ دولة تحت الوصاية (1921-1958)
_ دولة جائرة (1958-1963)
_ دولة حروب و دويلات (1968-2003)
_دولة متخبطة (2003-2017)
قراءة الدكتور عبد الجليل الطاهر
فأن قراءته لموضوع تدهور الشخصية العراقية …وقد احال التخلف الى موضوعين مهمين :-
1- اعادة انتاج القبلية والعشائرية وغياب النظام السياسي في العراق من خلال عمل الاحتلالات السابقة على انتاج و دعم وتقوية العشيرة والذي اعاد انتاج التنافر الاجتماعي واضعفت مفهوم المواطنة .
2- اذكاء روح الغضب ، والذي سببه تدعيم فكرة ان الحقيقة مطلقة وان احتكارها خاص بهذه العشيرة او هذه الطائفة او هذه المنطقة دون غيرها فضاع موضوع التعايش وحظر مفهوم رفض الاخر .
3- محاولة الأخر ( القوى الاقليمية ، الجارة او الدولية المحتلة ) على اضعاف وتضعيف قوة الدولة وشيوع مفهوم العراق الضعيف ، عقبه السيطرة عليه .
ويؤكد الدكتور العطية أن تخلف الشخصية والمجتمع العراقي قديمآ وحديثآ انما يعود :-
أ- الجهل المستشري في البيئة القبلية المجتمع العراقي وغياب الهوية الوطنية الجامعة وحضور الهوية القبلية المتعارضة المتقاطعة مع مفهوم التعايش والمواطنة .
ب- غياب ممارسة الدولة لدورها في الاخذ بيد مجتمعها لتحقيق العدل والانطلاق من الهويات الفرعية الى الهويات الجامعة فحضرت السلطة الغاشمة وغاب مفهوم الدولة المدنية.
قراءة الدكتور ابراهيم الحيدري :-
هذهِ القراءة تذكرنا بالعقدة الدينية التاريخية والقراءة تصور ان مفهوم الضعفاو المأزومية في الشخصية انما هو قائم على فكرة مفادها :-
1-ان العراق كمجتمع يعيش عقدة انه خائن للائمة او هو خائن للامانة لانه كان مصدر قلق للخلافة الأموية و العباسية
2- وان فكرة مايعيشه من (ضنك او كرب) وذلك بسبب خذلانه في حروب اهل البيت وعدم نصرته لهم .
حروب الامام علي عليه السلام .
حروب الامام الحسن عليه السلام .
الحسين عليه السلام وواقعة كربلاء.
خطبة السيدة زينب عليها السلام .
3- فكرة استحضار الوعي ذهبت بأنتاج الطقس والشعيرة ونسف فكرة النهضة .
-جعلت الفرد والمجتمع والدولة يتعامل معها وكانما ضد شعائره .
-او انها خائنة لناموس اهل البيت فغالى بالعبرة
– فهو بارع في ضبط ملايينها السائرة لكنه عاجز من ان يضبط ايقاعهـــــا في مفاصل الحياة الاخرى -والفرد ملتزم بالشعيرة الحسينية لكنه ضعيف في التعبير عن بعدها الاخلاقي الوطني الانساني الاعتـــــدالي في مشروعه الاجتماعي .
-ان جلد الذات مدعاة لأذكاء كثير من الاشكالات المجتمعية والتاريخية وان جاز لنا ان نلخص قراءة اساتذتنا الوردي والطاهر والحيدري فنحن يمكن ان نقول ان “الوردي” عزا تخلف الفرد والذي ساهم في تخلف المجتمع بالتالي وشيوع مفاهيم التغالب والتغانم والازدواج ، فأوجد مجتمع متناشز الشخصية .
أما الدكتور ” الطاهر ” فقد عاكس ” الوردي” حين اعتقد :
أن التخلف في الشخصية العراقية انما يعود لتخلف المجتمع فهو محصورآ بالعشيرة كمنظومة بدل الدولة ،هذا الذي ساهم بعد ذلك في انتصار فكرة البداوة على الحضارة.
أما ” الحيدري” فعزى تدهور الشخصية العراقية عبر التاريخ انما يعود الى :
نمط الثقافة وغياب استراتيجيات التعليم السائدة فيها والتي كرست فكرة الخيانة بمفهومها الفردي والجمعي فصارت وظلت ومازالت الشخصية العراقية تجلد نفسها وتشتغل بالطقوس على القبلي والفرعي على الرئيس والقائم على التنويري .
نعم لقد ظلمت الشخصية العراقية بسبب عنف وطمع جهات متعددة :- • عنف الدولة ضد الفرد
- وعنف الفرد ضد الفرد
- وعنف الطبقة ضد الفرد • وعنف وطمع الجار (الأقليمي ) ضد الفرد
فضاعت الدولة وضاع الفرد وبقى هنا بقايا فرد وشخصية مثقلة بالديون والهموم . لن يستقر حال العراق الا بأستقرار شخصية ابناءه وهو امر ليس بالمحال ويمكن ان نجد ذلك في ظل المستلزمات التالية :-
1-استقرار نظام الحكم وليس ديمومته ( تداول سلمي للسلطة ،مساواة ، حرية مكفولة ). 2- توفير امن مجتمعي للوصول الى مرحلة الرفاه الاجتماعي .
3-تكريس فكرة المواطنة واعلائها دستوريآ ومجتمعيآ على فكرة المكونات. 4- استثمار فرصة الانتصارات العسكرية المتلاحقة لأعادة مفهوم التعايش والتسامح المجتمعي من خلال تطوير الموارد البشرية .
5- السعي لخلق بيئة اقليمية ودولية بغية تحقـيق مصالح العراق.
أ.د. مزهر الخفاجي
بغداد 2020