العراق الغاضب والمغضوب منه والمغضوب عليه – وجدان شبارو

عمل موسوعي غير مسبوق من عشرة مجلدات لفؤاد مطر

العراق الغاضب والمغضوب منه والمغضوب عليه – وجدان شبارو

أنجز الكاتب اللبناني الكبير فؤاد مطر عملاً تأليفياً غير مسبوق بعنوان “العراق الغاضب.. والمغضوب منه.. والمغضوب عليه” الذي عده ختام تجربته في التأليف الذي بدأ في العام 1964 بكتاب “رؤساء لبنان من شارل حلو إلى شارل دباس” وشاء غسان تويني قطب الصحافة اللبنانية أن يكون سيرة ذاتية للذين ترأسوا لبنان والأول في سلسلة نشر “كتاب النهار” إلى جانب الصحيفة اليومية، وتلاه في العام 1971 كتاب “الحزب الشيوعي السوداني. نحروه أم إنتحر؟”. وفي ضوء تفاعل اللبناني وكذلك الشقيق العربي الذي كان زمنذاك يرى في لبنان وطنه الثاني وتواق إلى معرفة أحواله السياسية، مع هذا النهج من الإضاءة على السيرة الذاتية المبسطة التي تتناول بعض الأمور الشخصية إلى جانب الخط السياسي للذين ترأسوا لبنان قبل الإستقلال (خمسة) وصولاً إلى أحدث الرؤساء (شارل حلو) في عهد الإستقلال.. في ضوء هذا التفاعل يطور فؤاد مطر الذي أوجب عمله الصحافي أن يكون مراسلاً جوالاً في مصر والسودان وليبيا والعراق والسعودية والجزائر وتونس وحيث تنعقد المؤتمرات العربية ما بدأه ويعزز نهج الكتاب الذي يجمع بين التحليل والتوثيق في المؤلفات التي بلغت 34 فضلاً عن السيرة بصيغة السؤال والجواب لثلاثة من الظواهر الثورية في الحياة السياسية العربية في حقبة السبعينات هم الرئيس (الراحل) صدَّام حسين والرئيس (الراحل) جعفر نميري والقائد الفلسطيني الدكتور جورج حبش.

عمل جديد

يقع العمل التأليفي الجديد في عشرة مجلدات تم إنجاز ثمانية منها بعد التدقيق تبويباً وطباعة إلكترونية وبمعدل خمسمئة صفحة لكل مجلد بالحجم الموسوعي.

حول دافعه إلى جديده الذي إستغرق العمل فيه خمس سنوات وعاونه في إنجازه فريق عمل من الباحثين والموثِّقين يقول فؤاد مطر إنه حدث بعض التأمل في ما حوته أرفف مكتبته من إضبارات وهو الدائب على الإحتفاظ بما هو مهم من أوراق وصحف¬¬ وكتابات ومراسلات لا تأخذ طريقها للنشر لظروف تستوجب ذلك وأهمها ما يتعلق بالجسام من الصراعات العربية وما يندرج في ضوء لقاءاته بقيادات مسؤولة وبمرجعيات ذات صلة بالذين في مندرجات قمة السُلطة، سواء في لقاءات بهدف النشر أو لسماع الآراء المسؤولة التي توضح ما هو ملتبس وأحياناً ما يكون خفياً وبالتالي أعظم. وعلى سبيل المثال لا الحصر فإنه عندما تيسر له الحصول على ملف من مرجع مسؤول يتضمن محاضر لقاءات أجرتها لجنة رئاسية عربية مع القادة العرب كل في عاصمة دولته ومقره الرسمي، تستهدف تحقيق التضامن الذي كان يشهد في النصف الثاني من السبعينات تشققات تركت محاذير على جوهر المشاعر وطبيعة العلاقات الثنائية، فإنه أودع هذا “الكنز المعلوماتي الرسمي” الإضبارة في ملف المحرمات نشْرها إلى حين. ثم جاء الإفراج عنه من جانبه بعدما تبدلت المحاذير وخرج إلى فضاء النشر الحلال عام 2001 كتاباً وبالنهج التوثيقي والتحليلي إياه الذي يعتمده وتحت عنوان “التضامن العربي ذلك المستحيل. محاضر ووثائق رسمية على مستوى القمة حول خفايا محاولة يتيمة لجمع الصف العربي الذي مزَّقه الرئيس (الراحل) أنور السادات للمرة الأُولى شر تمزيق وكيف يفكر أهل القرار العربي عند خروج أحدهم على القضية”.

في بادىء الأمر بعد عميق التأمل في الكم الثري من مضامين الإضبارات التي في أرفف مكتبته، إرتسم المشهد العراقي في باله كون الذي جرى في العراق وما أصابه من جرَّاء صولات وجولات حرب إستباقية خاضها مع إيران الخمينية ومن حرب دولية تأديبية للنظام البعثي الصدَّامي نفسه جرَّاء غزوة للجار الأول غلبت فيها التهيؤات على المنطق إلى جانب خروجها على ما يوصي به الرسول (ص) حتى بسابع جار “خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره” وقوله أيضاً “مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره”. ولقد أمضى أوقاتاً يعيد تقليب في الإضبارات من أوراق ومرجآت ووثائق عن العراق منذ أن سطَّر الجنرال عبدالكريم قاسم كتابة العبارات الثورية الأولى في لوحة الظلم المتمثلة ليس بتغيير بما هو أكرم للنظام وإنما الفتك والتلذذ بإستباحة الأرواح إلى درجة التمثيل بأصحابها، وبذلك قام النظام الجمهوري في العراق على زرع ثوري دموي في واقع الأمر. ومنذ 14 يوليو/تموز 1958 والعراق ينزف دماً وبغضاء تلد كراهية وسيادة مجيَّرة وكيان أشبه بميدان غير مكتملة مقومات الفروسية والفرسان فيه.

وخلص مطر بعد تقليبه في الإضبارات وما حوته من مواقف وحقائق ووقائع ثم تنسيقها، إلى أن العراق منذ السنتيْن الأخيرتيْن من الخمسينات وصولاً إلى ما عاشه خلال ستة عقود هو الحالة الأكثر تعقيداً في حالات بعض دول الأمة، وأن التوصيف الواقعي له هو “العراق الغاضب.. والمغضوب منه.. والمغضوب عليه” ومن هذه الرؤية بدأ العمل على تحويل ما هو المفيد الإضاءة عليه. وتوزعت الإضبارات على فريق من الباحثين والموثقين الذين أنجزوا المجلد تلو الآخر مع ملاحظة أن العمل مرّ بثلاث مراحل: تحرير المادة ثم التدقيق والربط والتنسيق والتصحيح فإختيار العناوين التي ليس فقط تناسب المادة وإنما تُشوِّق القارىء لها. هذا إلى رفد المادة بالصور التاريخية أو الحديثة والمباشرة بعد ذلك بتدوين المحتويات بحيث تكون الدليل لمن يريد الإطلاع على حدث أو موضوع بعينه. ثم في نهاية المطاف تبدأ عملية الطباعة الإلكترونية.

يضيف فؤاد مطر إلى ما قاله التوضيح بأن من أهم الدوافع إلى هذا العمل التوثيقي والتحليلي غير المسبوق أن موضوع العراق سيبقى الأكثر إهتزازاً في المشهد العربي لبضعة عقود وأن الذي جرى للعراق وما أحدثه من تصدُّع، سيكون حاضراً في كثير من القرارات والخطوات وخرائط على أهبة الرسم.

ولذا فإن الجيل العراقي الذي عايش الحالة العراقية الصعبة ولم يتسن له الإحاطة بما حدث وما قيل وما يُرسم لوطنه وذلك بسبب العصف الذي كاد يودي بالعراق إلى التجزئة، ومن حقه علينا أن نوثق ونحلل ما جرى بغرض المعرفة في معزل عن ضوضاء صاخبة متلازمة مع الخوف على الحياة وعلى الوطن حفلت بها بضع سنين مضت. كما من حق الذين سيختارون الموضوع العراقي مادة لأطروحات في الجامعات التي يتابعون الدراسة فيها أن يروا في هذا العمل الذي أنجزناه ما يساعد أبحاثهم. وبالأهمية نفسها هنالك أجيال عربية دبلوماسية وأمنية وعسكرية وإستخباراتية عايشت ظروف حرب من العراق وحرب عليه وما بين الأُولى وتلك من إحترابات، لم يتسن لها التأمل والتفكر نتيجة وتيرة السرعة والتسرع في أحداث جرت ومواقف إتُّخذت. ومن حق هؤلاء أيضاً أن نضع أمامهم وبكل التأني والحس المسؤول ما جرى سياسة وحرباً وبذلك تتضح الرؤية لهم نتيجة وضوح الرواية كما ستتضح لأجيال عربية لاحقة أمنية وعسكرية ودبلوماسية ومخابراتية صورة ما حدث وقد خلت من غبار التشويش والمشوشين.

عمل توثيقي

ويتملك فؤاد مطر شعور بأنه أدى في مؤلفاته الأربعة والثلاثين التي أنجزها وبالنهج نفسه لما هو عليه عمله التوثيقي الموسوعي الجديد واجباً معرفياً وأنه كان في هذه المؤلفات شديد الحرص على أن يُقدِم ما يثري ويفيد.

وأبرز هذه المؤلفات: “روسيا الناصرية ومصر المصرية” و”أين أصبح عبدالناصر في جمهورية السادات” “ألف فتوى وفتوى. مسلمون في مهب فوضى الفتاوى”  “الخميني وصدَّام. القرار الصعب والخيار الأصعب” للقائد التاريخي قلم ينصفه”  “إستنطاق حكام عرب”  “أمر الله يا عبدالله. خادم الحرميْن حارس الأمتيْن”  “أنياب الخليفة وأنامل الجنرال” عسكر سوريا وأحزابها. غواية الإنقلابات والتقلبات”  “الكردي المخذول” “الحاكم إذا إستبد والشعب إذا إنتفض”… ولكل من مؤلفاته ظروف واكبت سنوات عمله كصحافي أضاء عليها في كتاب حياته وسيرته الذاتية والمعنون “هذا نصيبي من الدنيا. تجربة حياة. ومسيرة قلم” الصادر في العام 2017.

إلاَّ أنه يرى في موسوعة “العراق الغاضب.. والمغضوب منه.. والمغضوب عليه” أنها ختام تجربته التأليفية إلاَّ إذا أمد الله بالعمر والصحة والذاكرة الوقادة لإستكمال كتابة مَن هو من حقه علينا كتابة تجربته.. سلمان بن عبدالعزيز إستكمالاً للمحاولة الأولى لمناسبة توليه الحُكم وكانت بعنوان: “قاطرة سلمان.. الحزم والحسم والعزم على طريق الاستقرار العربي والتأسيس الثاني”.

وما يأمله فؤاد مطر لخصه في تقديمه لإنجازه الموسوعي التوثيقي “العراق الغاضب.. والمغضوب منه.. والمغضوب عليه”، بالقول: “يغمر أنفسنا شعور بأننا نقدِّم للأجيال العربية المخضرَم منها والآتي على جناح الآمال بشتى الغيوم الداكنة، ما يجعلها تحيط بحقبة حجبت سرعة التطورات وغبار الأحداث عنها رؤية ما جرى بمنأى عن الضغوط.

كما يحدوني رحب الأمل بأن يخطو خطانا باحثون وموثِّقون ومحلِّلون ينجزون الإضاءة على أحوال أقطار أُخرى في الأمة التي تعيش على براكين موسمية تقذف الحمم الغاضبة.

وأما شعار الإنجاز الذي كان خاطرة ثم سعياً فتنفيذاً فيقول إنه الأخذ بالقول الطيِّب “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”.

مشاركة