العدل الدولية تصدر أول رأي استشاري بشأن المناخ

لاهاي‭ (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬أصدرت‭ ‬أعلى‭ ‬محكمة‭ ‬تابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أول‭ ‬رأي‭ ‬استشاري‭ ‬لها‭ ‬بشأن‭ ‬الالتزامات‭ ‬القانونية‭ ‬للدول‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالحدّ‭ ‬من‭ ‬التغير‭ ‬المناخي،‭ ‬مع‭ ‬سؤال‭ ‬محوري‭ ‬واحد‭: ‬هل‭ ‬سيتم‭ ‬تحميل‭ ‬الملوثين‭ ‬الكبار‭ ‬المسؤولية؟

يؤكد‭ ‬الخبراء‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬هي‭ ‬الأهم‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬التي‭ ‬تنظر‭ ‬فيها‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تتخذ‭ ‬في‭ ‬لاهاي‭ ‬مقرا‭.‬

‭ ‬أطلق‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬طلاب‭ ‬من‭ ‬أرخبيل‭ ‬فانواتو‭ ‬الصغير‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الهادئ،‭ ‬ودُفعت‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تصويت‭ ‬من‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭.‬

ومع‭ ‬أنّ‭ ‬الرأي‭ ‬الذي‭ ‬يصدره‭ ‬القضاة‭ ‬استشاري‭ ‬فقط،‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬ويساهم‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬العدالة‭ ‬المناخية‭ ‬عبر‭ ‬تحفيز‭ ‬التشريعات‭ ‬والمحاكم‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭.‬

وأكدت‭ ‬جوا‭ ‬شودري،‭ ‬كبيرة‭ ‬المستشارين‭ ‬القانونيين‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ “‬سييل‭” ‬CIEL‭ ‬غير‭ ‬الحكومية‭ ‬التي‭ ‬تدعم‭ ‬القضية،‭ ‬أن‭ ‬رأي‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ “‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬القرارات‭ ‬القانونية‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭”.‬

وكلّفت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬قضاة‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬الخمسة‭ ‬عشر‭ ‬بالإجابة‭ ‬على‭ ‬سؤالين‭.‬

أولا‭: ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الالتزامات‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬لحماية‭ ‬الكوكب‭ ‬من‭ ‬انبعاثات‭ ‬غازات‭ ‬الدفيئة‭ ‬الناتجة‭ ‬بشكل‭ ‬رئيسي‭ ‬عن‭ ‬حرق‭ ‬النفط‭ ‬والفحم‭ ‬والغاز،‭ ‬لصالح‭ ‬الأجيال‭ ‬الحالية‭ ‬والمقبلة؟

ثانيا‭: ‬ما‭ ‬هي‭ ‬التبعات‭ ‬القانونية‭ ‬لهذه‭ ‬الالتزامات‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬انبعاثاتها‭ ‬في‭ ‬أضرار‭ ‬بيئية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬تجاه‭ ‬الدول‭ ‬الجزرية‭ ‬الضعيفة‭ ‬والمنخفضة‭ ‬الارتفاع؟

وكانت‭ ‬المحكمة‭ ‬عقدت‭ ‬أكبر‭ ‬جلسات‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭ ‬خلال‭ ‬كانون‭ ‬الاول‭/‬ديسمبر‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬السلام‭.‬

يلجأ‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬ومدافعون‭ ‬عن‭ ‬البيئة‭ ‬المحبطون‭ ‬من‭ ‬بطء‭ ‬عمليات‭ ‬التفاوض‭ ‬التقليدية،‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬إلى‭ ‬المحاكم‭ ‬الوطنية‭ ‬والدولية،‭ ‬لإجبار‭ ‬الشركات‭ ‬والدول‭ ‬على‭ ‬التحرك،‭ ‬وقد‭ ‬صدرت‭ ‬بعض‭ ‬الأحكام‭ ‬لصالحهم‭.‬

وساهمت‭ ‬مؤتمرات‭ ‬الأطراف‭ ‬السنوية‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬التوقعات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالاحترار،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬بعيدة‭ ‬جدا‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬حددته‭ ‬اتفاقية‭ ‬باريس‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬والمتمثل‭ ‬بحصر‭ ‬الاحترار‭ ‬عند‭ ‬درجتين‭ ‬مئويتين‭ ‬مقارنة‭ ‬بعصر‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الصناعة‭.  ‬ووضع‭ ‬النقاش‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬الصغيرة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الاقتصادات‭ ‬المتقدمة‭.‬

وحذّرت‭ ‬الدول‭ ‬الملوثة‭ ‬الكبرى،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والهند،‭ ‬المحكمة‭ ‬ودافعت‭ ‬عن‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬القائمة‭ ‬لمؤتمر‭ ‬الأطراف،‭ ‬بموجب‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الإطارية‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بشأن‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬رغم‭ ‬أوجه‭ ‬القصور‭ ‬فيها،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬انسحاب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬اتفاقية‭ ‬باريس‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭.‬

‭ ‬وتطالب‭ ‬الدول‭ ‬الصغيرة‭ ‬بتعويضات‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الملوثة‭ ‬التاريخية،‭ ‬وهو‭ ‬مطلب‭ ‬لا‭ ‬تقبله‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬الغنية‭.‬

‭ ‬وتطالب‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬أيضا‭ ‬بجدول‭ ‬زمني‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري،‭ ‬والتعويض‭ ‬المالي‭ ‬عند‭ ‬الاقتضاء،‭ ‬والاعتراف‭ ‬بالأخطاء‭ ‬الماضية‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬الآراء‭ ‬الاستشارية‭ ‬التي‭ ‬تصدرها‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬ليست‭ ‬ملزمة،‭ ‬ويؤكد‭ ‬المعارضون‭ ‬أنّ‭ ‬كبار‭ ‬الملوثين‭ ‬سيتجاهلونها‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬آراء‭ ‬مماثلة،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يقول‭ ‬أندرو‭ ‬رين‭ ‬من‭ ‬القسم‭ ‬القانوني‭ ‬لبرنامج‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للبيئة‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭.‬

ويضيف‭ “‬توضح‭ ‬هذه‭ ‬الآراء‭ ‬طريقة‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬أزمة‭ ‬المناخ،‭ ‬ما‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬المحاكم‭ ‬الوطنية،‭ ‬والعمليات‭ ‬التشريعية،‭ ‬والنقاشات‭ ‬العامة‭”.‬

مشاركة