رحيل آخر الرواد سالم الآلوسي 1925- 2014
العالم العامل والأديب الكامل – اضواء – عبد الحميد الرشودي
فجعت الاوساط الادبية والدوائر الثقافية في بغداد وسائر محافظات العراق برحيل الاستاذ العلامة السيد سالم عبود ياسين الالوسي الذي وافاه الاجل المحتوم عصر يوم الثلاثاء الموافق 15/12/2014 فكان لنعيه رنة اسى ولوعة حزن لدى اصدقائه وعارفي فضله فهو شخصية ثقافية بارزة وصاحب مؤلفات ودراسات وبحوث في شتى فنون المعرفة وسيما في علم الوثائق الذي يعد فيه مرجعية فهو الذي اشاع هذا العلم ودرسه وتخرج به طلاب نجباء اتقنوا هذا العلم وراحوا يطبقونه في الدوائر التي عينوا تنقب فيها وهم يحملون شعار استاذهم الالوسي (لا تاريخ بلا وثيقة) كما برع في تاريخ علم الاثار ولاسبما تاريخ البعثات الاوربية والامريكية التي كانت تفد على العراق منذ القرن الخامس عشر وهي تنقيب وتبحث عن اثار الاشوريين والبابليين في الموصل (نيــــــنوى) وبــــــابل واور وغيرها من مناطق الــــــعراق الاثـــــارية.
الولادة والنشأة
ولد الفقيد الالوسي في سنة 1925 في محلة سوق حمادة احدى محال الكرخ المشهورة في اسرة متوسطة الحال تنتمي الى السادة الحسنية، وما ان شب عن الطوق حتى اخذ سبيله الى كتاب الحاج علي الحيدر الذي كان يقرئ الصبيان القرآن الكريم في مسجد سوق حمادة فقرأ شطرا من السور القصار ثم ادخل مدرسة الكرخ الابتدائية الكائنة في منطقة الجعيفر سنة 1933 ليتخرج فيها سنة 1939 وينتمي الى مدرسة الثانوية المركزية فتخرج فيها سنة 1944 وحاز شهادة الدراسة الاعدادية ولما كان والده قد انتقل الى رحاب ربه كفله اخوه الاكبر الحاج كامل وقد اراد فتانا ان يخفف عن كاهل اخيه ويعينه على اعالة الاسرة فأرجأ الانتماء الى الدراسات العليا في الكليات فعزم على ايجاد فرصة عمل وكان من محاسن المصادفات وسوابق الاقضية ان قرأ ذات يوم في احدى الصحف المحلية اعلانا صادرا عن مديرية الاثار العامة تعلن فيه عن وجود وظيفة كاتب شاغرة وندعو من يجد في نفسه الكناية ان يتقدم بطلب ويشارك في الاختبار الذي ستجربه فتقدم الفتى وشارك في الاختبار وكان من حسن حظه ان كان الاول على جميع الممتحنين فعين بوظيفة كاتب في تلك المديرية التي كانت – فيما بعد – التربة الخصبة التي اتنبتته نباتا حسنا فقد كانت في هذه المديرية نخبة ممتازة من علماء الاثار والعاديات المتخصصين في الاشوريات والبابليات من امثال د. فؤاد سفرود. فرج بصمجي وطه باقر وسليم لاوي ومصطفى جواد.لقد كان الالوسي منذ صباه حريصا على اكتساب المعرفة دؤوباً على التزود بسائر العلوم كما ساعده على ذلك ذكاءه حاد وفطانة فتأثر باؤلئك العلماء واخذ عنهم الدقة في العمل والتنظيم والالتزام التام بالواجب الذي يعهد اليه وقد لفت سلوكه هذا المنضبط المتلزم هذا نظر مدير الاثار العام الدكتور ناجي الاصيل فعهد اليه بمهمة مصاحبة الوفود الاجنبية التي كانت تزور العراق وترغب في الاطلاع على الاثار المعروضة والوقوف على تاريخها فكان الالوسي خير دليل يشرح لهم طبيعة تلك الاثار ومواطن اكتشافها فافاد من هذا العمل الذي ساعده على النطق باللغة الاينكليزية متلقيا اياها افواه ابنائها وقد شجعه ذلك على المتابعة والمراجعة في الكتب المؤلفة عن الاثار باللغة الانكليزية من كتب ومجلات نثريات حتى ملك ناصيتها قراءة وكتابة ومخاطبة وهذه الميزة التي امتاز بها هي التي بوأته الوظائف المهمة ومهدت له الطريق ليرشح الى منصب مدير الاثار العام لقد جمع الالوسي بين ادب الدرس وادب النفس حتى اصبح رمزا من رموز المجتمع البغدادي ونجما متالقا في المجالس الادبية والنوادي الثقافية بما كتب وبحث ودرس وحاضر وحاور وقد استفاضت شهرته اكثر حينما شاهده الناس من خلال النافذة الثقافية التي كان يطل علينا منها في ستينات القرن المنصرم وهو يضيّف اعلام الفكر خلال النافذة الثقافية التي كان يطل علينا منها في ستينات القرن المنصرم وهو يضيّف اعلام الفكر والرأي والادب والتاريخ والاجتماع من امثال : د. مصطفى جواد الفقيه اللغوي وعالم الاثار طه باقر ومؤرخ العراق المعاصر السيد عبد الرزاق الحسني و د . احمد سوسة و د. صفاء خلوصي و د. علي الوردي و د. حسين امين ود. حسن علي محفوظ وفؤاد عباس وغيرهم رحمهم الله واكرم مثواهم .
ندوة مفتوحة
لقد كانت هذه الندوة مدرسة مفتوحة لجميع افراد الشعب يترقبون موعدها كما يترقب الصائم هلال العيد. فتراهم ينجلقون حول اجهزة التلفزيون سواء في بيوتهم ام في المقاهي. فأفاد منها العالم والمعلم والاديب والمتأدب لذا فانهم اسفوا اسفا شديدا حين الغي هذا البرنامج الممتع النافع وظلوا يذكرونه ويتحسرون عليه.
لقد صحبت الراحل الكريم الاستاذ الالوسي حقبة تقرب من نصف قرن كنا خلالها نتزاور ونتحاور ونتحدث في امور الادب وخبار رجاله حتى صح فينا قول اخي مالك بن الريب:
وكنا كندماني جذيمة برهته
من الدهر حتى قيل لن يتصدعا وقد اتاحت لي هذه الصحبة الكريمة ان اعرف عنه امورا واكتشف فيه عوالم مثيرة ومن خصاله الحميدة توجهه دائما نحو الخير وبعده عن لدد الخصومة والجدل العقيم ومن مزاياها- وما اكثرها دعوته الى الوحدة الوطنية ونشر شعار التآخي والتراحم والتواصل بين افراد الشعب العراقي بجميع اطيافه وشرائحه وان ايمانه بالوحدة الوطنية لا يقل عن ايمانه بوحدة الله الواحد الاحد لا جرم انه كان اوسع الناس صداقات ومعارف من جميع الملل والنحل على اختلاف عناصرهم واديانهم وتباين مذاهبهم ومشاربهم فقد فتح للجميع بابه وقلبه فوجدوا فيه الملاذ الامن والمحامي والمدافع عنهم عند تنكر الايام وتقلبات الاحوال التي شهدها العراق في النصف الاول من القرن المنصرم ولعل الاحياء من اولئك واولادهم وذراريهم يذكرون ذلك الصنيع الجميل الذي اسداه لهم واليد البيضاء التي وفرت لهم الامن والطمأنينة بعد فزع وهلع مما كانت تشبه اعاصير السياسة الهوجاء.
ومن نعم الله على الالوسي ان زاده علما وحلما ومن عليه بمزاج معتدل فهو طويل الاناة بطيء الغضب سريع الرضا يتغمد الاساءة بالسماحة والغفران وقالة السوء بالسماحة والمغفرة ويجعل قالة السوء دبر انيه حتى يصح فيه قول امية بن ابي الصلت
خليل لا يغيره صباح
عن الخلق الجميل ولا ساء
اذا اثنى عليه المرر يوميا
كفاه من تعرضه الثناء
وبعد هذا وذاك فالالوسي محدث لبق يحسن مداخل الكلام ومخارجه يتكلم باسلوب شائق رائق محبب الى النفوس تشهد له بذلك مجالس الادب والندوات واللقاءات كمجلس الاديب الرواية مكي السيد جاسم ومجلس الاديب الشاعر محمد جواد الغبان كما كان الالوسي يتمتع بذوق اديب مرهف فهو يختزن في ذاكرته العامرة غرر الاشعار وروائعها وتوابغ الكلم ونوادر الامثال والحكم والمواعظ والنصائح يوردها في مناسباتها فيكون بايـــــــرادـــــــها اولى بها من قائلها فالصيد لمن قنـــــــصه لا من نــــــفره.لقد منح اتحاد المؤرخين العرب الالوسي (الدكتوراه الفخرية) فلم يستعمل هذا اللقب ايمانا منه بان الشهادة تؤخذ ولا تعطى وهو محق في ذلك كل الحق فالالوسي فوق الشهادات واكبر من الالقاب لم يعرف الالوسي طيلة حياته التي قاربت تسعة عقود العبث وتزجية الوقت واللهو واللعب وانما استثمر وقته وكرسه للبحث والدرس والمتابعة والمراجعة وظل القلم منتصبا بين انامله حتى لفظ انفاسه الاخيرة وتشهد له بذلك مؤلفاته ودراساته وبحوثه ومحاضراته ومحاوراته التي ندرجها ادناه:
1. المرحوم الدكتور ناجي الاصيل (بغداد 1962)
2. الذكرى السنوية الاولى للمرحوم ناجي الاصيل (بغداد 1964)
3. رحلة نيبور في العراق ترجمة د. محمود الامين – مراجعة وتعليق وتقديم وفهرسة ط (بغداد 1965).
4. موجز دليل سامراء (بغداد 1965).
5. دليل اثار الكوفة (بغداد 1965)
6. ساهموا في انقاذ اثار النوبة (بغداد 1966).
7. معهد الوثائقيين العرب (بغداد 1980).
8. النظام الداخلي للفرع الاقليمي العربي للوثائق.
9. الدبلوماتيك او علم دراسة الوثائق ونقدها (بغداد 1973).
10. الارشيف . تاريخه. صناعته. ادارته (بغداد 1979).
11. اول العرب بالمشاركة مع لمياء الكيلاني (بيروت 1999).
12. العراق في القرن الرابع ترجمة فؤاد جميل. تعليقات (بيروت 2008).
13. اسماء العراق وبغداد (بيروت 2010).
14. اثار بغداد (بغداد 2013).
15. رحلة نيبور الكاملة مراجعة وتعليق وتقديم ط 2(بيروت 2012).
16. بغداد في رحلة نيبور (بغداد 2009).
17. شريعة حمورابي اعداد وتقديم ط 1 (بغداد 2007).
18. تاريخ علم في العراق لعباس العزاوي. تحقيق ونعليق (بغداد 2004).
19. شارع الرشيد (بغداد 2013).
20. شريعة حمورابي ترجمة عبد المسيح وزير وعبده حسن الزايات ط 2(جمع وتقديم وتعليق) (بيروت 2014).
21. بغداد تاريخ وحضارة بالمشاركة (بيروت 2013).
22. الوثائق واهميتها في الكتابة التاريخ (فرزة من مجلة المجمع العلمي بغداد 2004).
23. علم الشروط والوثائق (فرزة من مجلة المجمع العلمي بغداد 2004).
24. العلامة مصطفى جواد (فرزة من مجلة المجمع العلمي بغداد 2004).
25. دار المسناة (فرزة من مجلة المجمع العلمي بغداد 2004).
26. الكتابات الهيروغليفية وحل رموزها (فرزة من مجلة المجمع العلمي بغداد 2004).
27. اسس تحقيق التراث (وضعه خبراء) اعداد (بغداد 2009).
تلك اثارنا تدل علينا
فانظروا بعدنا الى الاثار

















