العاقبة للمتقين – علي الشكري
الحوزة الدينية في النجف الأشرف مدرسة وأرث وحاضرة ، ماضٍ وحاضر ومستقبل ، يرجع تاريخها لأكثر من ألف سنة وعمرها ممتد حتى يأذن الله وعمر غيرها قصير ، ناصبها كل طواغيت الأرض مذ ولدت العداء ، وناكفوها وسعوا جاهدين لإغواء رجالاتها من العظام ، بعد أن تيقنوا جازمين ، أن الشهادة عندهم كرامة وتكريم ، التقتيل لا يرهبهم ، والاعتقال لا يزيدهم الا إصراراً ، والإقامة الجبرية فرصة للاستزاده من العلم وفسحت للعبادة ، وقف المستشرقون ومن أثارت حفيظتهم ومن أرقهم شأنها ، متأملاً في سر أمتدادها دون انقطاع ، وتزايد الإقبال عليها في زمن الأزمة قبل الرخاء ، فطريقها وعر غير معبد ، يُقضى جُل العمر في درسها ،والمنزلة الرفيعة بعيدة المنال ، التضييق على مرتاديها قائم ، وتتبع رجالاتها مبدأ ، واعتقالهم في كثير من الأحيان مصير ، والاغتيال غير بعيد ، فتاريخ المرجعية سلسلة من رجالات ابت الا أن تلقى بارئها الأعلى وهي ثابتة على المبدأ، صابرة محتسبة راضية مرضية . ومن يجهل تاريخ الحوزة العلمية في النجف الأشرف عليه التأمل في تاريخها المعاصر وواقعها المعاش ، وإن صّم الكثير آذانهم وعمي بصرهم وظلت بصيرتهم ، فمرجعنا الأعلى المفدى أول من حذر المحتل من أن تطأ أقدامه ارض العراق ، فالعراق عصي على كل جبار أثيم ، وهو أول من دعا ساسة الامس المضطهدين الى عدم التعامل مع المحتل ، فالمحتل طامع طامح أثيم وإن أدعى النصرة ورفع شعار مناصرة المظلوم ، فهو الظالم قبل كل ظالم ، وهل من صام آذانه عن موقف المرجع الأعلى الذي رفض أن يكتب أول دستور غير مؤقت لجمهورية العراق ، الا بأيدٍ عراقية بعد أن قطع المحتل المراحل وتعاقد مع من يكتب الدستور من الأجانب ، فسقطت المؤامرة ببيان صادر عن مكتب المرجع الأعلى ، وهل غير المرجع الأعلى من أطفئ نار الفتنة الطائفية ؟ التي خطط لها المحتل وهيأ وقودها ومول عرابيها ممن باعوا طائفتهم واهلهم ومن أئتمنهم بدراهم معدودة . وهل غير سيدنا المفدى من أطلق صرخته التي اسمعت من به صمم حينما قال خالدته ” لا تقولوا اخواننا هم أنفسنا ” ؟ وربما نسى من غلّف الغل قلبه ، وأعمت الطائفية بصيرته ، وغيبته الدولارات الوافدة ، عن مشترك الدين والعقيدة والوطن والعيش والمصير المشترك ، ولكن هل نسي أو تناسى فتوى الجهاد الكفائي ؟ التي حمت وذادت ودافعت ودفعت واعادت ، وطن راح قاب قوسين أو ادنى من الاحتلال والتقسيم ، الفتوى التي حررت ودافعت ، عن شرف ومنزل وأسير وسبي ، الفتوى التي حيرت عقل كل لبيب ، حتى راح من خطط لفتنة داعش يصّرح ولا يلمح ، أنه خطط وتوقع وتحوط لكل شئ ، ووضع البدائل لكل الاحتمالات ، إلا أن يقلب رجل تقدم به العمر ، مقيم في بيت مؤجر طبع القدم عليه آثاره ، في زقاق صغير وفي حي منسي قديم ، أحياه ذكر القاطن فيه ، أن يقلب هذا العظيم الحسابات ، ويحبط المخططات ، ويسقط المؤمرات ، بكلمات راحت خالدات في سفر تاريخ العراق ، كلمات وحدّت مختلفين ، وجمعت متنافرين ، فتحت خزائن ، وأطلقت مخزونات ومدخرات ، حتى راح الجميع يتزاحم على الجود لا بماله ولكن بنفسه قبل ماله ، عجيب أمرك يامن عميت بصيرتك ، وغلب غلك على حلمك ، ويومك على أمسك ، بفتواه حرر وأعاد واسكن وأطعم وإغاثة ملهوف وجمع شمل وانتفض لشرف ، أغاظك زيارة ضيف قادم قاصد حريص ، وهل كثير أن يُقصد محرر حافظ جامع موحد ، أعاد للعراق هيبته ؟ أم أن الحقد حرّك وانطق وأفشى ما حرص الحاقد على كتمانه ، عجيب أمرك الباغض ، ألم يكن في زيارة مرجعنا الأعلى رفعت للوطن ، بعد أن استمع الضيف لحديث المصحح الذي ذكّر بالسليبة فلسطين بعد أن طواها النسيان في ذاكرة من ادعى العروبة والوطنية ،عجيب أمرك الفاسد ألم يكن في زهد الكبير غسل لنفايات الفاسد القذر الذي أزكم بفساده الأنوف ، واساء لسمعة وطن وأمة ودين ؟ عجيب أمرك الحاقد الم يكن في حديث الاعتدال عند مرجعنا غطاء لصوت التشدد الناشز الذي طبع الوطن وأبناءه بالفرقة والتشتت ؟ عجيب أمرك المضلل ألم يكن في زيارة زعيم أكبر طائفة مسيحي كاثوليكي لمرجع إسلامي شيعي اعلى رفعت للوطن والدين بعيداً عن الطائفة ؟ أليس المرجع الأعلى راعٍ وحامٍ وذائدٍ ومدافعٍ عن كل مضطهد مقهور ؟ وهل من منتفضٍ غيره حشّد ودعا ودافع عن عرض وشرف ودار ومال ؟ وهل جال في خاطره وهو يعلنها على رؤس الإشهاد فتواه بالجهاد ، أن المحتل من الأرض لا يقطنها شيعي ؟ ومنذ متى ومرجعنا الأعلى يميز بين أبناءه ؟. لقد تشرف ضيف العراق بزيارة سيدنا المراجع ، الذي لم يجد الا حفاوة الاستقبال ، وكرم الضيافة ، وحكمة العلماء ، وزهد المتقين ، وتواضع العظماء ، حتى أني سمعت من ضيف العراق المكرم أنه وجد في مرجعنا ، رسولاً للإنسانية ، ورمزاً للحكمة ومصدقاً للتواضع ، وعنواناً للزهد . أعلى الله مقامك سيدي ، ودام ظلك الشريف ، ونفع الدين بعلمك وحكمتك واعتدالك ، وحفظك حامياً ومدافعاً وعنواناً ، فالكبار ترتقي بهم الامم ، وتحفظ بحكمتهم الأوطان ، وتتوحد تحت مظلتهم الملل والنحل وما اختلفوا في الانحدار والمعتقد ، ولك سيدي حسن العاقبة ، وللعراق الأمن والسمو والرفعة.