الطب البيطري .. نظرة ثانية – إبراهيم سليمان عبد
لعل المتتبع للعلوم ومجالاتها كافة يتبين له أنها تخدم الإنسان وحياته من مناحي عديدة، فعلوم الطب وأنواعه يقع على عاتقها مسؤولية صحة الإنسان، وتهتم التخصصات الهندسية أيضا بصحة وسلامة الانسان من خلال توفير مبانٍ وطرق آمنة له، وتحفظ التخصصات الإنسانية صحة الإنسان العقلية من الجهل والتخلف، وحتى الفنون وجمالها لها دور في الصحة النفسية، كما أن تقنيات البيئة يقع على عاتقها مسؤولية معالجة التلوث والسموم التي يسببها سكان هذه الأرض، أما علوم الطب البيطري فتكمن أهميتها في توفير حيوانات صحيّة للإنسان بما يوفر الأمن الغذائي والسيطرة على الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان.
إن الطب البيطري هو أحد أهم المجالات الطبية المعروفة على مستوى العالم، وقد سبق الطب البشري في كثير من بلدان العالم المتقدمة، إلاّ أن جهل مجتمعاتنا بحقيقة هذا المجال الطبي وأهميته لبني البشر أدى إلى تجنّبه من قبل الكثيرين. يعد الطب البيطري أساس الطب بكل فروعه، لاسيما علم الأدوية واللقاحات وطرق العلاج والتجارب العلمية، حيث إنها تبدأ من الحيوان لتنتهي لصالح البشرية جمعاء.
وتشير المخطوطات والمستندات الطبية القديمة إلى أن المصريين والعراقيين والهنود هم أول من استخدم الطب البيطري. حيث يعود تاريخ الطب البيطري في مصر إلى عام 3000 قبل الميلاد، ووردت أجرة الطبيب البيطري والمسؤوليات الملقاة على عاتقه في قوانين “حمورابي” عام 2100 ق.م، كما تظهر أعمال فنية هندية قديمة صورًا لأشخاص يعتنون بصحة الحيوان. ثم تطور الطب البيطري سريعًا في العصور الوسطى والحديثة مع انتشار الأمراض كمرض الطاعون الذي نشأ من الفئران، وفي عام 1782م أنشأت أول مدرسة بيطرية في فرنسا، و تأسست الجمعية الطبية البيطرية في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1863م.
ماذا سيحدث للعالم لو تخلى عن الطب البيطري؟
مر على تاريخ البشرية العديد من الأمراض ذات منشأ حيواني انتقلت إلى الإنسان وادت الى حدوث كارثة في حق البشرية منها أيبولا، والجمرة الخبيثة، والطاعون الأسود أو الموت الأسود الذي اجتاح أنحاء أوروبا بين عامي 1347 و1352م وتسبب بموت ما لا يقل عن ثلث سكان القارة. واخر هذه الأوبئة هي جائحة كورونا في أواخر عام 2019م عندما ظهر في مدينة ووهان الصينية ثم انتشر الفايروس المسبب له الى العالم وأعلنت الدول العظمى حالة طوارئ وحجر عالمي في المنازل مسبباً كارثة عالمية حقيقية عجزت الصحة العالمية وكوادر الطب عن مواجهتها والقضاء عليها بشكل نهائي. فلو تخلّى العالم عن مجال الطب البيطري، لانتشرت الأوبئة والكوارث وبالتالي لا يستطيع العالم مواجهتها والسيطرة عليها الا وقد قدم خسائر كبيرة من أرواح بني البشر.