الصراط المستقيم- قيس الدباغ

 

الصراط المستقيم
قيس الدباغ
كنا مجموعة من الجنود الهاربين من أرض المعركة، وللعلم في كل معركة  كان الكل ينتظر النقطة الحرجة، هذه النقطة إذا لم يتم حسابها بدقة فالنتيجة  ستكون سيئة جدا، فعند التقدم الاولي الجارف لايتم أخذ أسرى بل تنظيف  ساحة الهجوم تماما، اما الأسرى فيتم اعتقالهم أخيرا، اي بعد وصول العدو للهدف واحتلاله كاملا، عندها يتم البحث واعتقال المتخلفين الذين قبعوا بالملاجئ أما بعد نفاذ عتادهم أو شعورهم بأنه لايمكن بأي حال من الأحوال إيقاف هذا الهجوم.

ولايتصور احدكم أن القتال في الصفوف الأمامية يتم بالبندقية الألية كلاشنكوف، القتال في الصف الامامي يتم بالرشاشات الرباعية والاحادية والثنائية مع سد ناري من المدفعية والهاونات ،فإذا تعطلت  الأسلحة الآنفة ذكرها وتم تحييدها وهذا ماتسعى اليه  القطاعات المهاجمة أولا  بكل السبل، اما الكلام عن شد السلاح الفردي باليد فهذا فقط في خيال شعراء الأغنية الحماسية، مانحن بهذا ولكن عند وصول الأمور إلى النقطة الحرجة يصبح شعار( ياروح مابعدك روح )  عندها يبدأ الدوران السريع للخلف والبحث عن اسلم الطرق للخروج من نار جهنم، فالأسر اتعس شيء يلاقيه المحارب، وخصوصا نحن لانقاتل في صفين إذ لسنا مقاتلين عقائدين بل مقاتلون بالإكراه، وعندها يتم التملص من الخط الأمامي الذي بدأت عليه علامات الانهيار ،ولكن المشكلة إلى أين؟ وبأي إتجاه، يتجمع الأفراد على شكل مجموعات لا تزيد عن ثلاثة مقاتلين، يضربون في الأرض لايعلمون إلى أين وصدق القائل( ماندري وين ننطي وجوهنا ) وتضيق الأرض بما رحبت، وبعد  ركض طويلا بطريقة الرؤوس المنخفضة لاترى فيها سوى موضع قدميك ، ويعد سويعات تصل المجموعات المتسربة إلى فضاء يخف فيه صوت الانفجارات ،يتجمع الأفراد على غير هدى ويبدأ النقاش إلى أين؟ وماهو الصراط المستقيم الذي ينجي من الموت المحقق،؟

كنا بين أمرين ادناهما الموت، فإما تموت مخذولا مهانا بيد فصائل الإعدام، او تؤسر بيد عدو لايعرف فيك إلة ولاذمة، وعندها يبرز القادة الذين يحلفون بأغلظ الإيمان بأنهم يعرفون طريق النجاة والخلاص،  وعلينا اتباعهم بلا مناقشة ولا إعتراض، هنا الاختيار الصعب و النقطة الحاسمة ،فهذه ليست لعبة دومينو ولا نرد هذه لعبة الموت والحياة  ،فيتوجه كل منا إلى مايعتقده بأنه المخلص والهادي، وكان معي جندي من أهالي الأهوار رغم تحصيله الدراسي المتواضع ولكني أثق به فهو بن المنطقة، فتركت المجاميع تتداول البحث عن الصراط المستقيم وسرت معه متوكلا على الله، وسرنا وأنا اشاهده في كل بقعة نمر بها يتفحص النباتات الطبيعية، وينبش الأرض بقدمه، وإذا ما مررنا بجدول ماء مد يده ليغرف غرفه يتذوقها ثم يمجها وأنا امشي خلفه، حتى بدأت امامنا نخلتان قد ازرى بهما الدهر، التفت الي متبسما قائلا حمدا لله عالسلامة، وصلنا الباقي عليك، وهو يعلم بأني خبير في ترتيب أمور الجنود المتسربين من مطاحن الموت، كذلك الحياة والطوائف والملل كل يدعي بأنه يعرف سر الطريق المستقيم، ولكن القليل فقط يعرفون الدرب المنير للخلاص ، رغم أن هيئتهم لاتوحي بذلك .

مشاركة