الشواكة – عصام مجيد العبيدي

الشواكة – عصام مجيد العبيدي

تُعد من محلات بغداد في جانب الكرخ، وتعد من اقدم المحلات التي لا زالت شاخصة، رغم تراكم الزمن السحيق عليها، واصبحت مثلها كمثل الخرائب التي لامسها الاهمال والنسيان المتعمد، او غير المتعمد، من كافة الحكومات السابقة واللاحقة، وجاءت تسميتها من كون ساكنيها السابقون مشهورين ببيع (الشوك)، الذي يأتي اليهم من منطقه كرادة مريم، والتي اشتهرت بزرعه هذه المادة، والتي كانت تستعمل بوضعها فوق الشبابيك الحديدية، على شكل اقفاص، وترش بالماء وكانت هذه الوسيلة الوحيدة في ذلك الزمن السحيق، لغرض ترطيب الجو في ايام الحر داخل البيوت، وذلك قبل اكتشاف (النفط) او بالأحرى الكهرباء.

اعمال ساكنيها:

يمتهن الكثير من اهالي الشواكة مهنة (صيد السمك النهري)، ومنهم من امتهن شراء الزوارق النهرية، اي الابلام، لغرض نقل الناس ما بين الجهتين من نهر دجلة، وكانت الاجرة التي يتقاضاها صاحب (البلم) اربعة فلوس، وكان هذا الواقع في عهد الدولة العثمانية، والتي كانت مهيمنة على مقدرات العراق بأكثر من 400عام، رافقها الثالوث (الجهل، المرض، الفقر).

وبعد اندحار الدولة العثمانية، وتفكك مستعمراتها، وكان ذلك في بداية سنه 1916 م، ودخول القوات البريطانية الى العراق، تم افتتاح  (جسر خشبي)، حيث اخذ الناس يتنقلون عليه من جانب الكرخ الى جانب الرصافة، بعد ان يدفع الاجرة الى ملتزم الجسر (القنطرجي)، وهي المجيدي نسبة للسلطان العثماني عبد المجيد اي ما يساوي 15 فلسا تقريباً، وحيث ان المقاول مسؤول عن سلامة الجسر، خوفاً من قطعه في ايام الشتاء، بعد ارتفاع الماء في نهر دجلة، وكثيراً ما كان هذا الجسر يكسر القيود وينساب مع تيار الماء الدافع، وهنا تقع الطامة الكبرى…!!!، حيث يجتمع اهالي المناطق الاخرى، ويكون التعاون بينهم على قدم وساق، والكل يتحزم جالباً معه الحبال والزناجيل لكي يربطوا الجسر الهارب واعادته الى مكانه، وعند اعادة ربطه تقرع (الطبول والدنابك) ويلعب الشباب (الجوبية) وتوزيع الحلويات، والمرطبات، والفواكه، وينشد بعض الاغاني تيمناً بهذه المناسبة المفرحة.

لقد استفدت من احد اخيار المنطقة، الذي عمره اكثر من70سنة، حيث قد تبرع بإيضاح بعض المعلومات التي كنت اجهل القسم منها، وكان يجيد الشعر (وله صوت رخيم)، وينشد ويتغنى بأقوال الشعراء، ومن ذلك في بداية حديثي معه قوله: (بكيت على الشباب بدمع عيني، ولم يفتيني البكاء ولا النحيب)، الى هذا الحد توقف ولم يذكر بقية الشعر (فأجبته فوراً)، بعد ان استعان بي لتكمله هذا البيت وقلت له: (الا ليت الشباب يعود يوماً، فاخبره بما صنع المشيب)، وكما قلت في هذه السطور عن هذا حيث رأيت في شخصيته الذكاء والتوقد والذهنية والسلمية رغم تأكل الزمن من عمره ولكونه (يؤمن بالحداثة)، وهنا اتوقف واردد مع نفسي واقول: (ان الاجيال يورث بعضها بعضاً، حكاية التاريخ وعصرنا المندثر).

وعلى ما اظن ان هذا الختيار (دعبول البلام) وحسب ما اعرف انه قد توفي خريف سنة 1971 م، وكان شخصية معروفة وكان من اصدقاء (الباشا نوري سعيد).

ولنا عودة اخرى الى الشواكة، حيث امتازت محلة الشواكة بأسواقها، فمنهم من يبيع السمك النهري الذي يصـــــــــطاده من نهر دجلة، ومحلات بيع الخضار، واللحوم، والاجبان ومشـــــــــتقاتها، ولا  يفوتني ان اذكر محلة (الشوكية) في كرادة مريم، والتي تنـــــــسب الى جدهم شوكت، حيث ليس لها علاقة ببــــــــيع الشوك حسب ظني ومعرفتي، واما حدود محلة الشواكة فهي تمتـــــــــد الى باب السيف وانتهاء بالكريمات، والباقي الى منطقة الصالحية تقريباً، وقد شيدت الحكومة البريطانية سفارتها في المنطقة المحصورة ما بين باب السيف والكريمات، ولازالت شاخصة الى يومنا هذا، وعندما استذكرها أتألم اشد الالم على الحال التي آلت اليها هذه المحـــــــلة الصابرة والمتوجة باهلها الكرام من اصحاب الغيرة والوجدان والكرم والشجاعة.

مشاركة