الشعب والبرلمان
النظام الجديد وغياب الهوية الوطنية
المشروع الامريكي الذي خطط له منذ زمن طويل تم تنفيذه بكل حذافيره بدأ بفرض الحصار الاقتصادي والسياسي على العراق لاضعافه ومن ثم احتلاله امام مرأى ومسمع دول وشعوب العالم ومنظماته الدولية بلا خجل او وجل ومن يدعي بأن امريكا جاءت لاسقاط النظام الديكتاتوري وتحرير العراق وتحقيق الحرية والديمقراطية والامن والسلام للشعب فهو اما عميل (مرتب) لهذه الغاية او منبوذ من الشعب ارتضى ان يجند نفسه مع الاحتلال نتيجة عقده النفسية او رجعي انتهازي نفعي طائفي لاصلة له بالوطنية ومن الغباء من يتصور ان امريكا التي انفقت الاموال الطائلة والخسائر البشرية الهائلة من عساكرها تخرج خالية اليدين ومما هو معلوم ان مشروعها لم يبدأ بالاحتلال العسكري لينتهي به وانما هناك خطط واجندة مرسومة للسيطرة على فصائل الشعب واقامة نظام جديد مبني على غياب الهوية الوطنية العراقية الجامعة لكل المكونات مما اثمر عنه مححاصة السلطة وفرقة الشعب وتم تعين سيء الصيت (بول بريمر) حاكما مدنيا لتنفيذ المخطط المرسوم للنظام الجديد فاتخذ قرارات توهم السواد العام بأنها اصلاحات اما باطنها فيحمل السوء كله فأصدر قرارات حل الجيش العراقي والقوات الامنية الاخرى وتشكيل مجلس الحكم لتكريس الفرقة وشطر الوقف الاسلامي الى شيعي وسني واصدار الدستور الاعرج الذي يدعو الى (الكيانات الفدرالية وجعل مناطق متنازع عليها) بين ابناء البلد الواحد والتمهيد لشرذمة ابناء الشعب وجعل اكثرية واقلية وغض النظر عن تملك الاسلحة والسماح للمتسللين دخول العراق وفسح المجال للشركات الامنية التي فعلت ما فعلت بحرية تامة تحت غطاء (الحمايات الامنية) كما شكلت فرق الموت التي زرعت (بذرة الاقتتال الطائفي) وسمحت للمليشيات الطائفية بالاندماج في الجيش الجديد والقوات المسلحة مما خلق جيش يفتقر الى ابسط المعايير في مجال(حقوق الانسان) بدءاً من عمليات الدهم العشوائي والقتل والتعذيب والاغتصاب والاذلال والسجون السرية والعلنية وعرض المواطنين في وسائل الاعلام المرئية فور اعتقالهم بشكل مهين وقبل ان يقول القضاء كلمته فيهم مما ولد عنه الخوف والنقمة وشق الصف الوطني واستعمال وسائل تعذيب تنفر منها الوحوش وامور كثيرة يعرفها القاصي والداني والعالم والجاهل ومما يتنافي والواجبات الاساسية للجيوش في العالم . ان البرلمان العراقي ومنذ نشأته ضم بين جناحيه كتلا استقطبت طوائف وقوميات معينه سيطرت على مقدرات البلد همها الاول ان تحقق اعلى قدر من الاستفادة المادية لها واتباعها خلاف لطموحات الشعب بعد ما عانى ما عانى من الحكم العسكري والشمولي . لقد اختار الغرب لشعوبنا العربية والاسلامية هذا الطريق بعد ما مر بهذه التجربة القاسية التي سيطرت فيها الكنيسة على مقدراته وفشلها في تحقيق اي مشروع للتقدم مما جعل مفكري تلك البلدان يسعون الى الغاء ذلك الدور ومن ثم نقل تلك التجربة المرة الى بلداننا لابقاءها تدور في حلقة مفرغة ان من يحكمون العراق لايمثلون في الحقيقة 25 بالمئة كأعلى نسبة سواء كانت كتلة التحالف الوطني او الكتلة العراقية او الكردستانية وغيرها ومن يدعي ان هؤلاء او اولئك قد حصلوا على اصوات الناخبين بالانتخابات فلا خلاف في ذلك ولكنه جرى في فترة الاستقطاب الطائفي والعنصري بعيدا عن الهوية الوطنية ان الهوية الطائفية والعنصرية معوق رئيسي في تشكيل دولة وطنية جامعة ان من خصائص التولتارية (الشمولية) او نظام المجتمع المغلق السعي الى قيام حزب شمولي واحد يتسلط فيه الحاكم على مقدرات البلد يقدم فيه دولة السلطة على سلطة الدولة والغاء الحدود الفاصلة بين الدولة والمجتمع والاعتماد كليا على اجهزة القمع والارهاب التي تفترس المجتمع وتلاحق الفرد وتفرض عليه حالة الخوف والجوع والاقصاء وتسخير كل مناحي الحياة والموارد المالية والفكرية للدولة لتنفيذ ذلك المشروع ورفض اي معارضة للحكم وهذا واقع الحال الذي نحن فيه وما الظواهر التعددية او الاعتراضية الا لتجميل صورة الواقع المر الذي تعيشه الجماهير من خلال الموت اليومي الذي اوجدوا له شماعة (بقايا البعث وفلول القاعدة) .
ان الاستمرار بقبول الامر الواقع سيجعل حالة التدرج نحو الحكم الديكتاتوري الاستبدادي الفردي والحزبي الشمولي سينتج عنه اضطهاد النسبة الكبرى من ابناء الوطن الواحد التي لاتقبل بغير المشروع الوطني الذي يرفض الفرقة والتمزق الوطني وما الاقتتال والاحتراب والفرقة الحاصلة في افغانستان والسودان والصومال وايران والعراق الا مثال على نتائج ذلك المنهج العقيم لذا فأن جماهيرنا الوطنية واحزابها السياسية ومنظماتها الوطنية والقيادات والنخب المتقدمة ان تعي المرحلة التي يمر بها الشعب وتناضل بكل صلابة وشجاعة من اجل ايصال ممثلي الشعب الحقيقيين الى البرلمان ومجالس المحافظات ويتطلب ذلك قيام النقابات والجمعيات المهنية بأعداد من تراهم مناسبين لتمثيلها من العمال والفلاحين والتجار والصناعيين والمعلمين والمهندسين والحقوقيين والاطباء والعلماء والاساتذة والاكاديميين وغيرهم ومنظمات النساء والشباب والفنانيين والادباء والاعلاميين اضافة الى ممثلي الاحزاب الوطنية والدينية وتهيئة الاجواء لذلك التوجه وندعو الكتاب والمفكرين ووسائل الاعلام الحر والمستقل للتبشير بهذه الدعوة وخلق الوعي الجماهيري لذلك ليكون التمثيل الحقيقي وليجتاز شعبنا محنته التي يمر بها والتخلص من اثار الاحتلال الامريكي والاحتواء الايراني واعادة الشعور والحماس الوطني للفرد العراقي الذي اصابه الاحباط والانكسار النفسي واليأس من اي مستقبل زاهر لهذا البلد .
خالد العاني – بغداد
/9/2012 Issue 4302 – Date 12 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4302 التاريخ 12»9»2012
AZPPPL