الشاعر سبتي الهيتي .. نهج الطريق الصعب والرحيل إلى دنيا الخلود

الشاعر سبتي الهيتي ..  نهج الطريق الصعب والرحيل إلى دنيا الخلود

عكاب سالم الطاهر

نعت الأساط الثقافية والأدبية والحقوقية، المناضل اليساري سبتي الهيتي، حيث إنتقل الى جوار ربه مطلع شهر أذار الجاري.

وحين مسكت القلم لأكتب عنه، توقفت عند التساؤل التالي: هل كان نصيبي أن أكتب عن رحيل هذا الصديق أو ذاك؟

كتبت عن رحيل: صاحب حسين السماوي، ونعيم الشطري وعزيز سباهي.. وغيرهم عديد. وعزائي القول: الحمدلله لا يحمد على مكروه سواه.

في مجلس الشعرباف تعارفنا…

حتى مطلع تسعينات القرن الماضي، لم التقِ التربوي اليساري سبتي الهيتي. فلسنا من مدينة واحدة، ولسنا من حقل دراسي واحد، وتوجهنا السياسي والفكري كان مختلفاً. كل تلك المؤشرات تفضي الى عدم التعارف عن قرب. ولكن مطلع التسعينات توفرت الفرصة لأن نلتقي. كان ذلك في مجلس الشعرباف/ بالكرادة خارج/ مقابل شركة الصناعات الجلدية. ومن الحضور في ذلك المجلس، كان التربوي الهيتاوي: يوسف نمر ذياب. كان إقتراب متبادل بيننا وافترقنا.

لقاء في دمشق..

ونهاية عام 2006  إلتقينا بدمشق. كنا مهاجرين، أو مهجرين. وفي لقاءأتنا بمقهى الكمال بدمشق تطرقنا الى الهم العراقي بعد أن أطبق الاحتلال على بلادنا منذ عام 2003. وفي أحد لقاءآتنا، أعلمني الصديق سبتي بأن مقالة لي قد نشرت في جريدة تشرين السورية يوم الخميس 28/12/2006  وكانت بعنوان: جدار بغداد والثغرة القاتلة. وأفادتني هذه المعلومة كثيراً. فبعدها أصبحت لي علاقة عمل مع الجريدة.

وفي اللقاء، كان سبتي الهيتي متبرماً جداً، من موقف صحيفة تصدر بدمشق، وصاحبها عراقي مهاجر. العراقي من خلال جريدته شن هجوماً عنيفاً على منهج الحزب الشيوعي العراقي في ظل الاحتلال الأجنبي. وسبتي الهيتي كشيوعي ملتزم، يرفض اتهامات الجريدة، ويدين موقف صاحبها.

وفي بغداد، إلتقينا مجدداً..

وعدنا الى بغداد. أنا عدت يوم 2/10/2009? وفي أجوائها الثقافية إلتقينا. وعندما عزم الباحث حميد المطبعي على إصدار الجزء الثاني من موسوعة أعلام وعلماء العراق إتصلت بالصديق سبتي الهيتي، ومنه استلمت سيرته الذاتية. وفي الصفحة 49 من الموسوعة نقرأ: سبتي جمعة ذياب سبتي الهيتي.

شاعر… ولد في هيت، حصل على البكالوريوس في القانون من الجامعة المستنصرية عام 1975. بدأ نشر نتاجه الشعري منذ عام 1960 في مختلف الصحف العراقية. صدر ديوانه الشعري الاول أوراق مسافر، وصدر له ديوان المراثي بعنوان: ذاكرة الخلود عن: دار آراس للنشر. وله عدة دواوين منها: مزامير ديموزا. شارك في النشاطات التشكيلية، وأقام معارض فنية، منها: مدينة في ذاكرة شاعر أقيم في أربيل 2010. وحصل على تكريمات عديدة.

و.. توثقت علاقاتنا

في مناخات بغداد الثقافية، توثقت علاقاتنا. كان الصديق سبتي يدعوني لحضور النشاطات الثقافية التي يقوم بها، خاصة معارضه التشكيلية.

 وكنت أحضر وأستمع وأتحدث وأكتب في الصحف عن معارضه الشخصية. أحاطني الهيتي وأحــــــطته بمـــــــشاعر أخوية متبادلة.وصدرت مذكراته تحت عنوان: الطريق الصعب. وأهداني نسخة منه. ودعاني لحضور أصبوحة نقاشية عقدت يوم 24/1/2015 في قاعة بيتنا الثقافي في مبنى الحزب الشيوعي العراقي.

كنت في مقدمة الحاضرين، وأول المتحدثين. كنت على المنصة وبجانبي مدير الاصبوحة الدكتور جواد الزيدي. تحدثت عن مذاكرته، وأفضت بالحديث عنه..

الطريق الصعب..

كتاب من 210 صفحات ، من القطع الكبير، ضمت سيرة المناضل الشيوعي الأديب الفنان سبتي الهيتي. ويعترف الصديق سبتي بما يلي: أستطيع القول، بعد عناء تجربة عمرها، اليوم، خمسون سنة بأن مدينة هيت هي التي دفعتني أن أكون شيوعياً. فالمدينة لم تكن بذلك المستوى الحضاري. ذلك أن 90  بالمئة من أهلها عند قيام ثورة 14 تموز، كانوا أميين يغلب عليهم الجهل المقترن بحسن النية.

ولكننا نقول للصديق الهيتي: أن معظم، اذا لم نقل جميع مدن العراق، كانت بمثل وضع مدينة هيت، إن لم نقل أسوأ، فهل عليها أن تتجه يساراً للتعبير عن خياراتها؟. ومع ذلك نحترم خيار الأديب اليساري سبتي الهيتي.

ذات الشريط الأحمر..

قرأت الكتاب ودونت ملاحظاتي عليه. ذكرتها في الأصبوحة، وكذلك سلمتها له، واستوقفتني في الصفحة 49  من الكتاب، المعلومة التالية:

عام 1965 كان المعلم سبتي الهيتي مبعداً ادارياً في مندلي. وذات مرة شاهد تجمعاً نسوياً في أحد شوارع المدينة. وركز الهيتي نظره على شابة جميلة، تضع شريطاً أحمر على رأسها. تعلق سبتي بها. وعندما عاد الى حيث يسكن، نظم قصيدة جاء في مطلعها:

..ذات الشريط الذي قد كان أحمره

 دمي وكل جراحاتي واسراري

لا تظلمي دمي المسفوح من رئتي

أنا الغريب الذي ضيعت أسفاري…

ويذكر الهيتي في كتابه ص 50 مايلي: كنت قد بدأت القصيدة بمطلع مثير، وهو:

 .. من اجل عينيك أفديه بأشعاري

 شريطك القرمزي الصارخ الناري

من أجل عينيك أفديه وأطعمه

 أحلى اللحون التي تزهو بقيثاري…

الرحيل الابدي

كنا نتواصل من خلال الهاتف، مع بعض اللقاءات في فترات متباعدة. وأخيراً جاء الخبر المحزن: رحيل الاديب الشيوعي سبتي الهيتي الى دنيا الآخرة. ولم يكن الامر مفاجئاً. كانت صحته معتلة بوضوح. ويبدو أنه يعرف بأن الزائر الأخير سيزوره ويصحبه في رحلة أبدية.

 رحمك الله أيها الصديق الشاعر، وألهم أهلك ومحبيك الصبر والسلوان.

مشاركة