الشاعر المغربي عبد الله بن ناجي لـ الزمان المؤسسات الثقافية المغربية بعيدة عن الإنصاف وسياسة الاعتراف

الشاعر المغربي عبد الله بن ناجي لـ الزمان المؤسسات الثقافية المغربية بعيدة عن الإنصاف وسياسة الاعتراف
حاوره عبدالحق بن رحمون
كشف لـ الزمان لشاعر المغربي عبد الله بن ناجي عن معاناته في الكتابة والنشر وأيضا عن احتكار المؤسسات الثقافية التي وصفها بتبنيها سياسة عدم الانصاف والاعتراف بالتجارب الشعرية الجديدة، كما سيتحدث عبدالله بن ناجي عن شعراء الظل الذين اختاروا الابتعاد عن ضجيج العالم.
حول ما يشغل جيل التسعينيات من الشعراء المغاربة، دار هذا الحوار، إلى جانب تفاصيل وخبايا أخرى تكتشفونها في سياق نص الحوار التالي
ما شعورك وإحساسك بفوزك بجائزة في الشعر نظمتها القناة الثانية؟
لا أخفيك، الفوز بجائزة القناة الثانية للإبداع الشعري في دورتها السابعة، أصابني بالدهشة أول الأمر، بالنظر إلى كثرة الخيبات التي مضت، والناتجة عن غياب الثقة في مصداقية مثلِ هذه الرهانات من جهة، واتساع الشرخ بين المؤسسات الثقافية والإعلامية وبين المبدع من جهة أخرى؛ ولي أن أهمس في أذن القارئ الكريم بأن هذا الديوانَ المتوجَ نفسَه، دون أدنى تغيير في ملامحه أو نصوصه، قد سقط قبل سنوات من أجندة وزارة الثقافة المغربية، حين تقدمت بطلب نشره ضمن سلسلة الكتاب الأول. وبالصدد أطرح سؤالا بريئا هل سقط سهوا أم جهلا أم نكاية بي وبمن هم في العمق على شاكلتي.. شعراء ظل. لذلك شكل هذا التتويج باعثا على الاعتزاز. ومن هنا تأتي مشروعية الحديث عن سيرورة الإنصاف في هذه الجائزة، حيث تبين لي كما تبين للمشاهد المتتبع أن اللجنة المشرفة كانت موفقة في اختياراتها، في الإبداع الشعري تحديدا.
العصيان المستمر
ما الذي يشغلك في القصيدة؟
– عوالمها البعيدة العصية عن الدفع، أريج الكلمة يتعالق بالكلمات وفق إيقاعين يخرج منهما الصوت صورة للمعنى. إن النص الأدبي في العمق يقدم الاحتمال، وليس جوابا لواقع سابق في وجوده عن النص؛ فالكتابة في أبعادها المنفلتة، وعصيانها المستمر الذي أفشل كل المقولات النقدية، هي أرض مغامرة ممكنة، وما يؤرقني تحديدا، في أرض المغامرة هذه، هو إيقاعات القصيدة وتشكيلاتها، إذ في تقديري يتعلق الإبداع بالإخراج؛ كن مخرجا جيدا تكتب قصيدة شعرية متميزة ومتفردة. إن المعاني والصورَ حاصلةٌ في النفس، التعبير عنها بصيغ قول تختلف عن صيغ قول الآخرين هو ما ينبغي أن تُشد إليه رحال هموم الشعراء. الشعر كشف عن البدهي المتواري خلف عتمات الاستهلاك والسطحية والابتذال في الحياة. لذلك يمكنني القول إن ما يشغلني في القصيدة هو الشعر ذاته أيها الصاحب.
سياسة الاعتراف
هل أنصفتك الساحة الثقافية وقدمتك على طبق من ذهب؟
x x عن أي طبق وأي ذهب تتحدث أيها الصاحب، إن مشهدنا الثقافي برمته بعيد عن هذا الذي تقول، ربما بعد أن ألتحق بزرقة الموت، يمكن لرِجْلَي أن تطولا.. ثم من تقصد في الساحة الثقافية مؤسساتها أم نقادها ومبدعيها. إن المؤسسات الثقافية المغربية بعيدة كل البعد عن الإنصاف، حيث تغيب سياسة الاعتراف، وثقافة التثمين والتشجيع على الإبداع. وهي ذاتها تفتقر إلى الإبداعية تنظيما ورؤية، كما أن الفساد ينخر عباب وأركان سفائنها، حيث تسود الإخوانيات والتوصيات والتزكيات والإملاءات.. والدفع عموما، هذا الدفع هو ما خلف شرخا عميقا بين مواقع خرائطنا الأدبية في هذه الساحة التي نتحدث عنها. فكيف تنتظر، والحالة هذه، إنصافا. في المقابل لا أملك إلا أن أثمن علاقات إبداعية مع شعراء وكتاب هذا الوطن، نُسِجت خيوطُها عبر تاريخ طويل من المكابدات.
العزوف عن النشر
أحيانا قد تغيب كثيرا عن نشر قصائدك، ما السبب في ذلك بالمقارنة مع فترة التسعينيات حيث كنت غزير الكتابة والانتاج؟
x x الكتابة عندي لم يخفت وهجها قط أيها الصاحب، حيث ما ثبت أن مر يوم لم أحمل فيه يراعا؛ النشر، في المقابل، نعم. أقر أن كتاباتي أصبحت غالبا ما تتوارى عن الأنظار. والفاعل في ذلك عوامل عدة أولها قناعات تولدت تفيد في مجملها أن النشر سواء تقدم أو تأخر لن يشفع لنص رديء؛ وثانيها غياب الإبداعية عن جل ما ينشر اليوم، حيث الابتذال واللاشعر، وهو أمر يستدعي العزوف عن نشر جديد القصائد في بعض الملاحق والصفحات الإبداعية الوطنية، إذ حين ثؤثت قصائدك فضاء تمنح من حيث لا تدري شرعية لكل من يشاركك فيه؛ وثالثها غياب مواكبة نقدية جادة لما يكتب في هذه الملاحق والصفحات، إذ لا جدوى من النشر فقط من أجل النشر؛ ورابعها مشاريع البحث العلمي التي رافقت دراساتي العليا في اللسانيات وتحليل الخطاب… وغير هذا وذاك التزامات أسرية تبتلع جهدا جهيدا، والتي كانت، في تقديري، وراء تساقط العديد من الأقلام.
رؤية الكتابة
كيف تنظر لتجربة مجايليك من شعراء جيل التسعينيات؟
x x بنوع من الاعتزاز، وبنوع من التقدير أيضا. إن الأسماء التي تقاسمتُ وإياها ألق القصيدة العربية ورونقها كانت ولازالت كتاباتُها جديرةً بالاحترام حريةً بأكثر من وقفة إصغاء وتأمل. هو جيل من الشعراء اكتوت أفئدتهم بهسيس الحساسية الشعرية الجديدة آنذاك، وجلهم كان يحمل تصورا ورؤية في الكتابة؛ قصائدهم صادقة ومفعمة بالحياة، وعلى قدر كبير من الوعي الإبداعي بشروط الكتابة الشعرية؛ غير أنهم، في المقابل، كانوا أقل حظا من شعراء جيل السبعينيات، بفعل انحسار الشرط الثقافي، ونكوص درجة الإحساس بالجمال. إنهم واجهوا، ولا يزالون يواجهون موجة من السطحية والابتذال، وتغيرات في البنية الذهنية للإنسان المغربي في اتجاه منظومة قيم فاسدة، يشد بعضها بعضا، الفاعل فيها مبدأ الاستهلاك المجاني، ولا غرو. إن بعض هؤلاء السبعينيين هم من جنى على مشهدنا الثقافي حين غيروا جلودهم وقلبوا معاطفهم، وهرولوا إلى رؤوس الموائد تباعا، بدعوى أنهم تعبوا، أو بدعوى الحداثة نفسها، فلا غرو تنسكب الجموع على الجموع. نحن أبناء الأمس، ولا يمكن بأي حال أن نكون أبناء اليوم. وأعتقدك أدرى بهم مني.. ثم هل لي أن أذكرك، أيها الصاحب، بما كان مني ومنك ومن شعرائنا في منابرنا الورقية، وملتقياتنا الوطنية.. أدب حقيقي ولد في حضن رمق أخير. شكرا لسؤالك الذي أيقظ الذاكرة واستحضر الذكرى.
علة وجود
هل سبق وندمت لكونك شاعرا؟
x x قطعا لا، كيف لي أن أندم على معانقة نسائم الصباحات الباردة على جبال الأطلس أو الريف، على الالتفاف حول عطر وردة تزين أفق الحياة. الشعر أيها الصاحب بالنسبة لي علة وجود، بل على العكس تماما من سؤالك، أرفع شكرا جزيلا للشعر لأنه سمح لي بالتجول في مساحاته؛ إنه المعنى… ما ندمت، ولن أندم على الانتماء لسيد القول في فن الكلام، انتمائي حقيقي لا مراء فيه، ولا مجال فيه للتراجع.
التأصيل المعرفي
ما الذي يشغلك بعد حصولك على الجائزة؟
x x بموازاة مع السعي لإتمام دراساتي العليا، أشتغل على العديد من المشاريع الإبداعية، بعضها أضحى جاهزا، من ذلك مجموعتان شعريتان ‘صيف متعمد ، و’كأني به التيه ، ورواية ‘الأطلس المتوسط ، ثم ‘مسافات الاشتهاء في اتجاه النص الأدبي ، وهي كلها أعمال مخطوطة؛ ومنها ما هو في طور الإعداد، وسيظل كذلك أمدا طويلا بفعل طبيعته، كالرسائل المتأخرة التي لازلت أعد منها دفعة ثانية. أيضا، أبحاثي العلمية لا تخرج عن هذا الإطار، حيث أشتغل على مجموعة من الحوارات الجامعية تهم فروعا علمية مدارها اللغة والأدب؛ وأستثمر في الآن ذاته ما استجد من معارفي في اللسانيات للإجابة على العديد من الأسئلة التي تفرض نفسها على القصيدة العربية، والنص الأدبي إجمالا، من خلال مقالات علمية أنحو في إعدادها إلى التأصيل المعرفي والضبط المنهجي. وإذا سمح لي سياق هذا الحوار بالاعتراف فإنني لن أتوانى عن القول بأنني سأخرج على العالم يوما عاريا إلا من حروف.
القيمة الثابتة
بعض الشعراء ودعوا البوهيمية والبعض الأخر لازال يتدحرج في ملاعبها الواسعة هل بالوهيمية يمكن أن يستمر الشاعر في الكتابة وتطوير تجربته؟
x x سياق الحياة اليوم يختلف عن سياقات الأمس، صعب أن تعيش كما تشتهي. وإذا كان التحول هو القيمة الثابتة في الكتابة وفي أنماط الحياة، يمكن للبوهيمية أن تتلبس، بدورها، بلبوسات غير التي كانت عليها. بمعنى أن إهمال الذات والمحيط حد الانغلاق قد لا يكون من الكتابة الشعرية في شيء، في المقابل يبقى الاختلاف في السلوك اليومي مطلبا أساسا تجسده تمظهرات الشاعر في الزمان والمكان أولا، وفي إخراجات القصيدة ثانيا؛ وفي تقديري، إن الإصرار على مواصلة الكتابة، في زمن اللاشعر، هو أقصى البوهيمية. لكل منا طقوسه.. وإذا كان الإصغاء إلى الذات، بعيدا عن ضجيج العالم، جزءا من هذا المعنى، يمكنني القول نعم، ما زال للبوهيمية حضور، غير أنها؛ حتما تختلف عن بوهيمية هنري موجيه وفكتور هوجو وسوهو وشوابينج ومحمد شكري…
مختبر النقد
ما نصيب تجربتك في النقد وهل أنصف منجزك الابداعي؟
x x بخلاف المُنجز الحواري الذي كان الصيغة الأثيرة للتواصل بيني وبين العديد من النقاد والشعراء، يبقى حظ كتاباتي في مختبر النقد ضئيلا؛ وللأمر، في اعتقادي، مايبرره، حيث لم أكن أملك، قبل الآن، ديوانا مجموع الشمل صادرا منشورا، وقراءة القصائد المنفردة عمل لم يعد يستهوي نقاد الشعر، كما أن وثيرة المواكبة النقدية، إجمالا، تراجعت بشكل لافت إلا من قراءات عاشقة لا تعدو أن تكون مجاملات بائسة أو إخبارا بصدور ديوان ما؛ غير أنني أستحضر، للأمانة، قراءة نقدية لمجموعة من قصائدي أعدها الناقد الشاب الراحل أسراك الشرقي لجريدة الميثاق الوطني ذات تشرين الثاني نوفمبر عام 1998، وبعض البحوث التي أعدها طلبة كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال حول تجربتي الشعرية، كما أن مقتطفات من كتاباتي سافرت شواهدَ في كتابات أخرى، وهو الأمر الذي يدعو للاعتزاز.
AZP09