الشاعرة السورية المغتربة نضال سواس : أخاطب بالقصيدة حلمي وأملي وذاكرتي
عادل الميالي
نضال سواس شاعرة سورية مغتربة تقيم في السويد , تميزت بمواهبها المتعددة فهي فنانة تشكيلية وناقدة وكاتبة مسرحية .
امتازت الشاعرة برهافة الحس وبراعة المفردة وجمالية المعنى عبر الصور الشعرية المؤثرة , حتى كأن قصيدتها لوحة فنية , إذ تكتب بعفوية وبإحساس أنثوي عذب , وبعيدا عن التكلف والتصنع , بل تسكب مشاعرها الإنسانية الفياضة لتصل للمتلقي عبر تفاعلها مع الواقع .
تأخذنا الشاعرة سواس عبر لغة قصائدها إلى عوالم من الدهشة والانبهار والخلق , فهي متمكنة من أدواتها حيث برعت في توظيف اللغة وانتقاء المفردات لتحقيق صياغات شعرية تسمو بنصها إلى فضاءات مؤثثة بروح الشاعرة .
تسعى الشاعرة نضال سواس من خلال قصائدها إلى ترسيخ قيم الجمال والحرية والحب والخي والعدالة , إذ كتبت عن الذات والفكر والانسان والوطن والغربة , عبر قصائد تصب في بحر البوح الشعري الصادق .
صدر للشاعرة عدة دواوين شعرية منها (نيرونا) و (نساء من رمال) و(قصائد للوطن) .
في هذه المساحة نتعرف على رؤى الشاعرة الفنية والجمالية والشعرية , عبر هذا الحوار :
{ كيف نطقت بالشعر ؟
– ما كنت أنا التي نطقت به .. بل هو من باح بي .. مر بي كشعاع من نور يحضن ما يمر عليه فيأخذه بإحتواء غامر بالجمال .. قد أغدق علي بحنو وأنا تلك الشاردة دوما بفضاءات المدى , أضفر خيوط النور والظلال وأرميها شباكا لنجوم وأقمار .. اقتطفني الشعر من حيث أنا وجال بي حاضنا إياي بجناحه أتحرك معه في أثيره كومضة حينا أتمايل مع موسيقى الحياة طربا وشغفا , فأهمس حبا وروحا وكلمة .
طقوس الكتابة
{ كيف تولد القصائد في وجدانك , وأي طقوس للحظة البوح بها ؟
– هي تلك اللحظة التي تسحبني من ذاتي إلى أعمق أعماقها .. إنخطاف أو إستغراق كلي ما بين التواجد والانفلات بعيدا , كما التسرب ببطء لذيذ للعودة إلى رحم الوجود والدوران بعكس تيارات إيقاع الحياة كقوة نابذة مشاغبة , ربما أبتعد بذاتي وروحي ترصد لما هو قائم من حدث يلسعني بألم أو يزهرني بفرح .. أنطلق فاردة ذراتي ناثرة إياها في الأبعد .. ذاك الأبعد غير المدرك إلا لذاتي بأسراره وخفاياه , ألوح له بهمسي أني ها أنا ذا قادمة .. أنطلق معها.. مع قصيدتي …هي التي ترتلني .. أشعر بها تهويدتي الحانية ترأف بي عما يعتمل بداخلي .. فتأخذ بسحبه رويدا رويدا وتطلقه فجأة كما وذاك الشهاب الذي تراه ومض لمرة ساحباً معه أنفاسك .. تشعلني .. وترميني .. كما نجمة تتفجر في فضاء عابث بقهقهاته أو بشجون نور بعيد يحمل به أصواتهم في ذاك المدى .. أصوات من تألموا .. حتى غادروا بعيدا .. أو أصوات المسحوقين بأنين صمتهم فتمر عليهم نجمتي وتهمس لهم ..هي أنا .. المهم أن القصيدة هي تفاعل كامل مع المشحون المتواجد أو مع الحدث .
{ من تخاطبين في قصائدك المتوهجة المــتوالدة ذاتيا؟
– أخاطب ذاتي .. أخاطب حلمي وأملي وذاكرتي .. أخاطب مرافئا خلتها يوما لي وانسلخت بعيدا حتى عن إستطالة حلمي لتداركها والإمساك بها .. أراها وقد علت بعيدا بعيد وارتفعت بكل غرابتها لتصبح أجزاءا من مدن وجزر وقد حملت معها كل ما أحاط بها من مياه وسماء وغيوم بل وحتى أمطار .. تلك التي تسربت مني ، تلك التي فقدتها ذات يوم ، حتى بت أتساءل إن كنت قد امتلكتها يوما أو أن هذا ما خلته .. أخاطب مستحيلا .. في بعد ما من ذاك اللامرئي .. الذي لا تراه سوى روحي أنا
.. أخاطب من يصل إليه نداء الروح وصرختها أو همسها .. أو أخاطب عالما لا يراه أحد سواي .. عالما له خصوصية الدهشة والفنتازيا .. عالما استدعيه إلي ليحتويني بدفئه بحال إرتجافي .. عالما يرتشف روحي على جرعات .. ليدمنها وتدمنه .. عالما له خصوصية غريبة ترضي نزعتي للإنغماس في اللامرئي حتى الإنصهار في بوتقة التلاشي لأعود للتشكل من جديد .
{ ماهو حلم القصيدة عندك ؟
– الجنة المفقودة ربما ؟ ..الحلم الضائع الذي من الممكن أن ترى ما يعبر عنه .. في كلمة أو صورة أو معنى .. ?أحلم بأن تكون انسكابا للفرح في أرواح تتعطش له ولا تجده .. أحلم بأن تكون ابتسامة في عيون من يقرأها وزفرة ارتياح بقصائدي الوطنية لمن يتوق إلى أن يصرخ أحدهم بما يريد هو أن يقوله .. أريدها أن تكون صوت الإنسان .. لا حشرجته وهو مغلوب على أمره .. أتمنى أن يكون بها صوت شعب وهتافاته .. حلم إنسان وحبه وعشقه .
ولادة القصيدة
{ هل الشعر لحظة وثوب ورغبة في خلق الولادة الروحية والجسدية ؟
– هو فعلا لحظة وثوب .. هو انبثاق وانطلاق وتفجر .. هو كل ما يعنيه الإنعتاق والتحرر من كل رابط في الزمان والمكان , والتحليق بأبعد ما يمكن في فضاءات تتيح للحياة أن تتجلى بعدة صور .. قد أكون قد توحدت .
{ أي توازن تحدثه القصيدة بينك وبين العالم ؟
– ربما تدعيما للمناعة الروحية , لتحمل تلك الخيوط التي تمتد كشباك شوكية تخرش حتى ما تبقى بنا هشاشة ما عدنا قادرين بها وحدها على تحمل عبء وجود قاتم , ?القصيدة هي شمس روحي .. تضيء لي طريقي , فأسير بثبات إن استطعت بها أن أنصف أو أعدل أو أصرخ أو أساند من يحتاجني ليقوى ولأكون صوته .. هي غمامتي الرقيقة التي ألتف بها , برطوبتها العذبة أتدثر بها وأحملها معي كزوادة من مطر يشبع عطشي إلى الحب والحنان .
الشعر والحياة
{ الشعر حياة .. والحياة شعر , أيهما الأقرب إليك ؟
– الشعر حياة .. نعم هو عالمي الداخلي الذي أعيشه به , روحي ويقظتي وحلمي .. وهل الحياة إلا الذات بما تعيشه ؟ الروح هي ناقوس الحياة إن توقفت عن الشعور غابت الحياة .. أنا النواة بشعري .. ومعه أزهر للحياة وأتجذر إمتدادا لعمق الأرض والوطن ومن أحبهم .. هو رديف الحياة التي أراها متداخلة معه كما القشرة الصعبة الإنتزاع .. فاكهة الحياة للروح , أظنهما بداخلي متعايشان كتوأم سيامي صعب الإنفصال .. ربما ما زالا قابعين بدفئي .. لا أعلم إن كنت قد انطلقت بكاملي معه ؟ الولادة عسيرة .. وأليمة ربما .. صرخات كثيرة مازالت ستسمع وسأعانيها ليخرج للنور ما أريده .. الحياة جميلة كترنيمة شعر وتهويدة لطفل وشجن موسيقى لحزن . إنسان قابع في شرنقة الألم والظلم …الحياة هي الشعر الذي يحكي ….ويلمس أطراف قلوبنا برقة .
{ كيف يتجلى الحب في قصائدك ؟
– لا أعلم كيف يراوغني هذا الشغب .. يغافلني يقفز بين السطور يتنشق عبق القصيدة , ويأخذ بعناق كل حرف هامسا لحرف وساحبا معه بآخر, ناشرا من أبجديتي حبالا من ريش أبيض على كل رأس منها حرف يعانق الآخر بتوال حبات سبحة لها رنين تسبيح يطال السماء .. الحب عندي نقي عذب له جمال الصفاء , أراه بقصيدة حب أم لطفلها أو تنهيدة خجلى لعاشقة هناك , دائما هذا الهمس الذي يترافق كموسيقى الروح يتناغم مع اللحظة والطبيعة والوجدان .. هناك العتاب الجميل والكبرياء والأرق والحزن والكثير من الفرح .. هو هذا التحليق بالذات إلى ما هو أبعد من الممكن , إلى عوالم تداعب المشاعر بخفر وأحيانا بدهاء محبب , ?والحب ليس فقط لإنسان , فكثير من قصائدي لها ذاك الطابع الصوفي أو قصائد بحب الوطن والإنسان .{ دفقة الوجدان المسروقة .. كيف تكتبيها .. تحتويك أولا أم تحتويها ؟ الشعر
– الصدق مع الذات هو الإحتواء الكامل للحقيقة .. الوجدان .. حقيقة الضمير .. حقيقة.. دفقة .. تقول أنت أنها دفقة .. هذا يعني إنها نابعة من عمق الذات .. ما معنى الدفقة ؟ الدفق .. يعني أنها هذا التصدير من الداخل إلى الخارج بلحظة ما .. لحظة ماكرة .. تغافل الزمن .. تهرب بشقاوة إلى الحياة هذا .. يعني أنها كانت كامنة بداخلي .. والكمون .. احتواء .. لنعد إلى الأصل .. أصل المعنى .. أحتويها بما كان بها من كمون بداخلي .. كمون يعلن الإنعتاق .. هذا الإنعتاق الجميل .. أحبه .. يحررني أكثر فأصبح أكثر خفة من ريشة بيضاء .. فأحلق .. لكن ؟!! لكنه يعود ويحتويني من جديد .. هي شراكة جميلة لا فكاك منها .. وأنا سعيدة بها .
قدر الكتابة
{ هل الكتابة قدر يتملكنا أم نتملكه ؟
– الكتابة .. قدر يتملكنا .. بالنسبة لي لا استطيع منها فكاكا .. تطالبني بالعطاء .. لكن أتملكها فقط حين أوجهها أنا ببحث أقوم به بقرار مني .. ككتاب أعمل على تأليفه .. هنا تصبح الإرادة هي الموجه الأول مع الضابط الزمني والفكري .. لا تبقى الأمور فقط عائدة لما تمليه الروح .. السيادة تصبح للعقل بما أكتبه من رؤى فلسفية أو بحوث متعلقة بواقع فكري أو سياسي مثلا .
مخاض الكتابة
{ النص الجميل هو النص الذي تستعصي كتابته لأن مخاضه مؤجل إلى زمن ما , فما قولك؟
-النص الجميل هو الذي تستعصي ولادته ومخاضه إلى ما بعد … ربما فعلا هذا صحيحا .. لمن يريد الإقتراب من الكمال ولحدود الجودة العليا في إنتاجه الفكري , طبعا وبلا شك أن بعض الأعمال التي تكون في البدايات أيضا قد تكون أجمل من غيرها , هذا يعود إلى نوعية النص والحالة والظرف الذي يقدم به , لا ننسى أن للعامل الزمني وموائمته مع الحال السائد في حينه قد يخلق هذا الهارموني ما بين الحقبة وتبعاتها من مشاهد ثقافية إجتماعية تكون كسطح ملائم لبث ترددات مقبولة بحينها .. فيكون النص قد خدم بسبب ظرف وجوده , فيعتبر برأي المتلقي بأنه الاجمل والأنسب .. يعني بما معناه أحيانا أجد أن بعض النصوص تكون كما الصياد الذي يعلم متى يلقي بصنارته فتحظى بصيد الإعجاب والقبول .
{ ترسمين وتكتبين في المسرح والنقد والفن والشعر, ألم تحددي مرفأ يكون الإنطلاق منه في أسفار البر ؟
– أعشق المسرح …اجد به ساحتي الحقيقية ….أجد به عالمي ومرفأي أجد به كل ما يرضي روحي إذ استطيع أن اجمع به ما بفني من خيال وفانتازيا وما بثقافتي وتطلعاتي لإغناء الفكر بشكل فاعل ومباشر مع الآخرين …المسرح عالم كامل وجامع به ما أريد قوله في مقال أو شعر أو خطابة أو رواية , لذا يبقى المسرح عشقي الأبدي .
قصيدة الشاعرة
{ الحب .. الوطن .. الغربة , كيف تتجلى هذه المفردات في قصائدك ؟
– الحب ؟ يتجلى بعمق .. نقاء .. واصطفاء , أعتمد على افتراض حالة وجدانية معينة بافتراضات لحالات إنسانية معينة يعيشها العاشق , قد أكتب قصيدة بلسان أنثى تعيش الحب بعذوبة الأحاسيس الأولى أو بلسان مراهقة ضمن حوارية وجدانية رقيقة , أو ربما أجسده بحال المرأة الغضبى الثائرة على عذابها أو ألمها , وأحيانا عتب شجي وعميق , أو تمرد أنثى وكبرياءها وعنفوانها ممكن أن يكون فيه ضعف وهشاشة واستكانة أو حتى إغواء ومكر .. فالحب عالم فاتن وعذب ونقي .. هكذا أراه . الغربة ؟ الغربة .. ألمي وصرخة روحي وشوقي لشرفات بلادي وأراجيح الطفولة وضحكات الصبية واليمام على نوافذ مهجورة .. هي شالي الذي نسيته على مقعد في شرفة بيتي وحنيني إلى حلوى بلون ازرق لها نكهة اللوز والسكر .. هي أحجار مدينتي البيضاء الشهباء .. هي الإفتقاد .. هي جفاف المسام العطشة للإرتواء من مطر يهطل على أرضي هناك .. هي شوقي وأنا مغمضة عيني وأنا ابحث عن خصوصية رائحة أرض بلادي بعد سقوط المطر .. غربتي هي الأسى والألم والدمع والغصة .. هي الوحدة وافتقادي لذاتي …في الغربة فقط أدركت أن الذات هي الوطن الوطن ؟
{ الحرب والغربة .. هل أثرت في منجزك الشعري ؟
– الحرب والغربة أثرتا منجزي الشعري …فملت إلى القصيدة القومية والقصيدة الوطنية .. سنون الحرب والغربة علمتني أن أعيش الأهم .. وهو الإحساس بالوطن والإحساس بالإنسان بأبناء شعبي .. بمعاناتنا القهرية .. وبتشرذمنا البائس فكما أقولها دائما بألم .. أصبحنا غجر القرن الواحد والعشرين .. نوارس تنهشها غربان ونسور .. أصبحنا هشاشة راية كانت بيضاء .. أدمنوا على التلاعب بها حتى باتت مجرد مزق .. ما عدت ترى منها حتى ذراتها .. كان لابد أن استجمع هذه الراية بداخلي , لا بد أن أفردها مجمعة وكاملها بشكل خريطة وطن .. كما يجب أن يكون الوطن لا كما أرادوه وكما مزقوه .. كان لابد أن أطالب كما لكل فرد أن يطالب بصرخة واحدة .. أوقفوها .. حربكم القذرة اوقفوها .. كفانا تشرذما وتغربا ودمارا.