الشاعرة الإيرانية سودابه أميني تتحدث لـ»الزمان« عن الحداثة في الشعر المعاصر
لايمكن للعالم أن يمضي من دون القصيدة
حوار ــ خالد ايما
كيف لنا أن نشم الشعر ورائحته في ثريات الشاعرة الإيرانية ” سودابه اميني” المعطرة بأريج اللغة المغامرة… اللغة التي دائما ما تسبح في فضاءات مضيئة بجمال الحياة حيث الرؤيا والقدرة علي الانتقال بالفعل الإنساني إلي جوهر الشعر هو من يسحرنا ويشدنا إلي ان نكون بأجسادنا الدافئة سعداء.. كسعادة الشاعر الإيراني “جلالي”الذي يقول “يا لها من سعادة /عندما تهطل الثلوج/ندرك إن/أجساد الطيور دافئة “بهذه السعادة، وهذا الدفء،وهذا التواضع أمام جمال الحياة، و “سودابه” من مواليد 1963 طهران صدر لها الي الآن تسع مجاميع شعرية معظم قصائدها ذات أطار تقليدي »كلاسيكي« ولغة مغامرة تسبح في فضاءات مضببة بالأساطير :
“تفاحة القلب، الصمت والجراح، الزمهرير، ليلي وألف امرأة، فضاء بلا عنوان، من الشعر العربي المعاصر، القيامة الحمراء، مذاق الجنة، ”
û هل تحدثنا عن الشعر الإيراني الحديث.؟
ــ الشعر في إيران بعد »نيما يوشيج«، المعروف بريادته للشعر الحديث في إيران علي اثر التحولات السياسية، والاجتماعية..هذا التحول كان تحولاً للشكل والمضامين الجديدة بعد ان كانت القصيدة الإيرانية مشدودة إلي أوتاد الماضي »الكلاسيكي« الذي هو عبارة عن أوزان، وقوافي، ومضامين قد توقف عندها الشعراء الكبار، ولكن بعد»نيما يوشيج« تحول الشعر الإيراني إلي مضمون جديد، وشعر جديد، وتخلص من الأنماط القديمة،وأصبح الشعراء بعد »نيما يوشيج« مثل “احمد شاملو”، ومحمد آزاد،وبعض الشاعرات لهم تأثير واضح في الشعر الإيراني الحديث، وبناءاً علي ذلك صدرت مجاميع شعرية كثيرة للشاعرات الإيرانيات، وللشعر الإيراني بشكل عام يتناسب مع هذا التحول الجديد.. الآن نحن نعيش عصر حداثة الشعر في المضمون والشكل كأي دولة تتأثر وتتلاقح ثقافتها مع الثقافات الأخري، والواقع كان تأثير »النيمائية« علي بقية الشعراء واضحاً في الأشكال والأنماط والرؤي، ويعتبر “احمد شاملو” من ابرز الشعراء الإيرانيين الذي جاء بعد “نيما يوشيج”
û ماذا عن تجربتك الشعرية؟
ـــ عندما أتحدث عن تجربتي الشعرية لابد من ذكر السنوات التي كتبتُ من خلالها مجاميعي الشعرية.معظم مضامين أشعاري كانت في الغزل والفلسفة، وفيها منظور اجتماعي شائك،وكنت استفيد من المنجز الشعري الإيراني القديم والمشتركات الموجودة بين العراق وإيران،إضافة إلي الرموز الدينية الموجودة في النجف، كنت أتمني ان أكون حاضرة في ملتقي عالم الشعر الأول،والأنشطة الثقافية التي أقامتها النجف، وذلك لإثراء تجربتي الشعرية واغناءها بالمضامين الشعرية، وسأقوم في المستقبل بالتواصل مع كل المثقفين العراقيين انطلاقاً من إيماني بأن الثقافة هي ثقافة إنسانية قبل كل شيء، وأود ان أوضح بعض الشيء فقد حصلت علي جوائز معروفة منها جائزة “بروين اعتصامي”عام 2002،وجوائز أخري في مهرجانات أخري، وقد صدر لي أيضا كتاب نقدي انطباعي حول »الشعر الإيراني المعاصر«، ودراسة نقدية حول »ما تركه الشعراء الإيرانيون المعاصرون في الساحة الأدبية الثقافية«، ومعظم هذه الدراسات تتناول »الشعر الحديث«، وتعتمد التحديث في الشعر، وعلي موجة الحداثة الشعرية التي أصبحت نمطاً إبداعيا في الشعر الإيراني. ـ
ûهل لديكم تصورات جديدة ومؤثرة إزاء الشعر العراقي، وماهي ابرز الأسماء الشعرية العراقية من وجهة نظركم ؟
ــ لدي معرفة كاملة بالشعر العراقي وبأسماء شعرية لها حضور دائم في المشهد الشعري العراقي، هناك تجربة شعرية عراقية للشاعر “فوزي كريم، ومحمد مظلوم، وعبد الكاظم العبادي،.. بالإضافة إلي الشاعر الكبير “الجواهري “، وقبل هذه الأسماء اعرف “نازك الملائكة”، وشعراء عرب أمثال “نزار القباني، ومحمود درويش” كنت أتمني ان تصل بعض التجارب الشعرية العراقية إلي إيران كتجربة الشاعر “فارس حرام”،وأحمد العلياوي،،.. وبعض الشعراء الآخرين التي لم تتح الفرصة للاطلاع عليهم لحد الآن، وعندما أعود إلي إيران سأقوم بتعريف هذه التجارب »الإبداعية« وفاءاً لإبداعهم، كذلك تعرفت علي بعض النقاد العراقيين من خلال هذه الزيارة مثل الدكتور “باقر الكرباسي، وعبد الرضا جبارة، وبعض الأساتذة الجامعيين الذين أسهموا في حركة النقد في النجف، وفي العراق، وبهذا اللقاء اشكر الشاعر “فارس حرام ” الذي قام بجمع كل الشعراء من خارج وداخل العراق وشعراء من دمشق ولندن وهولندا، وبعض الشعراء المغتربين في الخارج، وعندنا في إيران هناك مهرجان »الرضوي« نسبة إلي الأمام رضا يشبه هذا المهرجان في التجمع، والأعداد والتنظيم، وأتمني من الشعراء العراقيين ان يهتموا بالأدب الرضوي»الأمام الرضا«، وانقل أشعارهم المكتوبة بهذا الخصوص إلي إيران، كذلك سأقوم بتعريف أدب “نازك الملائكة” للوسط الثقافي في إيران لأنه معروف لدينا.
الذكورة والأنوثة
û هل من الممكن الحديث عن الشعر النسوي الإيراني بعيداً عن ما هو متعارف علية بين الذكورة والأنوثة ؟
ــ منذ بداية القرن العشرين، وبعد ان تحررت الدولة الإيرانية من الحكم القاسائي بدأ الشعر الإيراني النسوي في أخذ حيزه الخاص، وكان النشاط الشعري النسوي علي أوجه وتعددت المضامين الكثيرة، وبحكم عملي الآن سكرتيرة لمنظمة الإتحاد النسوي الإيراني فأنا علي اطلاع كامل علي كل الأنشطة، والمرأة الإيرانية موجودة في كل مكان، وهناك أسماء كثيرة جداً، والشعر الإيراني النسوي يعتبر رديفاً لأي محفل إبداعي شعري إيراني، والشعر النسوي الإيراني كثير لأستطيع إحصاءه في إيران بهذا الشكل، واهم الأسماء الشعرية هي ” سيمين بهبهائي” بعد “فروخ فرخزاد “و”طاهره صفار زاده” و”فاطمة راكعي ” و”نرجس كنجي “.. الخ
û هل في خارطة الشعر الإيراني رائدات، مثلما حدث في خارطة الشعر العراقي النسوي والمتمثل في نازك الملائكة ولميعة عباس عمارة ؟ ــ لدينا الشاعرة “فروخ فرخزاد”…وما أدراك ما فروخ…أنها من الشاعرات المهمة جداً لدينا، مثلما لديكم”نازك الملائكة لدينا فروخ “، وهناك مُؤلف مهم جداً يتناول سيرة حياتها ومنجزها الشعري واهم المحطات والفعاليات التي أنجزتها، ورغم من أنها كانت من الشاعرات التي تكتب بالنمط القديم لكنها تمردت علي الشعر القديم، وتكتب نصاً حداثوياً كنازك الملائكة والآن هي الاسم الوحيد »الحداثوي« المطروح في إيران ومعروفة جداً في الوسط الثقافي الإيراني وتتمتع بلغة جميلة وبمضامين جديدة فاجأت الأعراف والتقاليد، وبهذا حققت تفرد إبداعي وأثرت علي بقية الشاعرات، وعلي الشعر الإيراني نظراً لأسلوبها، ومن المؤسف أنها توفيت1968 وهي شابه، وبعد ان غادرت الحياة مازال تأثيرها واضحاً في الحياة الثقافية، وعلي الشعر الإيراني، واعتقد أنها معروفة لديكم،هي لا تؤمن بالحجاب صريحة وواضحة، ولا تعتمد علي الآخرين، ولا تؤمن بالتقاليد الاجتماعية، مما أثار ذلك غضب بعض الأصدقاء والمقربين إليها حتي أهلها… بدليل ان العائلة الإيرانية محافظة لا تسمح بهذا الاختراق،وفروخ لا تؤمن بالخجل والحياء الذي يفرضه الآخر عليها، ولا يعنيها شيئاً، وللنقاد رؤية في سلوكها الذي لا يختلف جذرياً عن نصوصها الشعرية لها تقديرها الخاص ومنزلتها الخاصة، وهم يعزلون السلوك عن النص، وأنا شخصياً لو أتيح لي ان ادرس شعر”فروخ فرخزاد” لقسمته إلي قسمين: قسم يتناول حياتها الشخصية، وقسم يتناول أدبها الشعري »الإبداعي«، ولابد لنا ان نفرق بين تكنيكها الشعري، وأسلوبية البناء الشعري لهذه الشاعرة العظيمة، وعن حياتها في المجتمع.
û كنا قد قرانا علي سبيل المثال في الشعر اللبناني بأن هناك توجهاً خاصاً »لـلثيمة الأيروسية« في الشعر اللبناني، هل للشعر الإيراني توجه في ذلك الخصوص ؟
ــ الشعرالنسوي الإيراني رغم انه تناول هذه المفاهيم، ولكن لا ننسي نحن في بيئة محافظة، وله قيمة فلسفية واجتماعية وفنية، ولا يمكن ان يغادر بسهولة هذه المفاهيم. نعم نحن نحترم هذه المفاهيم الحياتية بالرغم من إننا نكتب في كل شيء. المرأة الإيرانية محجبة ومحافظة ومرتبطة بالسياق الاجتماعي المتعارف علية، وتكتسب خصوصيتها من البيئة والمحيط والإسلام..كل هذه المفاهيم نقترب منها ولكن لنا خصوصيتنا لأننا نعيش في بيئة محافظة وهي مطروحة عندنا أيضا لكنها لا تشكل ظاهرة كما تعتقد أنت.
û هل ترين معي من ان للشعر مستقبلاً حاله حال العلم كالطب والتكنولوجيا.
ــ الشعر يشكل أساس كل شيء للمسرح والسينما والتشكيل، والكلمة هي الأساس. كيف يكون المسرح بلا شعر؟ وكيف يكون هناك ناس وحياة بلا شعر ؟ الشعر هو كل شيء وبدونه تتوقف الحياة، وعليه أجد ان مستقبل الشعر مستقبل لكل هذه الأجناس الأدبية والإبداعية لأنه الشريان الذي يسير في دماء هذه المعارف، ولا أعتقد ان هناك عالم بلا شعر.كل هذه الفنون الإبداعية لا يمكن أن تصل وتحقق أهدافها بدون ان يكون هناك شعر.
û دائماً ما نجد القارئ أوالمتلقي يشكو من عدم فهم الشعر الحديث. إلا ترين في ذلك مغايرة في مستقبل الشعر؟ وهل يؤثر ذلك علي مستقبل الشعر ؟
ــ شاعر اليوم لم يعد مثلما كان من قبل.كان الشاعر عالم نفسي وعالم جغرافية، وعالم في الفلك، وكان في كل شيء بعكس الآن أصبح الشاعر معدودة، ومساحات الشعر أصبحت ضيقة إضافة إلي كثرة الرموز والتوهيمات التي جعلت مهمة الشاعر صعبة، وجعلته غير مفهوم للآخرين كذلك الترميزات والمجازات التي تظهر علي الشعر جعلته معقداً وغير واضحاً،مشكلة الشاعر هنا أصبح مكسوراً ومهزوماً ومسحوقاً لأن مهمة الشعر هو ان يصل رغم هذا الانفجار الاتصالي، ورغم هذه الحضارة إلي الشهرة علي حساب النص والقصيدة ولغة القصيدة، وهذه مشكلة الشعر والشعراء في العالم، ولو كان الشاعر يتمتع بذلك النقاء لأصبحت مهمته سهلة كما هو حال الشعراء القدامي الذين يصلون إلي المتلقي بسهولة، ولا أخفيك سراً ان الأدب الالكتروني أصبح جزءاً من الحياة الثقافية،وأصبح موازياً للأدب الواقي يؤثر علي نفسية الشاعر ورسالته.
û بخصوص الأدب الإلكتروني كيف تقرأ “سودابة” القصيدة الرقمية ؟وهل من رؤية واضحة لما يحدث الآن من تطور وتقنية في كتابة وتلقي القصيدة؟
ــ بخصوص القصيدة الرقمية اعتقد ان ما يكتب او يذاع في الانترنيت هو شعر بلا نقد، ودراسة، وبحث، وبلا شاعر،لذا نحن لا نعتقد به ولا بمضامينه ان كانت هناك مضامين فهو يكتب ويترك هكذا علي الانترنيت، وهناك قطيعة بين التجارب الشعرية الشابة، وبين التجارب القديمة وهذه مشكلة كبيرة تجعل من الشعراء الشباب يكتبوا بمزاجهم وانطباعاتهم التي تحتاج دائماً إلي الوضوح فهي تجارب غير مكتملة وغير ناضجة بالمرة، هؤلاء الشعراء لم يطلعوا علي الأدب الكلاسيكي مما يولد ذلك بطبيعة الحال فجوه وأزمة قراءة دائماً ما تنتج تجارب هشة، إضافة إلي ذلك هم لم يطلعوا علي التجارب الحديثة في الشعر،وبعكس ذلك أي عندما يكون لديهم تفاعل حقيقي واضح ومأخوذ من تجارب شعرية قيمة وحديثة لتغيرت الرؤية وأصبحت أكثر وضوحاً بعد ان كانت أكثر ضبابية وعتمه تتخبط بين هذا وذاك،وليس لديها أي انتماء حقيقي ما عدا إرهاصاتها الغير ناضجة علي مستوي الرؤية، هويتها الضائعة التي تبحث عنها للآن، وما أتمناه للشعراء الشباب القراءة والاطلاع علي التجارب القديمة والحديثة
المزاوجة بين القديم والحديث
û كيف حال الشعر الإيراني الآن ؟هل هو حداثوي أم ما بعد حداثوي؟
ــ هناك شعراء يكتبون بطريقة المزاوجة الناجحة بين القديم والحديث ، وهناك من يكتفي بالحداثة، ومن بينهم من بقت إشعارهم مشدودة الي الماضي، والي النمط الكلاسيكي والبناء القاسي، ولكن بكل الأحوال هناك حركة فيها حيوية ودفق وعطاء شعري لكننا نكتب الشعر القديم بالفطرة، وهناك أيضا شعراء حداثويون يكتبون وفق الاعتبارات الحداثوية، وتأثرنا بالتحولات الثقافية الجديدة..هناك جيل للشعراء الذين يتبادلون الشعر المعاصر الحديث، ورغم ذلك فأن سليقتنا تبقي مرتبطة بالماضي وبالذائقة التراثية.
û كيف تنظرين إلي “ملتقي عالم الشعر الثاني”
ــ الشعر في عالم الشعر كان جريئاً ومميزاً بقصائد متنوعة وثرية بالجدل والحوار والتوالد لما يطرح من جلسات نقدية لها خصوصية واضحة في هذا المجال، وفي هذه التظاهرة الثقافية أجد ان النجف قد ارتقت إلي أفق العلم والشعر والفن، ولا أخفيك سر سعادتي عندما علمت بدعوتي إلي “عالم الشعر ” إذ أصبح لي أصدقاء كثيرين من الشعراء العراقيين، والذين افتخر بهم كثيراً، وأتمني ان أتواصل معهم.
/2/2012 Issue 4122 – Date 14- Azzaman International Newspape
جريدة »الزمان« الدولية – العدد 4122 – التاريخ 14/2/2012
AZP09