السيّاب يجمع العراقيين دائماً – هدير الجبوري

 

بدر شاكر السياب

حين تنتصر الذاكرة الجمعية لعَلم لا يُنسى

هدير الجبوري

_ بغداد

في لحظة فارقة على منصات التواصل الاجتماعي، انكشفت حقيقة عميقة لا يمكن تجاهلها: إن الرموز الكبرى لا تُمس بسهولة، وإن الذاكرة الجمعية حين تستفز، تنهض بكل ما تملك من وعي ومحبة ووفاء. ما جرى من إساءة طالت أسم بدر شاكر السياب، شاعر العراق الكبير، لم يكن مجرد تجاوز عابر، بل اختباراً أخلاقيا وثقافيا، اجتازه العراقيون بجدارة.

السياب لم يكن اسماً عالقاً في كتب المناهج ولا صورة مؤطرة على جدار الماضي، بل كان وما زال وجدانا حياً، يسكن اللغة ويعيد تشكيلها، ويقيم في الذاكرة بوصفه أحد أعمدة الشعر العربي الحديث. لذلك، فإن المساس به، حتى عبر التلميح إلى شكله أو شخصيته، لم يقرأ كإساءة فردية، بل كمساس برمز جمعي يمثل مرحلة كاملة من التحول والإبداع والمعاناة.

اللافت في هذا المشهد، أن الدفاع عن السياب لم يأت من الشعراء والنقاد وحدهم، بل من عامة الناس من قراء عاديين، ومن شباب ربما لم يقرأوا له من قبل، لكنهم أدركوا بالفطرة أن هناك أسماء لا يجوز العبث بها.

 تحولت مواقع التواصل إلى ساحة استعادة ثقافية مقاطع من قصائده، صور نادرة، شهادات محبة، ومواقف حازمة ترفض أي انتقاص من قامة بحجمه.

هذا الاصطفاف الشعبي لم يكن انفعالا مؤقتا ولا ترنداً رقميا، بل كان تعبيراً عن وعي جمعي يرفض تسطيح الرموز أو اختزالها في ملامح جسدية أو تفاصيل هامشية.

السياب، الذي أنهكه المرض وكسرت جسده المعاناة، منح الشعر العربي روحاً جديدة، وكتب وجع الإنسان العراقي والعربي بلغة لا تزال نابضة، قادرة على لمس الأجيال رغم مرور العقود.

إن ما حدث أعاد طرح سؤال مهم: كيف نحمي رموزنا الثقافية؟ والجواب جاء عملياً من الناس أنفسهم، حين قالوا، دون بيان أو دعوة، إن الرموز تصان بالمعرفة، وبالاحترام، وبالقدرة على التمييز بين النقد الواعي والإساءة الرخيصة. لقد انتصر السياب مرة أخرى، لا بقصيدة جديدة، بل بمحبة شعب رفض أن يهان تاريخه الأدبي.

في زمن تتكاثر فيه الضوضاء وتستسهل فيه الإساءة، كان هذا الموقف الجمعي بمثابة تذكير جميل بأن العراق، رغم كل ما مر به، ما زال يعرف قيمة شعرائه، ويقف إلى جانبهم، أحياء كانوا أم غائبين. وذلك، بحد ذاته، فعل ثقافي نبيل، وانتصار حقيقي للذاكرة والهوية…