السيدة عزيزة بين ردهة الإنعاش وإعلان وفاتها – عادل سعد

السيدة عزيزة بين ردهة الإنعاش وإعلان وفاتها – عادل سعد

هي قصة تستحق ان استعيدها مجدداً مع القراء الكرام بعد ان توفرت لي معلومات جديدة موثقة لاغبار عليها ، وحري بنا وضعها على الطاولة والتداول بها.

 انها قصة السيدة أفطيمة التي أمتهنت الغزل فرصةً معاشيةً لها ، وتبين ان قصابين يتصدقون عليها بجلود الاغنام لتنتزع الصوف منها  اضافة الى ما تشتريه من اصواف اخرى لتعمل على غسلها ثم تشذيبها وصناعة الغزول منها بمتانات معينة وفق الحاجة  ، وحين تتوفر لها مجموعة وازنة منها تبيعها الى وسطاء  للتتحول بعدها الى عباءات، او جواريب ، او ملابس.

 هكذا كانت السيدة افطيمة تشتغل وفق نظريةالقيمة المضافة التي اخذ بها كارل ماركس انصافاً للطبقة العاملة ، اذ تصنع قيمة اضافية للصوف بتحويله  الى غزول ، وقد ظلت عدتها الاساسية مجموعة مغازل ورصيد نفسي عظيم من المثابرة والصبر لكنها فقدت فرصتها في هذا العمل ، كيف ؟ ، ومتى ؟ ، ولماذا ؟ ، للامر تفسير واحد فحسب، بضاعتها اخذت تبور على وقع مفاضلة بالسعر تتمتع بها الخيوط الصوفية المسلفنة ذات البريق الجاذب المستوردة من الصين غير ان افطيمة لاتحمّل الصينيين مسؤولية كساد غزولها بل على العكس من ذلك، اشترت مغازل خشبية صينية جيدةً اعطت ارجحيةً اضافيةً لغزولها  .

هي تعتقد ان ماحصل لصناعتها( قسمة ونصيب)اسوة بالعنوسة داء الفرص الذي اخذ ينخر  اجتماعياً ويواصل ارتفاعه بمعدلات غير مسبوقة بذرائع بعضها غير مقبول مفادها نقص الكفاية المالية مع ان في ذلك اغتيال لقيم القناعة ، اعني القناعة المستندة الى الحمد لله على كل شيء ..  هكذا فقدت افطيمة شهرتها وحق  عليها المثل الظالم (من يعرف افطيمة في سوق الغزل) ، واذا كانت افطيمة قد اوقفت انتاجها  فهي الان بانتظار ان تشملها  وزارة العمل والشؤون الاجتماعية براتب الرعاية الذي نهب بعضه ميسورون  ، منظّرو فساد زوّروا مستمسات لأثبات انحطاطهم الاخلاقي  .  الحال ، أنك تستطيع ان تتصفح العديد من النماذج المستنسخة من واقع مظلومية السيدة أفطيمة في مقهى الشابندر، او مقهى حافظ، او على قارعة مقهى حسن عجمي وسط دخان اراكيل لايشق لها غبار ، شعراء يخرجون من اكمام المتنبي والبحتري ، واخرون ضمن القائمة الشعرية العراقية الطويلة التي احرجت محمود درويش واضطرته للاعتراف الصريح (العراق رصيد الشعر)، كتاب روايات  ، اختصاص بالاعمدة الصحفية واعداد الاستطلاعات  ، متابعون للشؤون الاجتماعية والنفسية ،راصدو سياسة لا احد يقلّب (بضاعاتهم)  لكنهم خلاف افطيمة مازالوا مصرين على المواصلة متسلحين  بحقيقة ان سطوة الغباء والعجرفة ليست قدراً ينبغي الاستسلام له، وان المزادات لا تعني البيع بخسارة ،  وليس صحيحاً اطلاقاً ان (الكذب المصفط احسن من الصدق المخربط)، وان اعلان عاهة السيدة العزيزة ، أعني الحقيقةَلا يعني بأي حال من الاحوال ترتيب اعلان وفاتها، وان مقاومة الفزع والنميمة  والافتراء  مسؤولية ينبغي ان نتشرف بها. وان الطرق على العقول المتعفنة لتفكيكها ينبغي ان لايتوقف ، فلا جغرافية ارادية محددة تحكمه  .. بالمباشر ، الذين يسعون الى اعلان  وفاة عزيزة ، معروفون ، عشائريون قلًة  ، جهلاء يبيعون اصواتهم في اسواق النخاسة الاجتماعية،  يروجون  للدگة والفصول  والسنن الزائفة وشراء الذمم والاغتسال بدماء الابرياء توظيفاً مزوراً لفضائل الكرامة والعزة ، يفتشون عن شرفهم في فروج  النساء . يمتهنون الانتخاء باسماء شقيقاتهم (انا اخو ….) لكنهم لايتورعون من اعتمادهن بضائع لجبر خواطر الخصوم  وانهاء النزعات على سرير (المرأة الفصلية).

 حزبيون يرجمون الاخرين بغير وجه حق بينما تستحق انفسهم الرجم ،  مدرسون واساتذة جامعيون اودعوا ضمائرهم في الحجر واخذوا يتاجرون بالتجهيل  ، اطباء وصيادلة ومهندسون واداريون تعلموا  اقصر الطرق الى الغش   ، حراس مصارف وشركات وسجون ماهرون بامتياز  ، ولكن في الاتفاق مع اللصوص.

ملاحظة ارجو ان يتسع ذهن القارئ الكريم لها ، هؤلاء  قلّة ، مرضى يفتقرون الى الاحساس بالمقاربة مع شروط الله.

بخلاصة استنتاجية  ، الولائم  كمائن لا تصنع شاكرين دائميين  ، واذا كان تطويق العراق باسوار من غابات الاشجار العالية يقلل   توحش الغبار  فان على  أفطيمة ان تدرس تفكيك شفرة  الغزول المسلفنة ، عندها فقط تستطيع المنافسة  .

للتذكير فحسب  ، لا تكفي صولة واحدة لمحاربة اليأس والقنوط والفشل ، هذه هي نصيحة المفكر الصيني سن تزو صاحب اقدم واهم مؤلف بعنوان (فن الحرب) الذي ترجمه الاستاذ الدكتور كاظم هاشم نعمة  ، فخلال مداولة هاتفية بيننا قبل عدة ايام ، اشار الصديق نعمة الى بعض ماجاء في هذا الكتاب من محطات معرفية غاية في الادهاش مما حفزني للبحث عنه على منصات الانترنيت، الحال انه كتاب فكري مدرسي باهر يعلٌم الشجاعة الناعمة و(الانتصار النقي) الذي يترفع عن الفخر والغطرسة  .

مشاركة