السيدة التي قادتني إلى الصحافة
دبي – محسن حسين
قلة من النساء اشتغلن في صحافة العراق قبل ثورة 14 تموز عام 1958 لأسباب اجتماعية ومع ذلك فقد ظهرت أسماء نسائية عديدة في الصحافة منها السيدة أحلام ألبدري التي يعود لها الفضل في دخولي عالم الصحافة.
برز اسم أحلام ألبدري منتصف عام 1956 وكنت شريكا لها في كل شيء لمدة سنتين إلى أن انتهى وجودها مع من انتهى وجودهم بثورة 14 تموز 1958 التي أطاحت بالملكية وفتحت المجال واسعا أمام المرأة لتعمل في الصحافة.
حكاية أحلام ألبدري هي حكايتي مع الصحافة.بدأت علاقتي بها صيف عام 1956 عندما قرأت في ركن المرأة في صحيفة الشعب مسابقة لأطرف نكتة، فقررت المشاركة فيها، وأرسلت مع النكتة رسالة بالبريد إلى محررة ركن المرأة وتدعى “ليلى” تضمنت بعض الملاحظات عن ركن المرأة، وفي حينه قررت أن تكون الرسالة باسم نسائي واخترت أسما مشتقا من اسمي شقيقتين لي هو (أحلام ألبدري)، وكانت مفاجأة لي أن الرسالة نشرت في العمود الرئيسي لصفحة المرأة وبتوقيع أحلام ألبدري في العدد الصادر يوم 27/6/1956. وهكذا ظهرت أحلام ألبدري إلى الوجود.
في تلك الفترة كنت أكتب المقالات والقصص وأقدمها بنفسي إلى الصحيفة غير أن ما ينشر منها كان قليلا، ولذلك فوجئت بنشر رسالة أحلام ألبدري المرسلة بالبريد فور وصولها وكان من الواضح أن سبب ذلك يعود إلى قلة النساء اللواتي يعملن في الصحافة. وأرسلت بالبريد رسالة ثانية نشرت بالنص، وهكذا أصبح لأحلام ألبدري مقال أسبوعي ينشر في صدر ركن المرأة كل يوم أثنين دون أن يعرف محررو الصحيفة حقيقة (أحلام ألبدري). وتخلت محررة ركن المرأة الآنسة ليلى عن مقالها الأسبوعي لتحتله مقالات أحلام ألبدري.
كانت المقالات تتناول قضايا المرأة والأسرة وتربية الأطفال وتطالب بإعطاء المرأة حقوقها وسرعان ما أصبح لها الكثير من القراء، وقد أثارت بعض هذه المقالات الكثير من النقاش والجدل ومن المؤكد إن ذلك يعود إلى الآراء الجريئة التي تطرحها امرأة في وقت كانت الأمية تسود المجتمع وخاصة النساء، وحتى المتعلمات لم تكن لديهن الجرأة على طرح الكثير من مشاكلهن و مطالبهن علنا وبأسمائهن الصريحة.
وأذكر إن من بين الذين عقبوا أو ناقشوا مقالات أحلام ألبدري معتقدين إنها امرأة الفنان نوري الراوي والمحامي عبد الحميد الشديدي والفنانة زينب بطلة فلم سعيد أفندي وآخرون ويبدو أن الصحيفة أرادت التعرف على هذه المرأة الشجاعة فنشرت يوم 7/11/1956 نداء إلى أحلام ألبدري في باب بريد القراء الذي كان يحرره الصحفي والإذاعي المعروف حافظ القباني، تدعو فيه السيدة أحلام البدري إلى الحضور للصحيفة. في البداية قررت عدم الذهاب، ولكن صديقا لي كان يعرف سر أحلام ألبدري كشف السر! وأرسل إلى الصحيفة رسالة يقول فيها أن أحلام ألبدري هو أسم مستعار لرجل يعرفه وأنه مستعد لكشف الحقيقة وقد نشر القباني ذلك في13/11/1956 مما اضطرني للذهاب إلى الصحيفة حيث كانت تنتظرني عدة مفاجآت!
في قاعة التحرير في الصحيفة في منطقة السنك ببغداد كان هناك الصحفيون المعروفون مثل القباني و محمد حامد ومنير رزوق إضافة إلى رئيس التحرير يحيى قاسم ومدير الإدارة وجيه عيد الله (لبناني عمل فيما بعد مديرا لدار الصياد)، وكان البعض منهم يعرفني كواحد من كتاب القصة القصيرة الشباب الذين يراجعون الصحف للحصول على فرصة لنشر ما يكتبونه ولذلك لم يلتفت لي أحد إلى أن قلت لهم أنا الذي أكتب باسم (أحلام البدري) كانت تلك كلمة السر التي فتحت أمامي أبواب الصحافة على مصراعيها! خلال دقائق عرضوا علي العمل براتب شهري قدره 45 دينارا وهو راتب ضخم في ذلك الوقت لم أكن أحلم به أبدا. وقررت على الفور الموافقة والاستقالة من مديرية الصناعة العامة حيث كنت أعمل باجر شهري قدره 27 دينارا.
وكانت المفاجأة الثانية انهم أخذوني إلى ركن في القاعة للتعرف على الآنسة ليلى وكنت في الواقع متشوقا لهذا اللقاء فإذا بها رجل أصلع هو المرحوم منير رزوق! وهكذا بدأت العمل الصحفي الفعلي باسمي الصريح، وعملت في التحقيقات والأخبار المحلية إضافة إلى ركن المرأة الذي كنت أحرره باسم أحلام البدري. ومنذ عام 1956 حتى ثورة 14 تموز عام 1958كانت مقالات أحلام البدري تنشر في صحيفة الشعب وملحقها الأسبوعي مجلة (الأسبوع)، وعندما أغلقت الصحيفة بعد الثورة بثلاثة أيام وانتقلت انا إلى صحيفة الجمهورية أنهيت حياة أحلام البدري والى الأبد!