السجن للرجال صراع العرف والقانون في المجتمع
يظهر هذا الصراع بصورة جلية في بعض المجتمعات التي يسودها الجمود الفكري والثقافي وانغلاقها علي نفسها وضآلة الاتصال بما حولها من المجتمعات والتي تسمي بالمجتمعات السكونية والتي يغلب عليها العرف كضابط لسلوك الافراد بينما القانون ليست له تلك الاهمية كونه ظاهرة اجتماعية حديثة التكوين بنشوء الدولة او الحكومة وحيث ترجع الي المجتمعات البدائية والبدوية وسواها التي لاحكومة فيها نجد ان العرف هو المرجع الرئيسي في ضبط المجتمع. اما في البلاد المتمدنة الحديثة حيث يختلط الناس وتتفاعل القيم فان القانون يصبح المرجع بدلاً من العرف وهناك بعض المجتمعات مثل مجتمعنا الذي يحتوي علي كثير من المناطق السكونية وهو في الوقت ذاته يخضع لحكومة وسلطة القانون. فالناس في مثل هذا المجتمع غالباً مايتأثرون بالعرف اكثر من تأثرهم بالقانون وقد اتضح هذا بجلاء في العهود السابقة للمجتمع العراقي وخاصة يوم كانت هناك ثغرة شديدة بين الشعب والحكومات السابقة,فقد اعتاد الناس ان لايهتموا بالقانون ولايساعدون رجاله في تنفيذه وكثيراً ماوجدناهم يساعدون الهارب او المجرم ويتسترون عليه ويراوغون رجال القانون واذا حاول احد الافراد من تلك العشيرة مساعدة رجال القانون في امر ضد العرف نجد الناس يحتقرونه ويعدونه جاسوسا وهم في نفس الوقت لايحتقرون من يخالف القانون وهذا ماحصل في فترة التسلط العثماني ومن الامثال الدارجة (السجن للرجال) هذا الصراع بين العرف والقانون هي ظاهرة غالبة في معظم المجتمعات القديمة لكن هناك حدا فاصلا بين ماكان في السابق وماهو عليه اليوم من وعي وادراك للقوانين,بحيث يقاس مدي تحضر الدولة وتقدمها بمقدار مايقدمة الشعب من احترام والتزام للقوانين,فالقانون اصبح روح العصر واكسير الحياة اليومية فمن غير القانون لايستطيع المرء ان يحيا بسلام ويأمن في سربه ومن جهة اخري ان الايمان بالقانون لاياتي عارضاً او اعتباطاً بل يسبقه وعي جمعي للمجتمع يؤمن بضرورته الملحة ويملك الاستعداد النفسي والمعنوي لأعتناق منظومة انسانية للتعايش والتعاون معها وترسيخ مفاهيمها ومدلولاتها.وهذا يعتمد علي الخلفية الثقافية للمجتمع وكذلك يعتمد ايضاً علي منهجية الدولة وقدرتها في فرض القانون واشاعته بين الناس فهناك تبادل عكسي بين القانون وبين العرف والذي هم علي خط فعل واحد فمتي ماضعف القانون قوي العرف واصبح هو السائد في المجتمع حيث يتخلون عن الدولة ويلجأون الي الاعراف في حل النزاعات والصراعات فتنطمس معالم التحضر وتشيع الفوضي(العرفية)والتي غالباً ماتكون قرارات مزاجية مبنية علي التلاحي والتعادي والصراع القبلي.فالعرف يبقي متسيداً مادام هناك ضعف في القانون وترهل في تطبيقه وتعطل في اقراره.
وهنـــاك ايضاً انــــــبثاقة اخري للصراع في المجتمعات المغلقة والسكونية وهوصراع من نوع اخريتسوده العرف الاجتماعي وهو صراع العرف مع الديــــن واعطاء العرف الاولوية في اقرار الحلول القبلية حيث يتخذ الناس في بعض المجتمعات السكونية عادات وتقاليد مخالفة في اساسها لاوامر الدين ونواهــيه ولكن الناس لايدركون ذلــــــــك وهم قد يكونون علي العكس من ذلك حيث يعتقدون بان عاداتهم وتقاليدهم هي من صلب الدين لمجرد انهم تعودوا عليها فاذا جاءهم مفكر او مصلح او واعظ او مرشد يبين لهم تعـــــارض هذه العادات مع تعاليم الدين الحنيف غضبوا منه واتهموه وابتعدوا عنه محاولين الانفلات من ربقه تعاليمه التي يضيقون بها والتهرب من اعبائها التي تثقل بها نفوسهم القلقة ونجد في مجتمعنا امثـــــــلة واضحة علي سلوك كهذا فكـــــثير من عاداتنا وتقاليدنا لاسيما في الريف والمجتمعات القروية تخالف اسس الدين الاسلامي لانهم يسيرون حسب عاداتهم وتقاليدهم مستندين بذلك الي تأييد الرأي المجتمعي القبلي عبر قـــــــبوله عن طريق منظومة المواـــــفقة الجمعية المستمدة من التاريخ القبلي والسلوك الجمعي الموافق فيزيد في ترسيخ اعراف والتاسيس عليها فيما بعد والتي نجد صعوبة جمة في محاولة تغييرها او حتي زحزحتها في صخرة راسخة الجذور في ارضية الفكر القبلي ليس من اليسير تغييرها او تفكيكها مهما اوتينا من دليل او حجة.
نجم عبد خليفة – بغداد
/2/2012 Issue 4123 – Date 15- Azzaman International Newspape
جريدة »الزمان« الدولية – العدد 4123 – التاريخ 15/2/2012
AZPPPL