(الزمان) في ضيافة قائد معركة الخفجي الفريق الركن ياسين فليح المعيني: – أحمد عبد المجيد

(الزمان) في ضيافة قائد معركة الخفجي الفريق الركن ياسين فليح المعيني: – أحمد عبد المجيد

دخول الكويت قرار سياسي إنفعالي تم دون معرفة المؤسسة العسكرية العراقية

{ خضنا معارك ضارية في الخفجي وكبدنا القوات الأمريكية خسائر في الأرواح والمعدات والطائرات.

{ خطة الغارة على الخفجي وإحتلالها اعدت لتخفيف الضغط الجوي على القطعات العراقية في مسرح عمليات الكويت.

{ لا إتفاقيات سياسية في مباحثات خيمة سفوان وكل ما قيل عن ذلك تضليل وتشويه.

من النادر ان تحظى معركة خاضها جيش عربي، ولاسيما اذا كان عراقياً، باهتمام مراكز الدراسات العسكرية ومعاهد الفكر الحربي الدولية ، مثلما حظيت به معركة الخفجي، التي وصفت باكبر المعارك التعرضية للجيش العراقي في حرب الكويت او حرب الخليج الثانية عام 1991. وتكمن أهمية هذه المعركة التي قادها الفريق الركن ياسين فليح المعيني ، في تنفيذها من قبل الفرقة الالية الخامسة ضمن قاطع عمليات الفيلق الثالث ضد القطعات الامريكية داخل الأراضي السعودية.

كما تكمن أهميتها في انها نفذت دون غطاء جوي ، وسط سيادة جوية للطيران الامريكي.

ومنذ سنوات طويلة، نسبياً، وأنا أراجع الوثائق والادبيات التي تتعلق بهذه المعركة ودوافعها الميدانية ونتائجها الاستراتيجية على سير الحرب برمتها. ولم اقع على ضالتي الأساسية في ذلك، إلا بعد لقاء صادف اني كنت هيأت له منذ سنة ، لكنه لم يتحقق لاسباب ذاتية وموضوعية تتعلق بالفريق المعيني الذي قاد الفرقة الخامسة في معركة الخفجي.

والمعيني سليل عائلة عراقية أصيلة سكنت مزارع منطقة هور رجب بضواحي بغداد. وقد كافح طويلاً للحصول على شهاداته الدراسية، منذ ان قبل في الابتدائية . وكان عليه ان يقطع يومياً 12  كيلومتراً سيراً على الاقدام للوصول الى شارع الدورة وركوب حافلة تقله الى محيط ساحة النسور، ثم السير على الاقدام ثانية الى منطقة المأمون ببغداد، للوصول الى متوسطة المأمون، المدرسة الوحيدة في جانب الكرخ . وعندما بلغ الثانوية رافق عائلة نسيبه الملازم الأول في الجيش الملكي آنذاك جودت زعيتر ، الى مدينة الديوانية، فاجتاز الخامس الادبي بمعدل 74 بالمئة، وكان واحداً من أربعة طلبة فقط نجحوا في الامتحان الوزاري في مجمل مدارس لواء الديوانية. وظهر اسمه في كلية الادراة والاقتصاد بجامعة بغداد ، لكنه تركها فور اعلان قبوله في الكلية العسكرية عام 1965  انسجاماً مع رغبته في خدمة الوطن عبر فصائل القوات المسلحة . وتخرج من الكلية العسكرية برتبة ملازم درع  عام 1968 وتبوأ مناصب عدة منذ ذلك التاريخ، تراوحت بين أمر سرية دبابات وغيرها، وقد اشترك في حرب تشرين 1973 على الجبهة السورية قبل التحاقه بكلية الأركان وتخرجه ضمن الدورة 12.

وعلمت في جلسة اللقاء معه ، انه امضى المدة 1987 – 1988 ملحقاً عسكرياً عراقياً بالسفارة العراقية في موسكو، كما امضى دراسة في المعاهد السوفيتية أمدها اربع سنوات، للتدريب على معارك الدبابات. ومنذ العام 1989 تدرج بقيادة فرقة المشاة 40 وقيادة الفرقة الالية 5 ثم قفز في الرتبة ليحتل بكفاءته المعهودة ومثابرته قيادة الفيالق الثاني والثالث والخامس للسنوات 1993 – 1998 وتبوأ منصب معاون رئيس اركان الجيش للتدريب ثم للعمليات للمدة من 1999 لغاية 9 نيسان 2003.

وشغف المعيني بالدرس العسكري، ولم يستسلم لتداعيات حل الجيش العراقي، بقرار بول بريمر عام 2003 بل انخرط في الدراسة الاكاديمية لينال الدكتوراه في التاريخ العسكري في جامعة لاهاي في هولندا، وهو الآن يحمل صفة باحث في الشؤون العسكرية.

وحري القول ان باحثاً من طرازه يحظى بالتقدير العميق، لان مهاراته ولدت من رحم الممارسة الميدانية في تجربة فريدة شهدت حرباً عربية كبرى مع اسرائيل ثم حربين عراقيتين طويلتين تمخضت عنها دروس وتجارب ورؤى وبواعث ، أي ان بناءه العلمي مؤتلف مع جوهر الحقيقة التعبوية في ميدان المعارك التي خاضها.

لقد تحلى المعيني بالموضوعية التي يتطلبها، كونه باحثاً وقيادياً عسكرياً، فضلاً عن جرأة توافرت في تحليلاته إزاء الاحداث والمعارك التي خاضها الجيش العراقي في صفحة الحرب بعد 2 آب 1990.

– فهل اعترف انه فاجأني بالقول ان (القوات العراقية دخلت الكويت نتيجة مشاكل كثيرة وعقد التاريخ والجغرافية ، ومشاكل الحدود والنفط)، ووصف قرار دخولها (بالقرار السياسي الانفعالي وقد تم دون علم المؤسسة العسكرية العراقية، بعد فشل المفاوضات الثنائية برعاية سعودية). وبدا لي المعيني اكثر صراحة وجرأة بالقول (كنت في 2 آب 1990 مديراً لشعبة مسارح العمليات في مديرية التخطيط بدائرة العمليات في رئاسة اركان الجيش، وفوجئنا بدخول الحرس الجمهوري الى الكويت، فيما لا توجد اية اوليات بصدد الموضوع في المديرية).

كما يعترف المعيني الذي جلس امامي مرتدياً دشداشة، وبدت على جسمه بعض مظاهر الترهل، نتيجة قلة الحركة وملازمة مطالعة الكتب والمصادر ، بان (الغارات والهجمات الجوية المعادية الحقت خسائر كثيرة بالقطاعات المدرعة والالية والمشاة والصنوف في مناطق عديدة من مسارح العمليات، ولاسيما داخل الكويت، ولم يتوفر لقطاعات الفيلق الثالث والرابع إلا قوة جوية ودفاع جوي ضعيفين قياساً بالمنظومات الجوية للعدو). ويستدرك المعيني (ومع ذلك فقد تمكنت دفاعاتنا الجوية داخل الكويت من اسقاط طائرات العدو وصواريخه فوق ساحة العمليات الكويتية . وكقاعدة عامة فان الطرف الذي يسيطر على أجواء الحرب تكون قطعاته البرية افضل من الذي يدافع عن نفسه وبدون معلومات يعرف بها نوايا عدوه، ولا يمكنه المناورة بقطعاته ضمن مسرح العمليات).

{ ومع معرفتي بان الهجمات الجوية الامريكية المعادية تواصلت يومياً بدون انقطاع سألت الفريق المعيني: ما العمل اذن؟

– وأجاب استناداً الى معطيات كتاب جديد أصدره عن (ملحمة الخفجي) ان (القيادات السياسية والعسكرية العراقية اتجهت الى دفع العدو الأمريكي وحلفائه للمنازلة البرية لايقاع الخسائر به، لان بقاء الموقف كما هو عليه يسبب خسائر جسيمة، وينهك قطاعاتنا المدافعة، ولذلك صدرت يوم 21 كانون الثاني 1991 توجيهات القيادة العامة للقوات المسلحة الى الفيلقين الثالث والرابع، داخل الكويت والفيلق السابع المدافع بموازاة الحدود العراقية السعودية، لتنفيذ عمليات على شكل غارات على تحشدات العدو المتمركزة داخل العمق السعودي وباعماق مختلفة تتراوح بين 5 – 20 كيلومتراً، وتكون الخفجي أهم تلك الأهداف).

{ ثم ماذا حدث؟

– (أصدرت قيادة الفيلق الثالث ضمن مسرح عمليات الكويت أوامرها الى الفرقة الالية الخامسة بشن غارة على مدينة الخفجي السعودية، ثم تغيرت الغارة الى احتلال الهدف على ان يكون التقدم والهجوم واحتلال المدينة ليلاً، لتلافي وتقليل تأثير الضربات الجوية المعادية على قطاعاتنا . وفي الوقت نفسه يشن لواء مدرع من الفرقة المدرعة الثالثة، هجوماً ليلياً على منطقة مخفر حدودي سعودي شمالاً لمخادعة العدو عن الاتجاه الرئيسي لمهمة الخفجي).

{ هل ترى ان التحضيرات لعملية من هذا النوع كانت كافية؟

– ويجيب المعيني ان (الفرقة تمكنت من تنفيذ المهمة المكلفة بها بكل دقة بسبب إجراءات وسياقات التخطيط الجيدة والروح المعنوية العالية التي يتمتع بها مقاتلو الفرقة الذين تسابقوا في ما بينهم لتنفيذ المهمة، برغم إمكانات العدو الجوية الهائلة على المعركة وكفاءة استطلاعه الجوي والفضائي والبصري. كما تمكنت الفرقة من تأمين عنصر المباغتة التعبوية والعملياتية والسوقية الكاملة على قطعات العدو في جميع المراحل: التحشيد والتمويه والاختفاء والتقدم والهجوم الصحراوي والساحلي والوصول الى الخفجي والسيطرة عليها ليلاً، بدون أي غطاء جوي).

{ وما كمية واعداد الاليات والافراد المشاركين في هذه العملية ؟

– (تضم فرقة المشاة الالية المكلفة بالواجب 440 دبابة وناقلة اشخاص مدرعة وآلاف المقاتلين). وأضاف الفريق المعيني انه (على مدار أيام عدة بلياليها دارت معارك برية واسعة ومستمرة بين العراقيين والمدافعين عن الخفجي، وقطعات التحالف التي شنت هجمات مقابلة على قطعاتنا وباسناد المئات من الطائرات المقاتلة والسمتية، لكنها لم تتمكن من إزاحة الفرقة الخامسة العراقية من مواقعها في الخفجي، إلا بعد ان نفذت واجبها وعادت الى مواضعها السابقة داخل العمق الكويتي، بأسلوب القتال التراجعي، اثر صدور أوامر الفيلق الثالث الى الفرقة بالانسحاب والعودة الى مواضعها السابقة). واكد الفريق المعيني انه (من النتائج الأولية لهذه المعركة ان القوات المسلحة العراقية قادرة على الوصول الى أي هدف برغم كل ما يملكه العدو من تقنية عالية وقوات جوية وصاروخية وإمكانات عسكرية كبيرة، كما وفرت المعركة لنا، الحصول على معلومات دقيقة بشأن أساليب قتال العدو الأمريكي وحلفائه وتحديد نقاط قوته وضعفه لوضع الخطط المستقبلية لمجابهته).

وفي مراجعة للخسائر التي تكبدتها القوات الامريكية في معركة الخفجي فان خبراء احصوها بتدمير 80 بالمئة من اللواء الالي 24 الأمريكي، داخل مدينة الخفجي وعلى أطرافها وتدمير 32 مدرعة سعودية مدولبة وأسر طيارين امريكيين بضمنهم 11 عنصراً وكذلك أسر 24 جندياً سعودياً واسقاط ثلاث طائرات سمتية نوع أباتشي بنيران الأنفلاق الذاتي الجوي لمدفعية قوات محمد القاسم العراقية ، وتدمير ثلاث عجلات وقود اختصاصية أمريكية واسقاط طائرة قيادة أمريكية فوق مياه الخليج العربي نوع هير كوليس ومقتل 18 عنصراً من طاقمها والاستيلاء على معدات واسلحة مختلفة.

{ وبرغم مرور نحو 32 عاماً على قرار دخول الكويت ، فان رؤية الفريق المعيني تؤكد ان (القرار السياسي من الرئيس صدام حسين تم في تموز 1990 بايعاز الى قيادة الحرس الجمهوري بالاندفاع للسيطرة على الكويت، بحسب خطة وضعت من قبل قيادة الحرس فقط، دون علم او استشارة وزارة الدفاع او رئاسة اركان الجيش برغم خطورة هذه المهمة).

ويرى أيضاً انه (من الضروري جداً قبل اتخاذ مثل هذه القرارات الاستراتيجية اجراء تمرين لعبة حرب سياسي عسكري، بكتمان عال جداً للتوصل الى افضل الخيارات في التعامل مع مثل هذه الازمات، بموجب ما يعرف باعداد الدولة للحرب، أو اجراء مناقشة دقيقة تعتمد على الحقائق والثوابت المحلية والدولية من خلال خلية الازمة).

{ ويجر الحديث عن حرب الكويت الى النهاية المثيرة للجدل ، التي رسمتها خيمة سفوان وما تم التوقيع عليه في اتفاق وقف اطلاق النار وانسحاب القوات العراقية من الكويت، ويجزم الفريق المعيني ان (مباحثات خيمة سفوان التي جرت في 3 آذار 1991 في البصرة عند جبل سنام ، كانت عسكرية صرفاً وتضمنت إجراءات ما بعد وقف النار، وهي اطلاق سراح الاسرى من الطرفين فوراً وتبادل الجثامين وتسليم خرائط حقول الألغام البرية والبحرية وتعيين مواقع الأسلحة الكيمياوية داخل الكويت وانسحاب قوات الطرفين الى داخل الحدود بمسافة كيلومتر واحد ، والاتفاق على نقاط لوجستية أخرى لتسهيل حركة القطاعات العسكرية . وقد وافق الجانب الأمريكي على استخدام العراق لطائراته السمتية بالطيران فوق أراضيه لنقل الجرحى والحالات الأخرى، لان معظم الجسور والقناطر دمرت بالقصف الجوي الأمريكي وانقطاع الطرق في معظم مناطق العراق).

وشدد الفريق المعيني، في الختام، وهو يعرض وثيقة مكتوبة بخط اليد ، على القول ان (مباحثات الخيمة والاتفاق الذي تمخض عنها لم يتضمن اية اتفاقيات سياسية سرية أخرى، وان أي كلام عن ذلك هو كذب وافتراء وتشويه للحقائق والتاريخ ، وهو تضليل يستهدف الشعب العراقي والرأي العام).

{ واللافت ونحن نتبادل الحديث، ان الفريق المعيني نأى بنفسه عن استخدام مفردة (أنا)، مكتفياً بالاشادة بقوات فرقته وتضحيات أفرادها، وكأنما أراد التذكير بالقول المأثور (القطعة بآمرها).

مشاركة