لمناسبة ذكرى ثورة 14 تموز 1958
الزعيم عبد الكريم قاسم مثال للوطنية والنزاهة – سامي الزبيدي
عمان
كثيرة هي صفات الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم قائد ومفجر ثورة 14 تموز 1958 كالشجاعة والتضحية والإيثار والذكاء والعطف على الآخرين ومساعدة المحتاجين والاصطفاف مع الفقراء وحبه لشعبه والعفو عن المسيئين والصبر عند الشدائد وغيرها من الصفات التي نادراً ما تجتمع عند زعيم أو قائد ورغم كل هذه الصفات الحميدة التي تحلى بها تبقى وطنيته وحبه لوطنه وشعبه ونزاهته الفريدة أهم ما تميز به الراحل عبد الكريم قاسم .
تخليص العراق
لقد وضع الزعيم الراحل خدمة وطنه وشعبه والتضحية في سبيلهما من أولويات اهتماماته لقد ناضل وعمل وثابر حتى تمكن من تخليص العراق من الحكم الملكي والتبعية للاستعمار البريطاني ثم ألغى كل المعاهدات التي تكرس الهيمنة البريطانية على شؤون العراق كما أخرج العراق من حلف بغداد ولم ينحاز للقطبين الرئيسيين آنذاك الكتلة الغربية الممثلة بحلف شمال الأطلسي والكتلة الشرقية حلف وارشو إنما أبقى العراق حراً ذا سيادة حقيقية وعمل على استخلاص حقوق العراق من شركات النفط الاحتكارية عبر مفاوضات شاقة وطويلة وصفه المفاوضون الغربيون فيها بالمفاوض العنيد والحريص على وطنه فأعاد للعراق حقوقه في ثروته ،ثم عمل على تسليح الجيش العراقي بأحدث الأسلحة بعد أن وسع الجيش وزيد مرتبات الضباط والمراتب وأصدر قانون الإصلاح الزراعي،ووسع علاقات العراق مع دول العالم وأصبح للعراق مكانته المميزة عربياً ودولياً ،أما انجازاته لخدمة شعبه ووطنه فهي لا تعد ولا تحصى سأعرج على بعضاً منها،فمدينة الثورة إحدى انجازاته الكبيرة فقد أسكن آلاف العوائل الفقيرة التي كانت تسكن الصرائف في بيوت حديثة ووفر لها كل الخدمات من مدارس ومستوصفات وشوارع ومتنزهات وماء صاح للشرب وكهرباء ،وبنى مدينة الطب كصرح علمي وخدمي كبير وافتتح ميناء أم قصر وبنى المدارس والمستشفيات في كل مدن العراق كما بنى مدينتي الضباط في زيونه واليرموك وكان أحق الضباط في الحصول على دار منها لكنه تنازل عنه لأحد الضباط المتزوجين كما تبرع بداره في الصويرة ليكون مدرسة وتبرع بقطعة أراض تعود لعائلته للدولة لبناء مستوصف وعندما عرض عليه كولبانكيان صاحب شركات النفط هدية قال له أنا لا احتاج هديتك لكن ابني لشعبي ملعب حديث لكرة القدم وتم بناء ملعب الشعب ،كما بنى جامعة بغداد الحديثة والعديد من الجامعات والمعاهد ,وأعاد الملا مصطفى البرزاني من منفاه هو والعديد من الأكراد الذين أبعدهم الحكم الملكي وجرى لهم استقبال حافل في البصرة وعين العديد من الأكراد في وظائف مرموقة وعمل على حل القضية الكردية لكن بعض الخونة والمتآمرين حالوا دون ذلك ،هذا غيض من فيض من انجازاته لوطنه وشعبه ومقولته الشهيرة عفى الله عما سلف باتت مثلاً يحتذى به فقد عفا عمن حاول قتله عام 1959 في حادثة الاغتيال في شارع الرشيد كما عفا عن عبد السلام عارف عندما أشهر مسدسه محاولا قتل الزعيم ،وعندما أخبره مدير الاستخبارات العسكرية بوجود مؤامرة يقودها الضباط البعثيون والقوميون أرسل في طلبهم وكلمهم وطلب منهم الابتعاد عن السياسة وعن التآمر على الثورة لم يسجنهم أو يعاقبهم بل أعادهم الى وحداتهم التي انطلقوا منها صبيحة 8 شباط لإسقاطه وعندما طلب منه أبناء الشعب وخصوصاً أبناء مدينة الثورة تزويدهم بالسلاح للدفاع عن الثورة رفض قائلاً لا أريد أن يسفك دم عراقي بسببي وخلال دفاعه عن نفسه وعن الثورة وهو محاصر في وزارة الدفاع اتصل به السفير السوفيتي وأبلغه أن حكومة بلاده على استعداد لإنزال قوات سوفيتية خلال ساعات والقضاء على التمرد.
رفض بات
رفض ذلك رفضاً قاطعاً وقال قولته المشهورة لا أريد أن أبدل استعمار بريطاني بآخر سوفيتي هكذا هي الوطنية لقد ضحى بنفسه حتى لا يصاب أبناء شعبه بأذى ولا يرهن وطنه لدولة أجنبية ،أما مسالة نزاهته فلا يختلف عليها اثنان لقد كان يتقاضى راتبه من وزارة الدفاع فقط رافضاً راتب رئيس الوزراء ،لم يمنح نفسه قدم أو رتبة إنما كانت ترقيته مع ضباطه في جدول استحقاقه ,كان لا يملك بيتًا وكان يستأجر بيت ويدفع إيجاره من ماله الخاص وكان ينام أحيانا كثيرة في غرفته في وزارة الدفاع كان شقيقه نائب ضابط في الجيش العراقي وبقي نائب ضابط ولم يمنحه رتبه أو منصب ,كان يأكل من بيت أخوه يرسلون له الطعام في (سفرطاس) وهو أكل بسيط جداً وعندما كان يعقد اجتماع لمجلس الدفاع كان يرسل الى المجتمعين كباب من مطعم قريب من وزارة الدفاع ومن ماله الخاص ,لم يمتلك أسطول من العجلات ولا آلاف من الحمايات كان يركب عجلة واحدة ومعه السائق والانضباط فقط حتى بعد عملية اغتياله وحرصاً على حياته كان مرافقه يرسل خلفه عجلة فيها أربعة مسلحين وعندما شاهدها الزعيم منع أن ترافقه ,كان يتفقد شعبه خصوصاً في الليل ويبقى الى الفجر برفقة سائقة والانضباط فقط ,كان يعطي للفقراء من ماله الخاص ,كان لا يملك عقارات ولا أرصدة في البنوك ولا شركات
ولا فلل وهو زعيم العراق وقائده ,لم يعين أحد من أشقائه أو أولادهم أو أقاربه في أي منصب أو وضيفة ,عندما طلبت منه شقيقته أن يمنحها بيتاً أركبها في سيارته وأخذها الى الشاكرية .
حيث أصحاب الصرائف من الفقراء وقال لها عندما يسكن كل هؤلاء العراقيين في بيوت عندها يمكن أن أمنحك بيتاً ,كان بيته الذي يستأجره بسيط جداً وبقي فيه حتى بعد أن أصبح رئيس وزراء العراق ,كان ينام 2_4 ساعة في اليوم وكان كل وقته لخدمة شعبه ووطنه ,لم يلبس الملابس الفاخرة وقتل وهو في ملابسه العسكرية ووجد في جيب بدلته مبلغ ثلاثة دنانير ونصف وهو كل ما كان يملكه رحم الله الزعيم الوطني النزيه، فما أحوج العراق اليوم لسياسيين يمتلكون بعضاً من وطنية الزعيم الراحل وبعضاً من نزاهته.