الرواية العراقية إنموذجاً 3-3
تجسيد محنة المكونات بعد التهجير قسراً
سامر الياس سعيد
لقد حاول الكاتب باسلوبه المعبر عكس انطباعاته عن تلك الايام المحفورة في ذاكرته، وعلى ما يبدو انها أبت الزوال من مخيلته ، وذلك يبدو واضحا عند سرده للقصص التي كان يشهدها ذلك الحي ومنها احتفالات اهله باعيادهم ومناسباتهم حيث يصف الكاتب اليوم الذي شارك فيه ابناء الحي لاول مرة احتفالهم بعيد (نوسرديل) او ما يسمى بـ (عيد الرشاش) فيعبر عنه قائلا:
( قد تكون هبة القدر هي من كانت تنتظرنا دون ان ندري، تلك الحياة التي ارتدى فيها الله ثوب السلام والمحبة، وارتدى فيها يسوع ثوب خلاصنا من خطايانا لندور موزعين في سماء الشوارع، نركض من شارع لشارع، ومن بيت لبيت، ومن ممر لاخر .. حاملين جرارنا واوانينا وطاساتنا وسطلاتنا حالمين ومتشوقين لاصطياد بعضنا بعض، وبلل بعضنا بعض محتفلين بيومنا العظيم .. اليوم الذي رأينا فيه انفسنا عن قرب، ويوم رأينا فيه الجميع عن قرب ويوم نرى فيه عظمة الحياة التي لنا )..وعلى ذلك الغرار يمضي الكاتب في وصف مناسبات واعياد اخرى تلك التي كان يحتفل بها اهالي الحي المسيحيين كعيد القديس مار كوركيس وعيد الصليب وغيرها..
وما يضيف للرواية هو ذلك الانطباع الجميل الذي ينقله الكاتب للتعايش الاخوي بين ابناء الحي الذي كان غالبيتهم من المسيحيين (الاثوريون) وبينهم عوائل اخرى عربية وكوردية. وما يضيف متعة للقاريء هو استخدامه لكلمات وتسميات اشياء باللهجة العامية تماشت مع البساطة التي اكتنفت الحياة في ذلك الحي، وعكست اكثر بهجة الحياة التي عاشها ابناؤه.
وما يؤشر في النماذج الروائية استخدامها للشخصيات المسيحية بكون الرواية تمثل الجنس الادبي الاكثر قدرة على تطوير طموحات الانسان وتطلعاته وماشسيه وعذاباته ومنذ تبلور هذا الفن الادبي ، لم يقتصر ما افرزه من دلالات على مكان كتابة الرواية او على زمنها التاريخي الذي يؤشر للفضاء السردي بل ابدعت تلك الاعمال الادبية، نماذج انسانية متخيلة عامة تضم تحديدات بشرية في اوج تصاعدها وفي قمة امكاناتها وتناقضاتها ،لكن الامر الاكثر حضورا هو استثناء تلك الشخصيات التي تظهر من خلال الاعلام..
ومن النماذج اتي يمكن ان نشير اليها ايضا بخلاف ما كشفته قراءة رونين زيدل ) المذكورة ما عبرت عنه رواية (سُلاف بغداد ) للروائي (محسن الموسوي) والتي عرضت عنها جريدة (الشرق الاوسط )السعودية قراءة موسعة نشرت بالعدد13930 والصادر يوم 17 كانون الثاني (يناير ) 2017 بقلم الكاتب (شاكر نوري ) حيث تضمنت احدى شخصيات الرواية اسما مسيحيا للعالم العراقي ( يوحنا السرياني) وهي احد الشخصيات التي تبتدئ معها الرواية التي تغوص في العديد من الالغاز والحلول بخلاف نافذة الغرابة التي يتيحها اللقاء بالعالم السرياني ..
ومن الروايات التي افرزت شخصيات اهتمت باعتناق الديانة المسيحية نتيجة تناقض اربكها في رحلتها نحو الاستقرار باحد البلاد الغريبة تبرز رواية (سقوط الاقنعة) للروائي (كلكامش نبيل) ففي روايته الصادرة عن دار الفارابي يتحدث عن قصة واقعية لشاب مسلم يعيش ازمات الاقنعة ليتوصل اخيرا لاعتناق المسيحية حتى يشعر بما كان مفقودا في حياته التي قضم نصفها ضياعه في موجات المسلمين المتشددين ..
اعتناق المسيحية
وبينما تسهب وسائل الاعلام عن موجة لم يمكن اغفالها لجموع من المهاجرين المسلمين ممن تبتسم لهم الحظوظ في الوصول لبلاد الغرب من الاندفاع لاعتناق المسيحية وبدء حياة خالية من ازمات التطرف والتزمت الديني الذي بات مسيطرا على دول الشرق مدخلا اياها في ازمات الحروب التي لاتنتهي ..
ويثير الروائي (كلكامش نبيل )في صفحات روايته التي تتجاوز الـ495 صفحة جدليات عديدة من بينها اجواء التزمت الديني والنظرة الاحادية التي ينظر بها المسلمين ازاء الحيادية التي يبديها البعض دون الجري وراء الفروض الاسلامية لاسيما تادية الصلاة او الصيام من خلال التحدث عن شخصية الطبيب المسلم الذي يحظى بفرصة الاقامة في المانيا دون ان يتورع لوصف شعبه بالكافر..
كما يصور الكاتب محن عاشها مسيحيون وايزيديون تركوا بلادهم هربا من عمليات الاستهداف التي كانت تنال منهم ليستفيدوا من فرص الاقامة التي اتاحتها الدول الغربية، لكنه في المقابل صور بواقعية مفرطة اجواء عالم المهربين والفترات المتباينة التي يحظى بها كل فرد من اجل انتظار دوره في الحصول على فرصة الوصول لارض الميعاد ،وهو الوصف الذي يمنح الروائي للبلاد الاوربية ..
وينتهي مصير بطل الرواية الشيعي (علي الموسوي) لكي ينال التعميد والانتماء لكنيسة محلية ،وهو يعيش ازدواجية حياته التي يقضيها ما بين تصويره للقوة التي فرضها الدين الاسلامي في انتشاره في العالم كما يخبر بذلك صاحب المعمل الذي يعمل فيه قبل حصوله على الاقامة او من خلال حديثه عن الايمان بالمسيح وعمله في مرات معدودة كواعظ للحديث عن رؤياه التي شاهد فيها المسيح ..
ومع تلك الصورة الواقعية التي يمكن ان تتركها قراءة هذه الرواية ،ففي المقابل هنالك صور مشوهة ابرزتها العديد من الروايات التي صدرت في غضون العامين 2016 و2017 وتأتي في المقام الاول رواية (يوليانا) للروائي( نزار عبد الستار) فقد صدرت تلك الرواية بناء على استئثار موضوعة العدالة الاجتماعية على نتاجات الكتاب ولاسيما الروائيين من خلال توظيفهم لهذه الثيمة فيما يدونوه من روايات وحتى قصص حتى استحوذت على النتاج الاكبر من ما يصدر سنويا ..
وتسقيطا لمقتضيات التاريخ الحديث فقد استلهم خليط من المفكرين، الية جديدة للشروع بمسح شامل للبيئة الاجتماعية للعدالة مع ما كانت تمر به الدول والبيئات المختلفة من صراعات نتاج الطبقات المتباينة في المجتمعات العاملة ،فظهرت عبر القرن التاسع عشر انماط جديدة للتفكير بالعدالة ..كل تلك المفاهيم المحيطة بالعدالة الاجتماعية زامنها الروائي العراقي (نزار عبد الستار) في عمله المهدى الى الذين حملوا الصليب وخرجوا من الموصل في 19 تموز من العام 2014 وصدر بعنوان (يوليانا ) .
في البداية يبقى اهداء الروائي ملتبسا اذا ما تاملنا في حثيثياته ففي يوم 17تموز من العام المذكور تداول الموصليون امرا شفهيا بضرورة ترك منازلهم بعد ما قاطع رؤساء الطوائف المسيحية اجتماعا دعا اليه قياديي تنظيم داعش للتداول بشان فرض الجزية على سكان المدينة من المكون المسيحي وفي اليوم التالي الذي وافق الجمعة 18 تموز فر كثير من المسيحيين لكنهم تعرضوا لعمليات سلبهم ونهبهم في السيطرات التي اقامها عناصر التنظيم لتقل الاعداد الفارة من المسيحيين في اليوم الذي اشار اليه (عبد الستار) باهدائه رغم انه كان يضم المهلة المحددة من داعش لفرض خياراته بارغام المسيحيين الباقين على اعتناق الاسلام وفي حال رفضهم فخيار الحد بالسيف متاحا دون ان تبرز حالات واقعية جراء هذا الاجراء المفروض ..
اما في متن الرواية ذات الـ252)) صفحة والصادرة عن دار نوفل في لبنان فهنالك مغالات بالشخصيات التي يسرد تفاصيلها مستعينا بخبرة متاحة من مناخات بلدة (كرمليس) حيث يوظف الشخصية الرئيسية التي تحمل عنوان الرواية وهي (يوليانا )التي ترتبط بعلاقة صداقة مع القديسة الرئيسية للبلدة والتي تمثل شفيعة كرمليس وهي القديسة بربارة التي يحتفل بتذكارها في الرابع من كانون الاول (ديسمبر ) من كل عام .
لقد حفلت شخصيات الرواية المذكورة بالكثير من التكثيف السردي في ايراد الاحداث والمواقع والتي يوظفها الروائي بشكل متسلسل حتى انه لايتحدد بمنطقة (كرمليس) فحسب بل يتجاوز الى بلدات مسيحية سواء في منطقة سهل نينوى او في مواقع ذات اغلبية مسيحية عاشت بمدينة الموصل ..
لكن هنالك من المآخذ التي حفلت بها الرواية نتيجة هذا التكثيف والتوظيف فلايمكن ان يقع الروائي تحت طائلة وصف البلدة بانها تحتوي على اكبر عدد من المغفلين كما جاء في الصفحة 38 او في الصفحة ذاتها التي اورد فيها اسماء كنائس سواء بطريقة خاطئة او مثل مازينا او كنيسة قلب يسوع التي لاوجود لها في المناطق المحطية بالبلدة ..
التعاطف الذي ابرزه الروائي (نزار عبد الستار) مع (ججو) المعاق او مع نجله (حنا) تحت طائلة ابراز تعاطف الشخصيات الدينية مع ذوي الاحتياجات الخاصة في ظل ابراز حاجة المجتمع لمفهوم العدالة الاجتماعية ،يبدو بالامر المناسب لكن نظرة الروائي العراقي تجاه الاخر المختلف في المكون والديانة لا تتيح تمرير ثقافة تقصي الاخر، من خلال تلك النتاجات وتستدعي جهدا كبيرا من نخبة مثقفينا واداؤنا للاضطلاع بمهام التنوير ازاء الشخصية المسيحية التي عادة ماتكون نمطية في كتابات الروائيين والقصاصين ،حيث لاتخرج من اطار االافراط بالسذاجة والتمسك بالتقاليد المتوارثة، كما مرر( نزار عبد الستار )نظرته للمجتمع المسيحي لاسيما في هذه البلدة او عبر صورا اخرى ملموسة في كتابات اخرين ..
وقد ذكر احد المقربين من الروائي (نزار عبد الستار) بانه قرأ مسودة الرواية المذكورة في عام 1998 بعد ان انجزها (عبد الستار) في منتصف التسعينيات ولم يرغب بنشرها ..
لكن المثير في الامر ما ابرزه موقع المونيتر وهو وكالة صحافية عالمية نحو هذه الرواية في سياق تقرير نشر في تموز (يوليو ) عام 2017 ونشره (وسيم باسم ) تحت عنوان (المسيحيّون… “عودة مشروطة” إلى محافظة نينوى) حيث ادعى ان (نزار عبد الستار) هو مسيحي واشار ، بما نشره نصا قول الإعلاميّ والكاتب نزار عبد الستّار (مسيحيّ)، الذي سلّط الضوء على جذور المسيحيّين الضاربة في أرض العراق ومعاناتهم عبر التاريخ في روايته “يوليانا”، لـ”المونيتور”: “إنّ الغالبيّة العظمى من المسيحيّين الآن تجد الملاذ والعمل في المناطق الكردستانيّة وأوروبا وأميركا، وإنّ عودتها يشوبها الكثير من الحذر، نظراً لغياب الفعل الحكوميّ الموجّه. وإذا ما أخذنا في الاعتبار أنّ البنية المسيحيّة في الموصل هي ريفيّة في طابعها العام، فإنّ المسيحيّين عموماً لا يتلقّون الحماية الكافية ولا التيسير المطلوب من السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة في العراق. ولهذا، فإنّ العودة المسيحيّة اليوم تعتمد على المجهود الإجتماعيّ البحت”.
لذلك تبدو الغرابة واردة في دمج الرؤية الاعلامية ، بما تم انتاجه من نصوص ادبية حتى التبس الامر على الكتاب والباحثين ، وبناء على تلك الرؤية الملتبسة انتج ادباء وكتاب عرب رواياتهم خائضين ذلك المارثون الفوضوي في ابراز معلومات مغلوطة ومشوهة عن المسيحيين..
ومن تلك الشواهد ما قدمته الروائية الاماراتية ( ايمان اليوسف) التي قدمت روايتها (حارس الشمس ) لتكون صورة مشوهة عن مسيحيي الموصل ،ومنها ينطلق المثل الشائع (شر البلية ما يضحك )، حيث ينطبق تماما على السرد الذي قدمته اليوسف في سياق روايتها والتي تحدثت من خلالها عن ماسأة مدينة الموصل حينما سقطت بيد تنظيم داعش .
البلية الضاحكة
وسر البلية الضاحكة ان الروائية التي تكتب روايتها في ظل برنامج دبي الدولي للكتابة حيث انجزتها باشراف الروائية (نجوى بركات ) واستعانت في ظل عدم معرفتها بخفايا البيئة الموصلية بالعديد من المصادر التي تقدم الاهداء لهم فضلا عن الاثار العراقية التي ما كان موجودا منها حتى عام فقط واختفى الى الابد .
وتتمحور الرواية حول شخصية موصلية تعمل في جامع النبي يونس (ع) الذي فجره عناصر التنظيم في الاشهر الاولى لسيطرتهم للمدينة ، وتنطلق من بين السطور لغة موصلية تتيحها الروائية لترسيخ ما تبتغيه وهي تتحدث عن المدينة السليبة والتي لاتكتفي بانها توثق ما جرى فيها ابان سيطرة التنظيم لكنها تؤرخ لروايتها ازمنة سبقت الاحتلال الداعشي حيث تطلق شخصية مقحمة في ازاء السرد الذي تقدمه من خلال شخصية الجندي المسيحي علاء لكنها تشوه الشخصية المسيحية التي كانت تقطن المدينة من خلال تذبذب الشخصية المذكورة وعدم استقرارها حيث تسرد الروائية احداثا خيالية عن هذه الشخصية لاسيما حينما تتحدث عن طلاقه فضلا عن استخدامه من قبل الحجي حسين منصور في تهديد عائلة من المكون الشيعي بغرض الاستيلاء على منزلها في المدينة ..
وهنا تكمن البلية الضاحكة حينما تستحضر الروائية شخصية مسيحية طالما كانت الاكثر حضورا في مشاهد التهديد والخطف والقتل ابان السنوات التي سبقت تماما سيطرة تنظيم داعش على المدينة ..
وهذا الامر يتوجب ان يكون مؤشرا من قبل النقاد العراقيين الذين لم يشيروا الى ضعف النتاج الخليجي ازاء المحنة التي عاشها العراقيون برغم ان لاصداء المحنة التي عاشها العراقيون محاور عديدة في الاعلام العربي وكيفية التعامل معه خصوصا وان محنة المسيحيين حينما هجروا قسرا من مدنهم لم تكن في محور الاحداث الرئيسية التي اصدت لها الفضائيات العربية وبالتحديد المختصة بنقل الاخبار والاحداث العربية كفضائيتي (الجزيرة )القطرية و(العربية )السعودية ، واللتان كانتا مشغولتين بنقل الهجوم الاسرائيلي على مدينة (غزة) الفلسطينية دون ان يكون هنالك حيز ولو بسيط لحرف النون الذي وسمه الدواعش على بيوت المسيحيين والدمار الذي الحقوه بكنائسهم واديرتهم حتى وما بعد التحرير..كما في السياق ذاته نعرج على رواية اخرى صدرت مطلع عام 2017 وكانت بعنوان (على مائدة داعش ) وهي الرواية الاولى للروائية السورية اللبنانية (زهراء عبد الله )وقد عمدت الكاتبة لتوثيق جرائم تنظيم داعش بحق الايزيديين ، حيث تستحضر الروائية بتجربتها الروائية هذه شخصية فتاة ايزيدية تدعى (يوفا )، وما تعرضت له عند دخول التنظيم لقريتها في (سنجار ) ورحلة سبيها الممتدة ما بين الرقة ومدينة الموصل..
وفيما تؤكد كاتبة الرواية ان جميع الشخصيات الواردة في سياق سردها خيالية ، الا ان ما استوحته من مناخات الرواية وبيئتها جاء عن طريق ابحاث مكثفة حول ما جرى لمئات الايزيديات وشهادات الناجيات منهن ..
ولم يقتصر سرد الرواية على شخصية يوفا ومعاناتها فحسب بل اقحمت الروائية شخصية فتاة مسيحية تدعى ماريا وذلك في الصفحة 141 حينما عادت يوفا من رحلتها القسرية من الرقة للموصل واشتراها امير افغاني يدعى (سيف) حيث تشير الكاتبة الى ماريا زوجته دون ان تشير بالمقارنة لمصير يوفا كسبية مثلما كررت تلك المفردة مرارا ..
ورغم ان ماريا تقول ليوفا ( اننا متشابهتان)..وتعيد ما قالته مجددا حينما تقول حتى لو انك ايزيدية وانا مسيحية نحن متشابهتان حيث تستعرض ماريا شهادة مبتورة عما حل باقرانها من مسيحيي الموصل فتقول انقلبت الموصل منذ دخول التنظيم كثير من الناس هربوا ومن لم يستطع الهروب بقي في منزله واعتقد بانه اذا لم يخالف قواعدهم سينجو الا ان الامر ليس بهذه السهولة مع هولاء الكائنات ..
وتضيف ماريا في شهادتها عشنا اسوأ ايام حياتنا لقد خيرونا بين ان ندفع لهم جزية او ان ندخل الاسلام وهناك عائلات خيروها فقط بين الاسلام او الرحيل وقاموا بتجاوزات لم يستطع احد الوقوف بوجههم تخيلي انهم كتبوا على كل بيوتنا حرف( ن) كعلامة (ولاتذكر مغــزى الحرف ولماذا كتب)..
وتحدثت عن ارغامها بالزواج من الامير الافغاني (سيف ) بعد اعتقال ابيها وكانها تذكر الشي الايجابي في هذا الامر حينما قالت لوكنت مكاني ماذا ستفعلين ؟
وفي سياق الرواية تسرد الروائية عددا من المشاهد التي تؤكد انسجام ماريا مع زوجها المفترض بالمقارنة مع معاملته ليوفا الايزيدية حتى ينتهي حضور ماريا بالفرار مع سيف الافغاني الذي يأمر احد اتباعه بالقول خذ السبية الى بيت امن ، وفي ما بعد ترسلها الي ..
صورة ملتبسة
هذه الصورة الملتبسة حول المسيحيين ، وتقديمهم في سياق الرواية كأنهم يتعاونون مع التنظيم ضد الاخرين ممن ذاقوا الامرين ،تجعلنا نضع مئات الاسئلة حول المغزى خصوصا وان الرأي العام تعامل ايضا بازدواجية ، حينما مرر ذكر الابادة التي تعرض لها الايزيديون دون ان يذكر ذات الشي فيما يخص المسيحيين الذين عانوا من محنة النزوح الشيْ الكثير..
كما ان الرواية تتعامل مع ارغام المسيحية ماريا بالزواج من الامير الافغاني وكانها تعتبره امرا اعتياديا للغاية وهذا نابع من بيئة الكاتبة دون ان تتمكن ابحاثها من كشف اغوار البيئات الاخرى في العراق مثلا وكيفيىة تعاملها مع زواج المسيحية من مسلم او بالعكس وهذا برايي نابع من تقصير الاعلام في التعامل مع هذه القضية المشحونة لتاكثير من المعطيات والتي راها الراي العام من جانب القرارات السياسية من خلال ازمة قرار اسلمة القاصرين الذي شغل الراي العام لفترة وانشغلت العديد من الاحزاب والكيانات باثارتها حتى خفت وطاته ولم يعد اي شخص يتطرق للامر وكانه اصبح امرا واقعا دون ان يكون هنالك مثل تلك الضجة في الاستمرار بايجاد حلول ومعالجات ليست مقتصرة في التعامل مع هذا الامر، فحسب بل مع غيرها من الامور التي ينبغي ان يكون الادب نافذتها للحديث عنها والتطرق اليها مثلما حظيت مأساة الايزيديين بالكثير من التعاطف الذي دفع بتلك الكاتبة اللبنانية السورية لابرازها في عملها الادبي بالمقارنة مع ما تعرض اليه المسيحيون والذي لم يأخذ حيزا في المشهد الادبي الا باستثناءات قليلة ..
ولايقتصر الامر على الروايات التي ابرزت جوانبا موسعة من محن المسيحيين على اثر سيطرة تنظيم داعش، فحسب بل هنالك رواية (بندقية ابي) التي قدمها الروائي (هنر سليم) وصدرت في شباط (فبراير )عام 2004 باللغة الفرنسية ، وترجمت لاكثر من 30 لغة في شتى انحاء العالم ..
حيث حققت على وصف مترجم العمل الى اللغة العربية (سعيد محمود )نجاحا كبيرا في اوربا وامريكا حيث نشرت الرواية بترجمتها العربية في عام 2015 ومهما تحدث واسهب المترجم عن النجاح الذي اصابته الرواية المذكورة والتي حملت طابعا سير ذاتية من خلال ما اشار اليه مؤلف الرواية من نضال الكورد وجهودهم لتامين الحكم الذاتي لمناطقهم في شمال العراق الاضطهادات والاستهدافات الني نالت من كثيرين خصوصا في فترة حكم نظام البعث ..
لكن في المقابل عمد الكاتب (هنر سليم) لتهميش النضال الموازي والذي ابرزه المتعايشون من المكونات الاخرى في الاقليم فيقتصر بالاشارة الى نادل اشوري في احد البارات في احدى مدن الاقليم ..
واذا ما استأثرت الرواية العراقية الصادرة بعد عام 2003 بالاهتمام والتمحيص والدراسات فقد ذكر عن ذلك الاكاديمي الدكتور (عبد الستار جبر) في سياق عدد خاص من مجلة( الاقلام) اهتم بالرواية العراقية بعد عام 2003 وصدر في حزيران 2015 بالعدد الثاني من السنة (50) فيقول (جبر )بانه منذ ذلك العام بدات الروايات تتوالى بالصدور حتى بلغ عدد الروايات الصادرة خلال 12 عام ما يقرب من 600 رواية في مشهد لم يالفه تاريخ العراق الحديث بمثل هذه الكثافة ..
ويتابع الدكتور (جبر) في مقالته المنشورة بمجلة( الاقلام ) بان هذا المشهد يقودنا للبحث عن اسباب هذا التحول باعتبار ان العراق يعتبر امة شعر مضيفا بان العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية تطل براسها على الفور لكنها ليست بالكافية لتفسير هذا الحراك الفاعل والمتصاعد في انتاج الرواية ،فثمة تحولات دراماتيكية في المشهد العراقي منذ عام 2003 حيث افرزت تجاذبات وتقاطعات وتناقضات سياسية ودينية واقتصادية واجتماعية وفكرية احتدمت فيما بينها ولازالت ، عصفت على ما يبدو بسكونية الذهنية العراقية التي نجحت الدكتاتورية وانظمة الحكم السابقة قبل هذا العام بتوطيدها الى حد ما ..
لذلك فقد برزت من خلال النماذج الروائية والتي عرفها المشهد الثقافي العراقي لما بعد عام 2003 مستويين متنازعين من الاحداث السردية، التي عادة ما استعانت بالشخصية المسيحية كمحور يكاد يكون رئيسيا ومرتكزا لتبلور الاحداث الرئيسية، او تارة تكون تلك الشخصية ذات دور ثانوي ..
وغالبا ما تكون المستويات ذات نزوع نحو استجلاء فترة نظام حكم البعث وفيها كان يبث المسيحيون هواجسهم وارهاصاتهم سواء من كان يسعى لمسايرة تلك الفترة مرغما ليؤدي ادوار فضفاضة عليه مثلما تبدو شخصية( ابو يعقوب) في رواية (سقوط سرداب) للروائي (نوزت شمدين ) والشخصيات المهادنة التي ابرزتها الروائية (غادة صديق) او ذات بعد حميمي عبر شخصية المسيحي في رواية (شتات نينوى ) لتكون تلك الشخوص التي اكتنزتها روايات ما بعد عام 2003 بمثابة معايير ثقافية جاهزة ، تجعل الانسان موضوعها الرئيسي ، في ظل كبح التفرد ومحو الميراث الاسطوري واحلال نظام الطاعة والخوف محل الشراكة والانتماء الذي بقي في اغلب تلك الروايات حبرا على ورق ..