بغداد – ضحى عبد الرؤوف
يسعى الكاتب والروائي العراقي شاكر نوري إلى التعبير عن الهوية العراقية عبر الموضوعات الاجتماعية والإنسانية في رواياته من خلال مواقف الشخصيات الروائية.
و روايات نوري الذي يعبر من خلالها عن دواخله، ويقول عنها :”إذا عجزت الرواية عمّا أردت قوله يعني الفشل في هذا الفضاء الغني”.
ويرى نوري انه يمكن أن “يُقال في الرواية ما لا يمكن قوله في أي مكان آخر، وهنا تكمن معجزة الرواية”.
في روايته الأولى، كتب عن الحرب العراقية الإيرانية، واختار فردًا واحدًا من الضحايا، وهو الجندي عبد الرحمن، العائد من الحرب حاملًا شظيّة في جسده جعلته عاجزًا أن يعيد حياته ويتزوج بسبب العاهة التي أصيب بها.
لم يتوقف الأمر عند ذلك لكن العجز امتد إلى العائلة والمجتمع والعالم الذي يعيش فيه، فولدت رواية (نافذة العنكبوت)، ثم جاءته برقية أخرى من أمه تطلب منه نقل رفاة الأب من المقبرة القديمة إلى المقبرة الجديدة لأن البلدية قررت إزالة المقبرة وبناء دار سينما عليها.
وفي رحلة البحث عن الأب، ولدت رواية (نزوة الموتى) في رواية “ديالاس بين يديه” ــ وهي الجزء الأول من سيرته الروائية ـــ استعاد فيها سنوات طفولته.
يقول: كتبتُ عن ذلك الطفل الذي حاول أن يسير ضد تيار النهر الذي يقعُ بيته عليه. أراد أن يكتشف ذلك الطفل منابع النهر الذي يجري في مدينته الصغيرة عابرًا إلى دجلة ثم إلى البحر. وهذه السيرة الروائية تتكون من المدن، أولها جلولاء، فموقعة جلولاء حدثت في سنة 16 للهجرة الموافق 637 ميلادية، بعد فتح المدائن حين حاصر المسلمون، الفرس فطاولهم الفرس وجعلوا لايخرجون عليهم الا إذا أرادوا وقد زاحفهم المسلمون بجلولاء ثمانين زحفاً، بقيادة سعد بن أبي وقاص، فانهزم أهل فارس.
في رواية “سونيتا بغداد” يُرصد ذلك الشاب الذي قدم إلى بغداد، وعاش فيها تجربة التمرد واعتناق الآراء السياسية.
رواية “أرواح باريس” التي ستصدر قريبًا.. تؤرخ لباريس التي أمضى فيها الكاتب ثلاثين عامأ.
أراد أن يكتب عن الخلود فلم يجد أفضل من ملحمة جلجامش ليستوحي منها روايته “كلاب جلجامش” عن ثلاثة أصدقاء تركوا البلد، أحدهم عاد عندما اكتشف أن بلده يعني الكون. وبعد موت أحدهم كان قد ارسل وصيته لصديقه لنقل رفاته إلى بلده، وهناك يجد أن الموتى يُمنع دخولهم لأن كل ما كان في البلد أصبح خالدًا. ودخول أي ميت يعني أن يعيد تجربة الحياة من جديد.
رواية (شامان) تتحدث عن تعلق رجل بصقره. عندما أراد أن يكتب عن المحتلين الأميركيين لبلده، اختار أن يدخل إلى سجن بوكا الرهيب الذي شيده المحتل الأمريكي في صحراء الفاو في كرفانات مؤقتة ليزيله متى ما شاء لكن الرواية كانت له بالمرصاد. فهي الوثيقة التاريخية والخيالية الوحيدة الموجودة عن ذلك السجن الذي لم يسمع به أحد، وكان يضّم أكثر من 25 الف سجن لاقوا صنوف التعذيب.
رواية (جحيم الراهب) تروي عن الآشوريين المسيحيين الذين هاجروا إلى بيروت وأقاموا ديرهم الذي مارسوا فيه طقوسهم إلى أن يأتيهم الأب جوزيف ويغيّر عاداتهم وطقوسهم ومن ثم (خاتون بغداد) التي حازت على جائزة كتارا في 2017 تجسد تاريخ العراق في مئة عام.
في (طائر القشلة) يجد القارئ صراع الجمال والقبح، والمليشيات التي تغتال الجمال. أما (الرواية العمياء) تكشف عن تجسس المبصرين على العميان.
روايته المقبلة هي (الطاعون يا بغداد .. الطاعون) ستصدر قريبًا مع رسوماته لأول مرة، فيها عودة إلى العام 1830 وبطلها والي بغداد المتنور داود باشا، الذي اختطف كطفل في الحادية عشر من عمره، واستطاع أن يصبح واليًا على بغداد، فهو شاعر وفقيه وصوفي وحاكم.
يقول نوري أن موضوعات رواياته هي الجزء الظاهر من جبل الثلج، و إن ما كتبته هو التاريخ المخفي من العراق، لأن ما يُكتب في الرواية لا يمكن أن يُكتب في مكان آخر. ولا يمكن لكتابة التاريخ أن تكون بمعزل عن الخيال، فما يُدبج في الصحافة والتاريخ والاجتماع في معظمه هو لا يعبّر عن حقيقة العراق لأن المصالح تتدخل في هذا التاريخ والروائي لا مصلحة له سواء الوفاء للحقيقة. ولهذا حضور الروائي في المشهد هو حضور وجودي في الدرجة الأولى. وهو الرائي الذي يستشرف أفق المستقبل.
ــ أين هو الكاتب العراقي من تداعيات الوضع الاجتماعي الشائك بين الدين؟
ــــ قلت مرارًا أن كل متر مربع من العراق بحاجة إلى رواية لكثرة ما شهد من حروب وكوارث واقتتال وتوتر وظلم. لدينا واقع كثيف وعميق ولكن الروائيين العراقيين ينحسرون عن هذا الواقع لأسباب متعددة أهمها الوعي والظروف السياسية. فقد شهد العراق احتلال أكبر دولة له بحجج واهية ومزيفة ومزعومة ولكن كم رواية كُتبت حول الاحتلال؟ . يعيش العراق محنة الطائفية والمذهبية وفكرة المكونات التي جاء بها المحتل الأمريكي، كما يعيش العراق تمزقًا جغرافيًا أيضًا. لذلك تصبح مهمة الروائي صعبة للغاية، فهو يجب أن يعبّر عن هذه الأوضاع بلغة روائية وبطريقة شفافة بعيدًا عن الشعارات لأن الموضوع ليس مهمًا في الرواية قدر الطريقة الأدبية والفنية التي نعبر عنها. وكلما ابتعد الروائي عن المباشرة يكون عمله الابداعي متألقًا ويعيش لمدة طويلة. على سبيل المثال، كُتبت الكثير من القصص والروايات عن الحرب العراقية الايرانية بايعاز من النظام السابق ولكن تلك لا أهمية لها في تاريخ الأدب. وهكذا مثلما اليوم تقدم مسرحيات ورايات عديدة تمتدح الأوضاع الحالية لا قيمة لها أيضًا.
ــــ أين تقف اليوم؟ وكف تصف رحلتك باختصار؟
ـــ في مجال الرسم ، بدأت منذ عامين بممارسة هذا الفن الذي غيّر مجرى حياتي. بدأت حياتي المبكرة مترجمًا لأنني درست اللغة الانجليزية في بغداد، وأخذت مقالاتي المترجمة تأخذ طريقها إلى الصحافة العراقية في مقتبل السبعينات، ثم كتبت القصة القصيرة، وبعد ذلك هاجرت العام 1977 إلى باريس، وتعلمت اللغة الفرنسية التي درست مبادئها في بغداد، وهكذا اشتبكت مع الثقافة الفرنسية. وفي العام 2000 نشرت روايتي الأولى “نافذة العنكبوت” التي أدت إلى كتابة المزيد فضلا عن الترجمة. وعندما انتقلت إلى الإمارات بدأت استعدت نشاطي المكثف في الصحافة. وهكذا أراني أشتبك مع هذه العوالم وهي تعود إلى تعقيد الحياة المعاصرة، فنحن لا نستطيع أن نبقى متفرجين على ما يدور حولنا من نشاطات ثقافية.
ـــ أين أنت من ثقافة الشارع العراقي اليوم؟
ـــ لثقافة الشارع أهمية كبرى للروائي، فهي تزوده بالمادة الحيوية، ويمكنني القول أنني أشعر باني في قلب الشارع العراقي رغم ابتعادي عنه لمدة طويلة. لقد عبرت عن صميم هذا الواقع لأنني أعيشه وجدانيًا. ولكن على الروائي أن يحول ثقافة الشارع إلى ثقافة راقية ورفيعة، وهذه مهمة الفن أن يحوّل الواقع إلى أسطورة ثم يحيلها إلى الواقع، أي أنه يعيد ثقافة الشارع ويعيشها ويضيف إليها كما فعلت في رواية “طائر القشلة” عن الفنان العراقي الشاب الذي اغتالته المليشيات لأنه خرج عن الصندوق الذي يفكرون به، ولم يكن يقترف ذنبًا سوى أنه تعلق بالجمال وعبّر عنه سواء في ملبسه أو سلوكه أو فنه.
ـــ أعمال شاكر نوري وترجمتها إلى عدة لغات، هل تفكر بذلك؟
ـــ روايتي “خاتون بغداد” حازت على جائزة كتارا للرواية العربية، و ترجمت إلى اللغتين الانجليزية والفرنسية. الترجمة ضرورية لكي يتعرف العالم الآخر على ما نكتب نحن العرب ولكن عملية الترجمة خاضعة للأهواء والمصالح والعلاقات والجوائز وغير ذلك.
لا توجد خطة قومية لترجمة أعمالنا إلى اللغات الأخرى. فهي أما تقوم بجهود فردية من قبل الكتّاب أنفسهم أو من خلال بعض المؤسسات التي تكون اختياراتها خاضعة إلى عدد من المعايير غير الواضحة. ولكن أرى أنه لا الجوائز ولا الترجمة تخلق كاتبًا.
ـــ ماذا تكتب في الوقت الحاضر؟
ـــ روايتي الجديدة هي “الطاعون .. يا بغداد” .. أعود فيها إلى العام 1830 حيث عصف الطاعون ببغداد وقتل ثلثي سكانها وترافق ذلك مع الحصار والحرب والفيضان في عهد الوالي المتنور داود باشا. إنها رواية تعيد كتابة التاريخ وتفاصيله برؤية روائية معاصرة.