الروائية لينة كريدية تتحدث لـ«الزمان» عن الفرق بين الثرثرة والحبكة
أتدفأ بنجوم بيروت وأهمش الرقيب ثمّ أعانق القارئ
حوار ــ خلود الفلاح
لينة كريدية روائية لبنانية تكتب لان هناك متعة خفية في الكتابة تجعلها تري الكون بتفاصيلها، تكتب عن نساء يشتركن في القلق والتفاصيل والبحث المستمر عن دفء، يجمعها التناقض وتعلل ذلك بأن هذه الشخصيات هي التي تلفت الانتباه كونها غير تقليدية ومتمردة، كذلك حاولنا اكتشاف جانباً من تجربتها في هذا الحوار.
û لماذا تكتبين؟
ــ أكتب من أجل متعة الكتابة والبوح بما نشعربه، بما نراه بما نفكر فيه… أكتب لأنني أحب هواية حبك الأخبار. فليس من الضروري أن يكون هناك هدفاً محدداً من الكتابة، صحيح أنه يمكن للروائي أن يلعب دور المسيح المخلص لحل مشاكل أو أزمات الناس، لكن الأصح هو أن ينظر الروائي عميقاً في النفس الإنسانية وأن يضع إصبعه علي الجرح ويلقي الضوء علي حالات نفسية أو أحداث أو مشاكل يمكن أن تواجهنا في الحياة… والحل أو تصوّر الحل يبقي رهناً بالمجتمع ككل وبأصحاب الإختصاص.
û نصك الروائي…. إلي ماذا يطمح؟
ــ كما أسلفت سابقاً إلي تسليط الضوء علي مشاكل أو أحداث إنسانية نعيشها بشكل مباشر أو غير مباشر، نكون علي تماس بها أو نمر بقربها… ولكي نستطيع الوصول فعلاً إلي حقيقة هذه المشاكل وجب علي الروائي أن يتمتع بقدر من الدراية بعلم النفس كي يستطيع أن يحبك الشخصية الرئيسية أو الشخصيات كافة الواردة في روايته، لأن الرواية الحديثة لم تعد مجرد سرد ثرثري كما في السابق بل هي جزءاً أو أجزاء من الواقع الذي نعيشه وما يحتويه من تناقضات مختلفة.
û نساءك حزينات، متفوقات، متخاصمات مع الجسد ومتصالحات معه، كيف عالجت هذه الثنائية المتناقضة من خلال أعمالك الروائية؟
ــ الإنسان مخلوق تركيبته معقدة وتسكنه التناقضات بشكل عام، وهذا الأمر أكثر وضوحاً لدي العنصر الأنثوي ربما لأن المرأة عفوية وصادقة أكثر في التعبير عن نفسها وأكثر تأثراً بما يدور حولها لأسباب عدة… والشخصيات التي تبرز لديها هذه التناقضات هي الشخصيات التي تلفت النظر كونها غير تقليدية وتشعر لديها بنوع من التمرد.
وفي زمننا هذا الذي تسوده التكنولوجيا، فقد أصبح من السهل الحصول علي أي شيء تقنياً أو افتراضياً، وبالتالي فإن التعقيدات أصبحت أكبر وأكثر شمولية، فما تفاصيل شخصياتي إلا انعكاس لما نعيشه اليوم من تناقضات سواء علي مستوي الموجات العالية أو المنخفضة في أحلامنا وطموحاتنا الكبيرة إلي الإخفاقات المتعششة في يومياتنا والتي باتت تؤثر فينا وتسيّر نمط حياتنا.
û في روايتك” خان زاده” ليس هناك شخصية محورية أو رئيسية، كل الشخصيات كانت مؤثرة وان كان بعضها حصل علي نصيب قليل من الحكي ورقياً. كيف ترين المسألة؟
ــ هذا الأمر صحيح تماماً، في رواية “خان زاده” حبكات مختلفة وأحداث صغيرة تغزل النسيج الأساسي للقصة، وقد كتبتها بلغة مضغوطة ومختصرة أردت من خلالها كما أسلفت تسليط الضوء علي معطيات وأحداث موجودة في مجتمعنا إنما بطريقة سريعة متماشية مع روح العصر التكنولوجية كالخبر العاجل علي الفايسبوك أو تويتر، أي السرعة في نقل الأحداث مع تكثيف للأفكار مع الإبتعاد عن الوصف والإسهاب في شرح التفاصيل والصياغة الإنشائية الصعبة للحدث أو الخبر.
û في أعمالك تكتبين سيرة للوطن أو سيرة للإنسان اللبناني . بمعني كل ما يكتب علي الورق ليس محض خيال إنما هو جزء من الواقع أو يشترك معه في صفات. ماذا تقولين؟
ــ يتجلي هذا الأمر بشكل واضح في عملي الأول “خان زاده” الذي تختلط فيه صورة الوطن مع الإنسان والواقع والإحلام المتكسرة كحلم القومية العربية. بينما في “نساء يوسف” تطرقت أكثر إلي مشاكل المراة في الخليج العربي وما تعانيه نتيجة السيطرة الكاملة والمطلقة للذكورة علي كل جوانب الحياة هناك.
يحتوي العملان علي حركات واقعية أضفت إليها بعضاً من خيالي، فهما رواية وليسا قصة أو سيرة ذاتية. وهنا تكمن جمالية النص في جمعه ما بين واقع وحلم وخيال الذي قد يكون عبارة عن تجليات ممكن حدوثها في أي وقت معي أو مع غيري من النساء.
û رغم التقدم الذي تشهده البلاد العربية. مازالت المرأة الكاتبة تكتب تحت وطأة الرقابة الذاتية. لماذا؟
ــ حرصاً علي المجتمع والبيئة المحيطة تقوم المرأة بالرقابة الذاتية أثناء كتابتها للرواية أو للأحداث، لكنني في كلتا الروايتين لم أقم بهذا الأمر بل تركت ملكة الكتابة لدي تتصرف علي سجيتها. بدأت رواية “خان زاده” بكأس النبيذ وأنهيتها به أيضاً، الأمر الذي أثار حفيظة بعض العائلة والمجتمع البيروتي المحافظ الذي شاءت الأقدار أن اكون منتمية له، فتم اعتبار ما أقدمت عليه خارجاً عن المألوف أو تخطياً للحدود بينما هو أمر بسيط جداً واعتيادي وموجود بشكل علني!
أما في عملي الثاني “نساء يوسف”، فقد تطرقت إلي المثلية الجنسية واللجوء الخاطئ إلي الدين كتعبير عن الضعف أو للتغلب علي هشاشة الوضع الإنساني.
ورغم حريتي التامة في الكتابة، إلا أنني أستيطع أن أتفهم ظروف وتجارب الكتابات النسائية الأخري التي تقيم حدوداً نظراً لأن مجتمعنا لا يرحم وفي الأمور الحساسة لا يقبل أنصاف الحلول لأن الأغلبية متطرفة في إصدار أحكامها حيث ما زال هامش التقاليد والطقوس والعادات التي ننسبها إلي الدين هي المحرّك الأساسي لوجداننا الإنساني.
û إلي أي حد يشغلك القارئ؟
ــ يشغلني القارئ إلي الحد الأقصي في الإمساك بالكتاب أو الرواية وقراءتها للآخر بكل حماس وشغف. لا أطيق ذرعاً بأن نبدأ بقراءة الرواية بنشاط ثم نمل بعدها فإما أن نتركها أو نكملها من باب رفع العتب، وهذا ما يحصل معي أحياناً.
أحب أن يعيش القارئ في تفاصيل الرواية وأن يشعر بأنه معني بها، ولهذا أحاول أن أستخدم الأسلوب السريع والكثيف كما أشرت في إجابة سابقة لتسليط الضوء علي أمور موجودة إنما متخفية مثل اللهو الجنسي عند البنات وهن صغيرات أو العلاقة الجنسية التي تجمع المربية بالقاصر، أي التحدث عن أفكار جديدة غير مستهلكة وغير مبتذلة.
û هل لديك طقوسك الخاصة في الكتابة؟
ــ إنه من الأمور البديهية، ولي طقوس خاصة زمنية ومكانية، لعل أهمها الزاوية التي أجلس فيها في منزلي الجبلي الذي يطل علي بيروت والبحر حيث الأفق المفتوح، وحتي أستطيع رؤية التقاء النجوم والقمر أضواء بيروت المتلألئة في المساء، فالأفق شيء أساسي بالنسبة لي لأنه تعبير عن الحرية اللامحدودة وعن سعة الحياة. إضافة إلي ذلك، هنالك الموسيقي وأشياء أخري خاصة لآ أحبذ التحدّث عنها.
û بين “خان زاده” و”نساء يوسف” عاما كاملا. هل أصبحت الكتابة الروائية لديك أكثر نضجاً؟
ــ بين الروايتين تراكمت لدي تجربة تعلمت من خلالها أن أعير اهتماماً أكثر للتفاصيل ولخلفيات الشخصيات التي أضعها في الرواية. هذا الأمر يوجب عليّ إجراء بحث سيكولوجي وسوسيولجي علي حد سواء أثناء قيامي ببناء هذه الشخصيات. ففي “نساء يوسف” تحديداً قمت بأبحاث مختلفة وعديدة ساعدتني علي التعرّف أكثر علي الأشياء، علي سبيل المثال تعرّفت علي مقومات الجنس عبر الهاتف والأسباب الكامنة وراء تعلق الرجال الشرقيين بهذه الظاهرة وما هي اللذة أو المتعة التي ينشدوها من خلال الأحاديث أو سماع أصوات مثيرة!!
وهذا الأمر أطبقه علي الرواية القادمة التي ما زالت تخضع للدرس، لأن الأمور أصبحت أكثر تعقيداً ولم يعد من المقبول استسهال العقول، فأنا في الوقت الراهن أقوم بدراسة ظاهرتين هما العنف الأسري بأشكاله المختلفة والذكورة المتخيلة في المشرق العربي.
û برأيك.. هل أصبح للرواية العربية ملامح خاصة؟ وهل للسرد العربي ما يميزه عن غيره؟
ـــ في الرواية العربية هناك اختلافات فردية تميّز كاتب عن آخر تتعلق بأسلوب كتابته وبكيفية طرح إشكالية الرواية، لكن ليس هناك ملامح عامة مثلما يحدث في الرواية اليابانية أو الرواية في أميركا الوسطي واللاتينية.
û في ” خان زاده” كتبتِ عن نساء تعلمن ودفعن ثمن تفوقهن وفي “نساء يوسف” كتبت عن تجارب إنسانية نسائية أعمق.هل للتراكم الحياتي والمعرفي دوره في البحث عن هذه التجارب والكتابة عنها؟
ــ لقد أوضحت لكِ بأن تراكم التجارب الذي حدث معي في الوقت الفاصل بين الروايتين زاد من ملكة التعمّق في الطروحات، فالرواية تجمع أفعالاً حقيقية وخيالات يضاف إليها أشياء من ذات الكاتب، وتأتي الحبكة بالإستناد إلي أحداث وظروف مختلفة، فالداد نعيمة إحدي شخصيات “نساء يوسف” هي الخادمة السوداء التي تهرب من البؤس والفقر وسفاح القربي والعنف خارجة عني تماماً لكن قراءاتي واستقائي للمعلومات حولها أعطاني القدرة للتحدث عنها بإسهاب.
/2/2012 Issue 4116 – Date 7- Azzaman International Newspape
جريدة «الزمان» الدولية – العدد 4116 – التاريخ 7/2/2012
AZP09