الروائية الأمريكية لويز إردريك تتطلع نحو وهج اللغة
شظايا ذاكرتي مدفونة في قصصي
حاورها ديبورا تريسمان
ترجمة بشار عبدالله
لويز إردريك 1954 ــ كاتبة أمريكية من أصل ألماني، حاصلة على شهادة ماجستير آداب في الكتابة الابداعية من جامعة بوسطن. لديها عشرات الكتب بين الرواية والشعر والقصة القصيرة وأدب الأطفال من أبرزها روايات دواءالحب ، ملكةالبنجر ، المسارات ، زوجة الظبي ، أربعة أرواح . في هذا الحوار تعرض لجانب من تجربتها وافق تطلعها
تدور قصتك نيرو المنشورة في عدد مجلة نيويوركر الأخير، حول فتاة في السابعة تزور جديها وتتعرف على كلب حراستهما المهووس. ذكرت لي أن القصة بدأت كمشروع مذكرات. ترى كيف تحولت إلى قصة؟
ــ الواقع أنني كتبت الفقرات القليلة الأولى من القصة قبل سنوات عديدة، متخيلة أنني سأحولها ذات يوم إلى مذكرات. وكنت وقتها قد زرت متجر جزارة آل إردريك، الذي ما يزال قائما، في ليتل فولز بولاية مينيسوتا، على الرغم من أنه توقف عن العمل منذ زمن بعيد. ما أن توقفت في الفناء الخلفي من منجر الجزارة، حتى نط نيرو في رأسي. عندما كنت طفلة، كان لدي سجل يخص عرض مسرحية الملك لير ، لذلك كنت متفهمة لفكرة الضياع المأساوي. ولأن الحياة لكلب قصيرة وصامتة، فقد شهدت قوة نيرو الشرسة وانحداره إلى الجنون. ولكن حتى وإن كنت بدأت بمحاولة للبقاء وفية للحقيقة، فإنني لم أتمكن من تفادي الانحراف عن سياقها. لذلك أضفت العم النحيل الذي لا يشبه أيا من أعمامي ، ومن ثم أضفت الصديقة، وكلبها الضاري. عندها لم تعد هناك فرصة للعودة إلى الوراء.
هل تنبع أعمالك القصصية من شظية من الذاكرة، كما في هذه القصة؟
ــ غالبا ما تكون هناك شظايا ذاكراتي مدفونة في قصصي، ولكنني أعتمد في الكتابة أكثر على حوادث متخيلة. إن معظم كتبي تبدأ بحوادث من النو الذي يظهر فجأة في الذهن. وبعضها يستند إلى جزئيات غريبة يحتضنها الواقع مثل حمائم بأعداد كبيرة تهبط لالتهام الحبوب في الحقول؛ وامرأة خارجة على القانون تسرق خنزيرا، ومجريات عملية سطو على بنك، وامرأة تؤخذ رهينة، ويطلق عمدة البلدة النار ويصيبها في الورك، والنهر الأحمر يتوسع حد أن يتحول إلى فيضان عظيم. وهلم جرا.
لماذا بقي نيرو في ذهنك مدة طويلة؟
ــ عندي كلب اسمه مانيغان بلغة أجيبو يعني ذئب . إنه راع بلجيكي أسود بمعطف واسعة، وذيل مريّش، وفي عينيه نظرة تنبض بالوفاء. وله سحنة نبيلة وقدر وفير من الطاقة، وهو مع ذلك كائن لطيف. انه يذكرني بنيرو، ويثير مشاعري حتى لأحس أن لدينا كلب يعرف كلمات بشرية كثيرة، ويبدو أنه قادر حتى على فهم عبارات بأكملها. أردت أن أقدم لنيرو كلمة يفهمها، لذلك أعطيته كعكتي المفضلة، فطيرة الزنجيل.
هل كانت هناك في الواقع مشاهد في أثناء سفرك للدراسة فيها ثعابين خطرة في الغرب الأوسط في طفولتك؟
ــ طبعا كانت هناك مشاهد واقعية من السفر. ومشهدي المفضل هو أفعى الرتيلاء وأفعى البايثون. تخيل، أنه بدلا من حديقة حيوانات تتمتع باشتراطات السلامة، أو عالم حيوان ، يوجد ثعبان قد نفذ إلى ممر الصالة الرياضية المدرسية كما لم يفارق ذهني أبدا مشهد ذلك الرجل الأصلع وهو يلقي محاضراته وهو مسترخ بأمان وسلام تحت أفعى الرتيلاء.
لقد بينت لنا كيف يتحكم يورغن الطيب بالحيوانت ويخضعها له، في المسلخ، في الأقل. لكنه لا يبدو أنه اعتمد تلك المهارات مع نيرو، فهو يبقى على مبعدة ويعتمد على سياج لاحتواء الكلب. لماذا برأيك؟
ــ يورغن ما كان أبدا ليخضع نيرو بهذه الطريقة لأنه لا يريد له بوصفه كلب حراسة أن يصاب بالرعب من البشر هذا بالرغم من أن نيرو يعرف بطبيعة الحال أن يورغن هو المسؤول في المكان . بل إن يورغن يعتمد على الإحباط الذي يصيب نيرو وعلى غريزته المناطقية الحادة لإبقاء اللصوص على مبعدة من المكان.
تقول الراوية، وهي تتذكر هذين الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع من وجهة نظر امرأة بالغة، إن التفاصيل كلها ما تزال بالنسبة لها حية. السؤال لماذا يكون للوقت الذي أمضته مع نيرو مثل هذا التأثير عليها؟
ــ قبل أن أفهم بأنني إنسانة، أعتقد أن كانت لدي طريقة لا حدود لها، ولا جدال فيها في التعرف على النباتات والحيوانات، والحشرات. كانت هذه المخلوقات تلتصق بي وتعلق في نفسي، وتجري في صيرورتي، وكان هذا في الوقت نفسه أمر مذهل وأيضا مصدر فزع لي. بعد فترة وجيزة، طبعا يبدأ المرء بالتعرف على الموت، الطريق المظلم خارج الأرض. لقد فهمت كل هذا وأنا أطل على الوجه اللامع لموزع ورق المحارم في حمام رياض الأطفال، من هنا ما كان لفهمي أن يكون أكثر رومانسية ما لم أكن أنعم النظر في عيني كلب.
في حالتي الحب المتوازيتين هاتين، نجد أن يورغن ينتصر في معركته مع السيد غامرود ويحصل على بريسيلا، ولكن نيرو ــ حتى بالرغم من فوزه وهو يناضل من أجل تسلق السياج ــ لا يحصل على ميتس. هل يعني هذا عدم وجود عدالة رومانسي في هذا العالم؟
ــ لعلك وأنت تقرأ قصصا قصيرة أكثر مما يقرأ أي شخص آخر على وجه الأرض، ستعرف القواعد. إذا حصل الشخص على العدالة الرومانسية في القصة، فلا بد من أن يعاني الكلب، أو العكس بالعكس. أنا أيضا لم يسبق لي أن أحببت كلاب الكوكر الأسبانية.
أما عن العدالة الرومانسية في العالم الواقعي، أقول أنني ــ وأنا ادخل اليوم عامي الثامن والخمسين، رأيت حالات قليلة جدا تتحقق فيها العدالة الرومانسية وسارت فيها الأمور على ما يرام. نحن في الحياة، نناضل بمشقة ونتنازل عن كل شيء من أجل الحب. وعندما لا تسير الأمور على ما يرام، فهذا هي الرواية. وعندما تنجح الأمور، فهذا رواية رديئة، ولكن، قد قيل للكل، أن معظمنا يعيش حبكة مملة تتضمن شخصا ما لطيف يجلب لنا فنجانا من القهوة في الصباح أو يكون حاضرا لنقلنا بسيارته عندما تتعطل سيارتنا وتسحب للتصليح.
غالبا ما تندرج قصصك ضمن مفهوم الرواية أو أنها تتوسع لتأخذ شكل الرواية. هل تعتقد أن قصتك نيرو تأخذ هذا الاتجاه؟
ــ أشك في أن تصبح قصة نيرو جزءا من رواية. أنا أعكف الآن على تأليف كتاب يضم قصصا قصيرة، وأحاول أن أبقيها قصصا، لمرة واحدة. ولكن مرة أخرى، لا أستطيع التكهن، وقد يذهب يورغن ليصارع أكيبونو.
المصدر مجلة نيويوركر
/5/2012 Issue 4206 – Date 22 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4206 التاريخ 22»5»2012
AZP09