عبدالرحمن محمد عارف
الرئيس الذي غادر كرسيه بلا مال ولا إعدام – محمد مظفر الادهمي
وفق خطة مرسومة ، وبالاتفاق مع قيادة الحرس الجمهوري واستخباراته ، تحركت في فجر يوم 17 تموز 1968 مجموعة من البعثيين بقيادة رئيس الوزراء الاسبق العميد المتقاعد احمد حسن البكر، نحو القصر الجمهوري ليفتح ابوابه لهم آمر كتيبة الدبابات سعدون غيدان ، فدخلوا القصر دون قتال وسيطروا على مقر كتيبة دبابات الحرس الجمهوري ، ليوقض البكر هاتفياً الرئيس عبدالرحمن محمد عارف الذي كان نائما في القصر ويطلب منه التنازل عن الحكم مع اعطائه الامان بمغادرته العراق سالما مع عائلته.
لم يكن من السهل على الرئيس عارف أن يتجاوب مع دعوة من هذا النوع، لان لديه الحرس الجمهوري، لكن آمر الحرس الجمهوري ابراهيم الداوود كان قد توجه الى مبنى الاذاعة والتلفزيون للسيطرة عليه ، بينما توجه معاون مدير الاستخبارات عبدالرزاق النايف للسيطرة على وزارة الدفاع بالتنسيق مع البعث وحسب الخطة المرسومة . ويقول الداود في مذكراته ان الرئيس عارف اتصل بعبدالرزاق النايف الذي اخبره ان هناك ثورة في البلد ، فقال له الرئيس عارف ان ابراهيم الداود سيقضي عليهم، فاجابه النايف ان الداود هو من قام بها. لقد وجد الرئيس نفسه محاصراً من جميع الجهات وان ضباط القصر الذين يعتمد عليهم هم على راس الانقلاب، فاتصل بعدد من قادة الفرق في معسكرات خارج بغداد، ووجد الابواب كلها مغلقة بوجهه .ولم يكن اتصاله برئيس الوزراء طاهر يحيى يجدي نفعاً .
أجرى البكر اتصالا ثانيا مع الرئيس عارف ، وكان اتصالاً حازما ًقال له فيه : اذا لم تسلم نفسك فانت الذي ستتحمل المسؤلية ، في الوقت نفسه تم الايعاز الى احد الضباط بإطلاق بضع طلقات مدفعية فوق القصر. وعندما سمع الرئيس عارف دوي القذائف قرر الاستسلام فذهب انور الحديثي وصلاح عمر العلي اليه وهما يستقلان سيارة جيب وجاءا به الى مقر قيادة الحرس الجمهوري حيث يوجد الجميع.
كان الرئيس عارف مصدوما جداً من انقلاب الضباط الذين وثق بهم وجعلهم موضع اعتماده بحيث انه لم يكن يصدق المعلومات التي تصله عنهم في تآمرهم عليه ، خصوصاً وانهم كانوا قد اقسموا أمامه بالقرآن انهم مخلصين له ، ولا صحة لما يقال عنهم .
سلفة نقدية للرئيس
كان الرئيس عارف غير واثق من سلامته بعد استسلامه حيث اعتقد انه سوف يقتاد الى مكان ما لقتله . ولكن البكر وجماعته أكدوا له ان سلامته مضمونة وانه سيسفر خارج العراق، و يستطيع ان يأخذ عائلته معه ، وان طائرته قيد التحضير . ثم نُقل الرئيس عبدالرحمن عارف الى منزل حردان التكريتي بسيارة حردان الخاصة ، وبقي هناك حتى الساعة الرابعة من مساء اليوم التالي حين أُعدت له طائرة نقلته الى لندن برفقة ولده الملازم قيس ،الذي يقول في لقاء تلفزيوني لي معه انه استدعي من البصرة لانه كان قد نقل اليها ضابطا بحريا هناك ، فذهب الى بيتهم واتصل به حردان هاتفياً واخبره انه سيسافر مع والده ، فقام بتهيأة ملابسه وذهب الى مطار المثنى ، وانتظر هناك الى ان جاءت مجموعة من السيارات برفقة والده الرئيس عارف ، ولما كانت والدته تحت العلاج في لندن فقد فضل والده الذهاب الى هناك . وكانت المشكلة ان الرئيس لا يمتلك مالاً معه ، فاعطي سلفة نقدية قدرها ثلاثة آلاف دينار تستقطع باقساط شهرية قدرها 40 ديناراً من راتبه التقاعدي ، كما أبلغ قيس بانه قد تم تعيينه معاون ملحق عسكري في لندن.
العودة الى العراق
كان على الطائرة الترايدنت التي نقل فيها الرئيس عبدالرحمن عارف وولده قيس ان تتوقف في مطار اسطنبول ، فجاءهم وزير الخارجية التركي وابلغ الرئيس عارف برغبة الرئيس التركي باستضافته ، فشكرهم واخبرهم انه ذاهب الى لندن ، واذا ما فكر في الاستقرار في تركيا فانه سيبلغهم بذلك ، وبعد شهرين وعندما استقرت الحالة الصحية لزوجته قرر الاستقرار في تركيا.
ويضيف ولده قيس ،انهم استقروا في تركيا لمدة 11 عاماً ، ثم كتب الرئيس عبدالرحمن عارف رسالة الى رئيس الجمهورية احمد حسن البكر يطلب فيها العودة الى العراق ، ولم يأته جواب الى ان استلم الرئاسة نائبه صدام حسين ، الذي وافق على عودته بعد لقاء قيس له ، وكان ذلك في 27/12/1979. وبعد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 انتقل الرئيس عبدالرحمن محمد عارف الى الاردن ليستضيفه الملك الحسين بن طلال ملك الاردن ، وبقي فيه الى ان توفاه الاجل يوم الجمعة 24 آب 2007 ودفن في مقبرة شهداء الجيش العراقي في الاردن ، لتنتهي حياة الرئيس العراقي الذي لم يوقع في فترة حكمة على أي حكم بالاعدام ، ولم يعدم.