الديمقراطية المصرية بثوب إسلامي
أحمــد المرشــد
لا يغب على أي عاقل في هذه الدنيا حالة الفوضى التى تعيشها مصر حاليا، ليست فوضى فقط وانما الفوضى الهدامة، فهي كل يوم بحال من سيئ الى اسوأ والسبب معروف هذه المرة، وهو فترة مخاض الانتخابات الرئاسية وتشكيل الجمعية التأسيسية للدستور. ومن ضمن الفوضى ان احد المرشحين انتفض من مقعده وغضب بشدة وخرج عن شعوره أثناء حواره مع مذيعة فى برنامج على احدى الفضائيات واتهمها بالجهل الاعلامى وأنها لا تجيد توجيه سؤال لرئيس الجمهورية، كما اتهم المرشح الرئاسي المحتمل الفضائية التى تميل الى الصبغة الدينية بانها تنساق وراء الشائعات الاعلامية دون قرائن ملموسة. وسبب الثورة العارمة لهذا المرشح الرئاسي المحتمل هو قول المذيعة له بانه يمتلك أراضي في احدى محافظات مصر. هذا جزء يسير من الفوضى، فالمرشح المحتمل ثار فى وجه المذيعة لمجرد مواجهته بانه يمتلك اراضي، فما بالنا اذا نجح هذا المرشح وتعرض لاي نقد من صحفي او اعلامي فى مصر، والرد يبدو انه سيكون الاعدام لصاحب السؤال. مجرد رواية بسيطة، ولكنها عظيمة في دلالاتها، وتشير الى مدى التخبط في مصر، ثم يتهمون النظام السابق بانه قمعي وكمم الافواه. وبالمناسبة هذا المرشح الذي نتحدث ينتمي الى التيار الذي يصفونه بالمدني الليبرالي، واعتقد انها مجرد اسماء سموها لتضييع وقت المصريين الذين ينتظرون بفارغ الصبر رئيسا يستطيع ان يحكم مصر من جديد، رئيس تتوفر فيه شروط القيادة لادارة بلد كبير وعريق مثل مصر. واذا لم يغضب البعض منا، نميل نوعا الى جماعة الاخوان المسلمين التي تشكل مع السلفيين والجماعة الاسلامية التيار الاسلامي، فالجماعة وحزبها الذي يسيطر على البرلمان المصري وهو حزب الحرية والعدالة يسيران بقوة نحو ما يسمى بـ الانتحار السياسي ، ولكن بسرعة شديدة وبدون كوابح، وهذا بعكس ما فعله الحزب الوطني الحاكم السابق في مصر، والذي سار نحو الهاوية او الانتحار السياسي على مدى 30 عاما. اي فترة طويلة بعكس جماعة الاخوان وحزبها السياسي، فهما وعلى مدى اقل من 3 اشهر برلمانية يقدمان بقوة على الانتحار. والسبب هو الرغبة الجامعة فى ما يسمه المصريون بـ التكويش اي السيطرة على جميع مقدرات الحياة السياسية . فهم بدأوا بالسيطرة على البرلمان، ثم يريدون حل الحكومة عن طريق سحب الثقة، ثم انتفضوا للسيطرة والهيمنة على الجمعية التأسيسية للدستور بالمخالفة لما سبق وتم الاتفاق عليه في الاعلان الدستوري ومع بقية الاطياف السياسية فى مصر.. واخيرا، ترشيحهم لنائب المرشد العام للجماعة خيرت الشاطر ليكون فارسهم فى انتخابات الرئاسة.. هذا رغم تأكيداتهم المتكررة بعدم خوض هذا السباق والاكتفاء بما حققوه فى البرلمان. اما السبب الوهمي الذي ساقوه لتبرير صنيعهم بترشيح الشاطر هو انهم لم يعثروا على مرشح تنطبق عليه شروطهم في الرئيس المحتمل، وهو انه ذو خلفية اسلامية وقيادي وقادر الى ادارة مصر فى تلك المرحلة الصعبة.. وكأن مرشحه هو الذي تتوفر فيه كل هذه الصفات، في حين ان اغلب التحليلات فى مصر تميل الى استبعاد اللجنة الانتخابية للشاطر لاسباب قانونية لانه لم يحصل على عفو عام بقرار محكمة بعد تهمه الكثيرة والذي سجن بسببها، ثم ما يتردد ايضا بحمله الجنسية السعودية بما يسقط عنه حق الترشح. وبهذا يكون تساوى مع المرشح السلفي الشيخ حازم صلاح ابو اسماعيل الذي خدع حتى انصاره وكذب عليهم وادعى ان هناك مؤامرة عالمية اسرائيلية مصرية ــ ليبرالية امريكية ــ اوربية لاستبعاده من سباق الرئاسة وحكم مصر. ولماذا تلك المؤامرة، لان كل هذه الجهات تواطأت معا وادعت ان السيدة والدته امريكية الجنسية بما يسقط عنه ايضا حق الترشح، لعدم امتثاله لقرار اللجنة العليا بان يكون من والدين مصريين. هذا المرشح الذي ينتمي للسلفيين وتكفي ذقنه للتعريف بذلك استغل انصاره ومريديه وحشرهم في احد المساجد واخذ يكذب عليهم، ثم ليهدد بتكدير السلم العام فى مصر لان الجهات المعنية كشفت سره. والغريب ان المرشح المسلم والذي ظل على كذبه وغشه لانصاره ومريديه، لم يتراجع او يعتذر لهم رغم ان الاعتذار عن ارتكاب خطأ من شيم الكرام والنبلاء، ولكنه آثر ان يكون كذابا على ان يكون كريما وصادقا مع نفسه قبل ان يكون صادقا مع الله. وفي هذا السياق اعجبتني قصة نشرت في صفحة الرأي في صحيفة الاهرام المصرية، تحدثت عما كان يفعله الصينيون القدامي حيث اعتادوا ان يحشروا أقدام الاطفال في حذاء معدني يمنع نمو اقدامهم، وهذا بسبب الحفاظ على حجم صغير لها. وكانوا يحشرون الاقدام في قالب موحد رغم الاضرار النفسية والمعنوية الجسدية على الطفل، لان حشر القدم في قالب معدني موحد يجعل الجسم يشعر بعدم التوازن بين حجم الجسم وحجم القدم.
والهدف من نشر تلك القصة او الحكاية الصينية القديمة، هو الاستدلال بما تفعله جماعة الاخوان وحزبها السياسي من تبني سياسة السيطرة والهيمنة على الساحة السياسية فى مصر . فمثلما يفعل الحذاء الصيني القديم الذي يعمل على تقزيم القدم ومنع النمو وكبح التغيير الذي يشكل سنة الحياة، فقد عمد حزب الحرية والعدالة الذي يمثل الأغلبية في البرلمان المصري، الى حشر دور باقي الأحزاب وقوى الشعب في قالب سياسي ضيق على طريقة الحذاء الصيني القديم. وهذا يؤكد شهوة الاخوان الجارفة في الاستحواذ السياسي المتوالي منذ أن وضعوا أقدامهم في قاعة البرلمان، حيث استفردوا بلجانه مرورا بالسعي المتواصل للدفع بحكومة ائتلافية جاهزة التكوين الى تكوين دستور حزبي بالتكويش على الجنة التأسيسية للدستور. والذي نتعجب له ان كل ما يجري في مصر يكون باسم الديمقراطية، التى يفترض انها تسع الجميع وتحتويهم بكل ارائهم واتجاهاتهم وميولهم. فالمرشح المحتمل ثار في وجه المذيعة لانها لم تتعلم ان تخاطب رئيس في حين انه لم يصبح رئيسا بعد ومجرد مرشح محتمل، والجماعة اجهزت على كافة الحياة السياسية واستولت عليها تماما وهي لا تزال فى سنة اولي ديمقراطية. وهم لم يتعلموا بعد معني الديمقراطية في ابسط معانيها وهو انها نظام يبقي على الحيز السياسي العام مفتوحا أمام الجميع وهدفا لتحقيق مطالب الشعب وانتشاله من دوامة مشكلاته ومصاعبه المتوارثة، على ان تتحاور الأغلبية مع الاقلية والا تسيطر النخبة المسيطرة على البرلمان على المعارضة وتجهض مشاريعها .. فهذا الامر وان استمر، فبالتأكيد سيكون المصريون هم اكثر المتضررين منه، لان الجماعة بذلك تفرغ الديمقراطية من مضمونها الحقيقي، وسيعود الحزب الوطني من جديد ولكن هذه المرة في ثوب اسلامي، وهنا مكمن الخطر، لانه عندما يمتزج الديني بالسياسي، فالخاسر دائما هو الديني، مثلما الحال عندما يمتزج اللون الابيض باللون الاسود، فالنتيجة ستكون رمادية بلا شك. وهذا هو الحال عندما نخلط الدين النقي بالسياسة القذرة، وبالتالي ستتغير القيم الدينية النقية بسبب اطماع السياسة والعابها غير النبيلة.
كاتب ومحلل سياسي بحريني
/4/2012 Issue 4173 – Date 14 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4173 التاريخ 14»4»2012
AZP07