الدولة وصناعة خيبة المجتمع – قتيبة آل غصيبة

الدولة وصناعة خيبة المجتمع – قتيبة آل غصيبة

في الأزمات الكبرى؛ عادةً ما يلتفت الناس إلى دولتهم طلباً للحماية والدعم، لكن ماذا لو كانت الدولة نفسها هي صانعة الأزمة؟ ماذا لو تحولت من إطار جامع للأمل إلى مصدر يومي للخذلان؟ ماذا لو يتحول الحامي إلى عبء والراعي إلى خصم؟

هنا لا نتحدث عن أزمة عابرة؛ بل عن خيبة جماعية تُعيد تشكيل وعي المجتمع وتفتت عقده الاجتماعي.فعندما تزيد الدولة الجرح ولا تداويه؛ حيث  يذهب المواطن إلى المدرسة فيجد انهيار التعليم؛ وإلى المستشفى فيجد العجز وألاهمال؛ وإلى الدائرة الرسمية فيجد الرشوة، ويبحث عن الامن والحماية فلا يجدهما؛ وتتكرر المشاهد حتى يفهم الناس أن الدولة ليست الحل؛ بل جزء من المشكلة.ولكل ذلك اسباب، إذ يكون الفساد في مقدمتها فهو الوجه العاري للخيبة؛ حين تُدار المناصب بالمحسوبية؛ وتُنهب الثروات بغطاء رسمي؛ وتُصبح العدالة سلعة للمساومة؛ تنهار الثقة من جذورها؛ هنا لا يرى المواطن أن “بعض المسؤولين” فاسدون؛ بل يرى أن الدولة نفسها مختطَفة، وكذلك فإن القمع والاستبداد؛ يقتلان الأمل في  مستقبل المجتمع المحروم من حقوقه ومطالبه المشروعة؛ فيكون المواطن امام خيارين؛ إما الانسحاب إلى لا مبالاة قاتلة؛ أو بالاندفاع إلى  بدائل قصوى كالتطرف بكل اشكاله، وكذلك فإن ازدواجية الخطاب  والشعارات الجوفاء للدولة التي ترفع شعار “الإصلاح” بينما تُكرّس الفساد؛ أو التي تتغنى بالشباب وهم غارقون في البطالة؛ فإنها تقتل معنى  الكلمات؛ وما أخطر الخيبة حين تتحول اللغة ذاتها إلى أداة خداع لا يصدقها أحد.

 إن نتائج الخيبة المجتمعية؛ ستقود الى وطن في مهب الريح؛ من خلال، تفكك العقد الاجتماعي وتحول الولاء إلى طائفة أو عشيرة، ونزيف العقول والطاقات إلى الخارج، وانتشار اللامبالاة أو التطرف، وفقدان الإيمان بالمستقبل.

ومن المؤكد فإنه لا توجد حلول سحرية لاستعادة الثقة بالدولة إلا عن طريق، تطبيق العدالة على الجميع بلا استثناء، وصيانة كرامة المواطن  بحرية التعبير والمشاركة، والشفافية التي تعني كشف الحساب لا التلاعب بالأرقام. وان الخلاص هو الاستثمار الحقيقي في الإنسان؛ تعليماً وصحةً وفرصاً،  وإن الدولة التي تستهين بخيبات مواطنيها تُسرع سقوطها بنفسها، فالمجتمع قد يصبر على الفقر؛ لكنه لا يصبر على الظلم والخذلان، والسؤال الحقيقي لم يعد؛ كيف نُصلِح الدولة؟ بل؛ كم بقي من عمرها قبل أن تنهار؟

مشاركة