الدولة العثمانية من أوائل الذين أسسوا الحمامات بطراز معماري فريد –  صلاح الربيعي

(الزمان): تستطلع الأماكن الترفيهية في مدينة أونو التركية التأريخية

الدولة العثمانية من أوائل الذين أسسوا الحمامات بطراز معماري فريد –  صلاح الربيعي

أشهر وجهات الجذب السياحي والترفيهي عبر العالم

اشتهرت الدولة العثمانية بالعديد من الأبنية والآثار التأريخية والتراثية والسياحية والترفيهية التي ميزتها عن بقية دول العالم الأخرى ما جعلها تكون قبلة ومقصدا للباحثين عن عبق التأريخ القديم وما يحمله من ذكريات تؤشر لعظمة انجازات أصحاب ذلك العصر وامكاناتهم الفريدة في البناء والتصميم التي استقطبت الملايين من السائحين العرب والأجانب ومنها الحمامات التي يعود تأريخ  بنائها الى زمن قديم حيث ظهر فن العمارة وازدهر في القرن الثاني عشر بعد فتح السلاجقة  للأناضول وفي عهد الدولة العثمانية كانت الحمامات التركية من أهم سمات طراز هذا العهد اضافة الى التميز في الأبنية الدينية والتجارية والسياحية  التي تلبي احتياجات الشعب وبكافة طبقاته الاجتماعية وبحسب ماذكره بعض من المؤرخين والمعنيين الأتراك فقد بني أول حمام خاص من قبل الوالي العثماني أورهان بك في مدينة بورصة التي تعد العاصمة الأولى للدولة العثمانية عام  1362 م  ولكن أول حمام تم تأسيسه  للعامة من الناس هو حمام تشمبرلي تاش والذي بني من قبل المعمار الشهير سنان وبأمر من السلطانة نور بانو والدة السلطان مراد الثالث في عام  1584 م  وبعد  ذلك تصاعدت وتيرة  بناء هذه الحمامات في جميع أنحاء الأناضول وتتكون الحمامات التركية في الغالب من قسمين الأول منها للنساء والقسم الثاني للرجال ولكل منهما بابه الخاص الذي لايؤدي الى الباب الآخر.

مؤسسات جمعية

ولم تكن الحمامات للاستحمام والنظافة فقط  وانما كانت تعتبرمؤسسات مجتمعية  حيث  تقام فيها الفعاليات الاجتماعية كالاحتفال بالولادة والزواج والختان وليلة الحناء للعرسان وقد أصبحت الحمامات في العهد العثماني جزءا من حياة الناس  سيما النساء حيث كن يجتمعن هناك كل أسبوع  للأكل والشرب وتبادل الحديث وفي القرن التاسع عشر بدأت الحمامات التركية تجذب اهتمام التجار والرحالة والسفراء والسياح الغربيين والشرقيين وبذكر بأن الفنانين التشكيليين الغربيين قامو برسم لوحات للعديد من الحمامات التركية الشهيرة المزدحمة بالناس وذلك لتأثرهم بجمال عمارتها وطراز بنائها مما أثر ذلك على بعض المصطلحات والمسميات للحمامات في اللغة التركية واللهجة الشعبية للأهالي والتي ما زالت متداولة لحد الآن فمثلا يقال عن الأماكن المزدحمة كالمقاهي بأنها تشبه حمام النساء ويقال للأماكن الحارة والساخنة بانها كالحمام وتوجد لدى الأتراك قواعد وطقوس خاصة بالحمامات تبدأ مع لحظة الدخول اليها وحتى الخروج منها ولابد أن يلتزم زبائن تلك الحمامات بالقواعد والطقوس والتقيد حتى بالمواد المستخدمة في الاستحمام وقد اعتبرت الحمامات في تركيا من الوجهات السياحية في العالم بعد أن أخذت طابعا جديدا للمتعة والعلاج والاسترخاء والتسلية والترفيه وبحسب الاحصائيات التي تجرى بين فترة وأخرى على مستوى اقبال السائحين الاجانب الى تركيا تبين الأماكن التي تضم الحمامات هي الأكثر جذبا لهم قياسا للمناطق الأخرى وخلال فترة من الزمن وصل عدد الحمامات الى نحو أربعة عشر ألف حمام  منها بنحو  155 حماما لعامة الناس والذي يسمى بحمام السوق والبقية كانت خاصة تبنى في قصور الأمراء والسلاطين مثل حمام السليمانية وهو من أهم الأبنية المعمارية العثمانية ومن المدن الأكثر شهرة بالحمامات التركية هما اسطنبول وبورصة اضافة الى الحمامات الرومانية الأثرية القديمة ومنها الحمام الذي يعود تاريخ بنائه الى 525 للميلاد ويقع في مدينة بورصة تم تخصيصه للامبراطور الروماني ثيادور وحمام آخر كان للسلطان سليمان القانوني والذي يشتهر بمياهه الكبريتية التي تعتبر علاجا لكثير من الأمراض الجلدية وكذلك مرض الروماتيزم ومن الحمامات التي تلفت أنظار السياح هو حمام تشيمبيرليتاس فهو من أقدم الحمامات التركية يعود تأريخ بنائه الى فترة حكم السلطان سليم الثاني في القرن السادس عشر والذي يتميز بفن عمارته اللافت ويعتبر موقع زيارة هام لجميع محبي الفنون المعمارية حيث تدخل من خلال قبته العلوية اشعة الشمس لتصل الى مسطح الاستحمام  بشكل رائع جذاب وتشترك معظم الحمامات التركية بنفس التصميم تقريبا بحيث تتمركز القبة السماوية الحرارية على ثمانية أعمدة ضخمة مصنوعة من المرمر وتتراوح مدة الاستحمام فيها مابين الساعة  إلى الساعتين ولا يقتصرعلى تنظيف الجسم فحسب بل يعتبر مكانا صحيا  للاسترخاء حيث يقوم المسؤول عن  قسم الاستراحة وفي جميع الحمامات  بتقديم المشروبات الباردة منها والساخنة كما يتمتع الزبائن بسماع الموسيقى والغناء وألحان العود والطبل أثناء عملية التدليك وتبدأ عملية الاستحمام  بالاستلقاء على قطعة الرخام الساخنة حتى يتعرق الجسم  وأثناء ذلك يكون الجلد قد أصبح طريا وقابل للدلك والمساج.

اماكن علاجية

وفي السنوات الأخيرة أصبحت الحمامات ضمن الأماكن العلاجية حيث يرتادها الناس كمراكز للعناية بالجمال والصحة سيما وان الحديث منها يضم صالات رياضية ومنتجعات طبية للذين يشكون من بعض الأمراض البدنية حيث يخضع بعض الزبائن الى عملية التدليك بالزيوت الطبيعية التي تمنح المرء بالشعور بالارتياح النفسي والجسدي وبكل هذا ومع الأجواء الشرقية والتراثية والتأريخية انجذب السائحين الأجانب الى تركيا وان مثل تلك الأجواء والطقوس المختلفة الرائعة في تلك الحمامات لايمكن أن تتيسر لهم  في بلدانهم التي يعيشون فيها أبدا اما في أنقرة بوجه خاص فانها تضم الحمام التأريخي الوحيد في عموم مدنها الواسعة المترامية الأطراف والذي يسمى بحمام كاراكابي الذي أسسه الثري التركي كراجا عبد الله بيك في محلة سكاريا شارع طلعت باشا على مقربة من مركز العاصمة أنقرة عام 1440 م  ومايزال يصارع الزمن والحداثة بطرازه الرائع وموقعه المميز بعد أن تم ترميمه مرات عديدة على مدى السنوات الماضية وقد توارثه الأبناء عن الآباء والأجداد حفاضا على اسم عائلتهم التي اشتهرت باسم هذا الحمام مثلما أكتسبت المنطقة أو المحلة الصغيرة التي شيد فيها هذا الحمام شهرتها الواسعة من بين مناطق أنقرة الأخرى والتي أطلق عليها اسم حمام اونو وهي منطقة صغيرة المساحة الا انها تتميز عن بقية مدن العاصمة في شوارعها التراثية  التي لم تؤثر عليها الحداثة وبيوتها التأريخية الجميلة والمحال التجارية والفلكلورية التي مازالت تحتفظ برونقها العثماني العريق كما لم تتغير أزياء عمال مطاعمها التراثية المنتشرة داخل أزقة المدينة التي تزين أرصفتها وجدرانها الشجيرات الخضراء والزهور المختلفة بألوانها الجميلة المعلقة في سنادين بتصاميم رائعة  منسجمة في أشكالها مع عبق المكان التأريخي وروحيته التي تجعل السائحين يقضون ساعات طويلة في التأمل بتاريخ وأحداث هذا المدينة التي لايسمح للمركبات حتى الصغيرة منها أن تخرق شوارعها حفاظا عليها من الضجيج وحرصا على نظافتها وقد أصبح حمام كاراكابي هو الدلالة البارزة لزيارة تلك المدينة التي يقصدها الألاف من الزوار الأجانب من كل بقاع الأرض وأول سؤال لهم عن الحمام لكي يقوموا بزيارته والتمتع بالاستحمام به على الطريقة العثمانية القديمة وعند وصولنا الى المكان التقينا أحد المسؤولين عن الحمام وبعد ترحيبه بنا حدثنا عن قدم تأريخ وسمعة هذا الحمام والشخصيات الشهيرة التي ارتادته من الولاة والباشوات والكتاب والمثقفين والشخصيات الاجتماعية المعروفة  والأعداد الكبيرة من أبناء العاصمة والأجانب الذين جذبهم المكان منذ تأسيسه وحتى الوقت الحاضر مستعرضا طريقة الاستحمام التي مازالت ضمن اجواء وطقوس العثمانيين القدماء والتي يتبناها عدد من المدلكين المختصين بالمهنة وهم يعملون جاهدين لارضاء زبائن الحمام من خلال تقديم أفضل الخدمات لهم وبأسعار مقبولة وكما هو الحال في جميع الحمامات التركية فان حمام كاراكابي يقسم الى جزئين أحدهم للرجال وآخر منعزل للنساء ولكل منهما بابه الخاص الذي لايطل على باب القاطع الاخر وبعد الاستحمام ينتظر الزبون لفترة بسيطة داخل الحمام ليتناول بعض المشروبات الساخنة او الباردة كل حسب رغبته وهذا يساعد الزبون على عدم تأثره بالهواء البارد الذي سيواجهه في الشارع  حال مغادرته الحمام والجدير بالذكر فان   منطقة حمام اونو كانت قد حصلت على جائزة أوسكار السياحة العالمية خلال خمسون عاما مضت ولثلاث مرات متتالية الجائزة عبارة عن تفاحة ذهبية يقدمها اتحاد المناطق السياحية والصحفيين الدولية بعد عمليات ترميم وفقا لطراز المدينة وروحيتها التأريخية القديمة حتى تحولت المدينة في الأعوام الأخيرة إلى أكبر مركز تقافي وفني وسياحي واسع ومشهور في عموم أنقرة .

مشاركة