الدولة الأردوغانية – كاظم المقدادي

الدولة الأردوغانية – كاظم المقدادي

كان يوم 17 ايلول من عام 1961 يوما حزينا  في وجدان الامة التركية وفي  نفس الطفل  (رجب) بائع الحلوى في محلة قاسم باشا في اسطنبول ..بعد ان نفذ عساكر العلمانية قرار شنق رئيس الوزراء  الاسبق عدنان مندريس .. رئيس اول حزب اسلامي ديمقراطي  منتخب ..بحجة تقويض النظام العلماني الذي اسسه كمال اتاتورك في تركيا .. ولم يفعل مندريس اكثر من تنفيذ وعوده  الانتخابية .. بعودة الاذان لكي يصدح وبلسان عربي مبين ، و بناء المساجد  وفتح المدارس الدينية ، وحرية ارتداء الحجاب ، والسفر الى مكة للحج والعمرة .. مع تنفيذ اطلاق عملية تنمية  اقتصادية كبيرة ادهشت  الشعب التركي .. كذلك تأكيده  على تعميق علاقة تركيا باوربا واشراك  تركيا في حلف النيتو  الاوربي .

لكنه لم يتاخر في طرد السفير الاسرائيلي بانقره لتدخله  السياسي  في شؤون تركيا الداخلية .

اغلب الظن ان هذه الصورة المؤلمة لم تغب عن ذاكرة مصلح تركيا الجديد رجب طيب اردوغان الذي يعيد التجربة (المندريسية) بقوة اكبر وبتاييد شعبي كاسح مع انجازات اقتصادية وعمرانية مدهشة .. نقلت تركيا وخلال سنين معدودة الى مصاف الدول المتقدمة .

يوم فاصل

الثابت ايضا / ان يوم 24 حزيران من سنة 2018.. كان يوما فاصلا ومهما في  حياة وتجربة  الرئيس اردوغان السياسية التي بدأت به كعضو فعال في حزب الرفاه الاسلامي الذي اسسه  نجم الدين اربكان وسط الثمانينيات .. لكن المرحلة الاهم في مسيرة اردوغان ..كانت في سنة  1994 عندما أوكلت اليه  مسؤولية مدينة كبيرة  وهي اسطنبول التي  كانت تعاني من الاهمال الاداري ونقص في الماء والكهرباء وتكدس النفايات في شوارعها وساحاتها ..  ان هذه التجربة الميدانية المثيرة و الناجحة بامتياز .. هي التي نقلت اردوغان من  قاعات المناقشات الحزبية العقيمة الى رحاب العمل البناء والمثمر وتقديم الخدمات اليومية الى المواطن التركي ، وحل مشاكله وبشكل مباشر  .. ومن هنا بدا نجم اردوغان يتصاعد على حساب  معلمه نجم الدين اربكان .. ولم يتاخر الوقت حتى يعلن اردوغان عن تاسيس  حزب جديد سنة 2001 هو حزب (العدالة والتنمية) لكي يكون مهيئا للفوز في انتخابات سنة 2002 وشرع  على الفور للخوض في تجربة سياسية جديدة  تعتمد على (الوسطية) التي دافع عنها في بداية صعوده السياسي قائلا (… سنتبع سياسة واضحة ونشطة من اجل الوصول الى الهدف الذي رسمه  اتاتورك  لاقامة المجتمع المتحظر والمعاصر في اطار القيم الاسلامية التي امن بها 99 بالمئة من المواطنين الاتراك) .

تقدم كبير

ولكن ورغم هذه (الوسطية)  والتقدم الكبير الذي انجزه اردوغان .. فان احزاب المعارضة  اليوم وابرزها  حزب الشعب الديمقراطي الذي يتزعمه محرم انجة واحزاب  علمانية اخرى ..لازالت غير راضية اصلا على وجود حزب اسلامي يقود البلاد.. ومشككة في جميع النتائج التي يحققها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات .. وهنا تستذكر المعارضة جملة  اسباب منها  / احتكار حكومة اردوغان للاعلام الرسمي وسيطرته على عمل اللجان الانتخابية .. وعلى الرغم من اقرارمحرم انجة بهزيمته و بعد ان حقق نسبة لم تتجاوز الثلاثين بالمئة ..الا انه ظل مشككا بنزاهة الانتخابات .

ويعتقد اقطاب المعارضة ../ ان التحول من النظام البرلماني الى الرئاسي وفوز اردوغان برئاسة الجمهورية سيكرس حكم الفردالواحد .

كان  فوز اردوغان المتواصل في جميع الانتخابات .. ليس بسبب قوة حزبه بل ايضا بسبب تشتت المعارضة السياسية في الانتخابات وفشلها بتقديم برنامج اصلاحي واضح .. لقد رفع حزب العدالة والتنمية شعار (تركيا.. الكبيرة القوية) بينما طرحت المعارضة شعارات منها الغاء حالة الطواريء ووعود باصلاحات دستورية.. وشعار طرد  اللاجئين السوريين من البلاد .. وهو ذات الشعار الذي تطرحه الاحزاب اليمنية الناشئة في اوربا .

ان  المشكلة  الاخطر والتي ستواجه اردوغان مستقبلا .. هي مشكلة توسع ونمو السلطة السياسية على حساب سلطة الدولة  وبغياب النقد الذاتي ، كذلك خطابات الاستقطاب  السياسي بحجة وجود اعداء  في الداخل والخارج والمخاوف من حدوث انقلابات عسكرية في المستقبل .

ان استمرار عمليات الاستقطاب المتازم  سيكون عقبة حقيقية امام نمو وتوسع الحريات الديمقراطية  ومقوضا للمباديء العلمانية التي التصقت بتراث تركيا الحديث .

 ويستدل  المنتقدون للتجربة الاردوغانية .. بقمع مظاهرات ساحة تقسيم سنة 2013 . . كذلك الاجراءات التعسقية التي حدثت بعد احباط ا محاولة الانقلاب العسكري الذي وقع  سنة 2016.

ان تقليص الحياة الديمقراطية من شانها ان تذهب باعداء اردوغان الى استخدام  وسائل عبثية منها /  التحريض والعصيان والتخريب .. وإيقاع الضرر  في منجزات البلاد والانخراط في احزاب سرية متعاونة  مع جهات خارجية .. والتاثير على سعر الليرة التركية من قبل جهات محلية و اطراف عربية والذي كان سببا مباشرا في مؤشرات هبوطها وبوتيرة متلاحقة .

لقد ذكر الرئيس اردوغان  في خطاب النصر وبعد اعلان نتائج الانتخابات التي توجته رئيسا للبلاد  من انه ../ سوف لن يتوقف عن مسيرته السياسية الطويلة لجعل تركيا في سنة 2023 دولة عظمى .. وهي السنة التي ينتهي بها مفعول (معاهدة لوزان) التي انهت اسطورة الخلافة الاسلامية من القاموس السياسي .

زعامة اسلامية

يا ترى .. هل سيعيد اردوغان مجد العثمانيين بشكل معاصر ومتحضر وهو الزعيم الذي اعطى بعدا اسلاميا وقوميا جديدا لتركيا الحديثة .. ام تاخذه العزة بالحكم والتفرد وابقاء حالة الطواريء واذلال معارضيه والاستئثار  بالحكم والانحياز لحزب العدالة والتنمية بشكل ثابت .. ؟؟

يبق الاهم في هذا وذاك/  واذا اراد الرئيس اردوغان الاستمرار في قيادة تركيا الحديثة .. ان ينجح في خلق فلسفة جديدة  لإدارة  الدولة يجتمع حولها الشعب التركي باكمله / جوهرها إسلامي  ومظهرها علماني ..دولة يطمئن العالم ، والدول الاقليمية ، والدول العربية بشكل خاص .. ولكي تكون  حصانة لمستقبل الشعب التركي باجمعه ..

مشاركة