الدجاج من أبرز المؤشرات إلى التأثير البشري على كوكب الأرض

باريس‭ (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬‮ ‬إذا‭ ‬قررت‭ ‬أجيال‭ ‬المستقبل،‭ ‬أو‭ ‬كائنات‭ ‬فضائية‭ ‬مثلاً،‭ ‬بعد‭ ‬500‭ ‬ألف‭ ‬سنة،‭ ‬إجراء‭ ‬حفريات‭ ‬وأعمال‭ ‬تنقيب‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬آثار‭ ‬ماضي‭ ‬البشرية،‭ ‬فستكون‭ ‬عظام‭ ‬الدجاج‭ ‬التي‭ ‬ستعثر‭ ‬عليها‭ ‬مؤشراً‭ ‬مذهلاً‭ ‬إلى‭ ‬التغييرات‭ ‬الفجائية‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬العصر‭ ‬الحالي‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الاستنتاج‭ ‬الذي‭ ‬توصل‭ ‬إليه‭ ‬العلماء‭ ‬الذين‭ ‬وثقوا‭ ‬انطلاق‭ ‬حقبة‭ ‬الأنثروبوسين‭ ‬الجيولوجية‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تُحدَّد‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬التأثير‭ ‬البشري‭ ‬على‭ ‬الكوكب‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬تغييرات‭ ‬سريعة‭ ‬وجذرية‭ ‬في‭ ‬أنظمته‭ ‬الطبيعية‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬الفائت‭. ‬وتمثل‭ ‬آثار‭ ‬أخرى‭ ‬مذهلة‭ ‬ظاهرياً‭ ‬بصورة‭ ‬أكبر‭ ‬مؤشراً‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الانقسام،‭ ‬ومنها‭ ‬الارتفاع‭ ‬المفاجئ‭ ‬في‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬أو‭ ‬الميثان،‭ ‬والسقوط‭ ‬الإشعاعي‭ ‬من‭ ‬الاختبارات‭ ‬النووية،‭ ‬والجسيمات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬الدقيقة‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬وتطور‭ ‬الأنواع‭ ‬الغازية‭.‬

إلا‭ ‬أنّ‭ ‬عظام‭ ‬الدجاج‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أكثر‭ ‬المؤشرات‭ ‬الدالّة‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬البشري‭ ‬على‭ ‬الكوكب،‭ ‬وبأكثر‭ ‬من‭ ‬طريقة‭.‬

فبدايةً،‭ ‬كان‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬ابتكر‭ ‬تناول‭ ‬الدجاج‭ … ‬وتؤكد‭ ‬عالمة‭ ‬الجيولوجيا‭ ‬كاريس‭ ‬بينيت‭ ‬التي‭ ‬أعدّت‭ ‬دراسة‭ ‬تتمحور‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬أنّ‭ “‬لحوم‭ ‬الدجاج‭ ‬الحديثة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التعرف‭ ‬عليها‭ ‬مقارنة‭ ‬بلحوم‭ ‬أسلافها‭ ‬أو‭ ‬نظيراتها‭ ‬البرية‭”. ‬وتضيف‭ ‬إنّ‭ “‬حجم‭ ‬الجسم‭ ‬وشكل‭ ‬الهيكل‭ ‬العظمي‭ ‬وكيمياء‭ ‬العظام‭ ‬مختلفة‭ ‬كلها‭ ‬بين‭ ‬الدجاج‭ ‬الحديث‭ ‬وذلك‭ ‬القديم‭”. ‬وبعبارة‭ ‬أخرى،‭ ‬يمثل‭ ‬الدجاج‭ ‬الحديث‭ ‬دليلاً‭ ‬على‭ ‬قدرة‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ ‬تغييرات‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭. ‬ويعود‭ ‬أصل‭ ‬هذا‭ ‬الدجاج‭ ‬إلى‭ ‬أدغال‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬الديك‭ ‬البري‭ (‬غالوس‭ ‬غالوس‭) ‬أليفاً‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬ثمانية‭ ‬آلاف‭ ‬سنة‭.‬

ولطالما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬مرغوباً‭ ‬للحمه‭ ‬وبيضه،‭ ‬لكنّ‭ ‬عملية‭ ‬تحوّله‭ ‬المتسارعة‭ ‬حتى‭ ‬يصبح‭ ‬النموذج‭ ‬المنتشر‭ ‬في‭ ‬المتاجر‭ ‬بمختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬لم‭ ‬تبدأ‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭. ‬ويقول‭ ‬‮ ‬الأستاذ‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الأحياء‭ ‬القديمة‭ ‬لدى‭ ‬جامعة‭ ‬ليستر‭ ‬يان‭ ‬زالاسيفيتش‭ ‬إنّ‭ “‬التطوّر‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يستغرق‭ ‬ملايين‭ ‬السنين،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬استغرق‭ ‬إنتاج‭ ‬شكل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الدجاج‭ ‬بضعة‭ ‬عقود‭ ‬فقط‭”. ‬وترأس‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬فريق‭ ‬العمل‭ ‬المعني‭ ‬بالأنثروبوسين‭ ‬والذي‭ ‬خلص‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحقبة‭ ‬الجيولوجية‭ ‬أتت‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬بعد‭ ‬العصر‭ ‬الهولوسيني‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬قبل‭ ‬11700‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬العصر‭ ‬الجليدي‭ ‬الأخير‭. ‬ويشكل‭ ‬وجود‭ ‬الدجاج‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬دليلاً‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬تأثير‭ ‬البشر‭ ‬على‭ ‬الكوكب،‭ ‬فأينما‭ ‬وُجد‭ ‬البشر‭ ‬رُصدت‭ ‬بقايا‭ ‬لمصدرهم‭ ‬المفضل‭ ‬من‭ ‬البروتين‭ ‬الحيواني‭. ‬وتشير‭ ‬منظمة‭ ‬الأغذية‭ ‬والزراعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬العالم‭ ‬يضم‭ ‬نحو‭ ‬33‭ ‬مليار‭ ‬دجاجة،‭ ‬فيما‭ ‬تتخطى‭ ‬الكتلة‭ ‬الحيوية‭ ‬للدجاج‭ ‬غير‭ ‬البري‭ ‬تلك‭ ‬الخاصة‭ ‬بكل‭ ‬أنواع‭ ‬الطيور‭ ‬البرية‭ ‬مجتمعةً‭ ‬بثلاث‭ ‬مرات‭.  ‬ويُقتل‭ ‬يومياً‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬25‭ ‬مليون‭ ‬دجاجة‭ ‬لتُحوَّل‭ ‬لحومها‭ ‬إلى‭ ‬دجاج‭ ‬تيكا‭ ‬في‭ ‬البنجاب‭ ‬و‭ ‬أطباق‭ ‬ياكيتوري‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬وياسا‭ ‬في‭ ‬السنغال‭ ‬أو‭ ‬ناغتس‭ ‬في‭ ‬مطاعم‭ “‬كاي‭ ‬اف‭ ‬سي‭” ‬وماكدونالدز‭ ‬وغيرها‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭.‬

وعلى‭ ‬عكس‭ ‬لحوم‭ ‬البقر‭ ‬أو‭ ‬الخنازير‭ ‬التي‭ ‬تحرّمها‭ ‬بعض‭ ‬الأديان،‭ ‬يُستخدم‭ ‬الدجاج‭ ‬بشكل‭ ‬شبه‭ ‬عالمي‭.‬

وتقول‭ ‬بينيت‭ ‬التي‭ ‬تخلت‭ ‬عن‭ ‬دراستها‭ ‬الجامعية‭ ‬وانضمت‭ ‬إلى‭ ‬جمعية‭ ‬الرفق‭ ‬بالحيوان‭ “‬بيتا‭” ‬إنّ‭ “‬الدجاج‭ ‬هو‭ ‬مؤشر‭ ‬لكيفية‭ ‬تغير‭ ‬محيطنا‭ ‬الحيوي‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬يهيمن‭ ‬عليه‭ ‬راهناً‭ ‬استهلاك‭ ‬الموارد‭ ‬واستخدامها‭ ‬لصالح‭ ‬البشر‭”.‬

وتخلص‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ “‬الكتلة‭ ‬الهائلة‭ ‬من‭ ‬عظام‭ ‬الدجاج‭ ‬المرمية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬ستترك‭ ‬أثراً‭ ‬واضحاً‭ ‬في‭ ‬التحليلات‭ ‬الجيولوجية‭ ‬المستقبلية‭”.‬

مشاركة