الخلايا البشرية تتعطل إذا أمتصت جرعة

 

 

 

موجات ملّمتريّة قصيرة في مهمّات تقنيّة كبيرة

الخلايا البشرية تتعطل إذا أمتصت جرعة

عبد الرضا سلمان حساني

يغطّي طيف الموجات  الكهرومغناطيسيّة   نطاقاً واسعاً من التردّدات أو الأطوال الموجيّة تبدأ بترددات الكهرباء المعروفة وتصل  تصاعديّاً بأششعة گاما ذات الطاقة العالية.

وما بين هذه وتلك تقع موجات المايكروويڤ المستخدمة في الأفران المنزليّة بمواصفاتها الفنيّة وتتناقص بأطوالها الموجيّة

لتصبح ملّيمتريّة والتي تستخدم  في تقنيّات متقدّمة ومنها الجيل الخامس من الإتصال اللاسلكي عبر الهاتف الجوّال  والمقاييس الذكيّة.

ومن الجدير أن نذكر هنا  أنّ هذه المديات من التردّدات أو الأطوال الموجيّة قد أدرجت في جاول للحزم توصف بالحروف الأنجليزيّة ومنها على سبيل المثال (بزيادة التردد) الحزمة L  و S و C  و X وP  وK  وKa وU وV و W وغيرها ولكلّ تطبيقاتها وخصوصاً عندما يتطلّب التطبيق حزمة تردديّة معيّنة أو أكثر  بقدرات عالية كما هو الحال في مفاعلات توليد الطاقة الكهربائيّة بمنظومات بلازما الإندماج النووي وتسخين البلازما الحارّة فيها.

الهاتف الجوّال في أجيال:

في استعراض تاريخي مختصر للهاتف الخلوي،  نقول هنا بأنّ شركة موتوريلاّ   الأمريكيّة للإتصالاتكانت  السبّاقة في تصميم وإنتاج أول هاتف خلوي جوّال في العام 1973 وحينها كان بوزن كيلوغرامين للمقبض  اليدوي فقط. وعلى مدى السنوات الست اللاحقة، دخل هذا النموذج في مراحل تطوير ليستخدم بعدها في شبكة اتصالات لاسلكيّة في العام 1979 . ومابعدها. وهكذا  وفي عقد الثمانينات من القرن الماضي دخل الجيل الأوّل (1G)من الهواتف الخلويّة  الى الخدمة والذي سمّي بالطابوقة بسبب وزنه(كتلته). لم يكن هذا هاتفاً رقميّاً بل كان تماثليّاً مثل الهاتفالأرضي  المنزلي التقليدي،  وبرغم ذلك كان باهض الثمن في حينه.

بتاريخ 1984/3/13 وفي الولايات المتحدة الأمريكيّة،  بيعَ هذا الهاتف بسعر 3,995 دولاراً  حيث كان يمكن التحدّث  به لفترة  35 دقيقة فقط  وإحتاج فترة عشر ساعات لغرض شحن بطاريّته.  بعد ذلك شهد عقد التسعينات ظهور جيل  الهاتف الخلوي (2G)  والذي كان رقميّاً وإمتلك بالإضافة الى خدمة المكالمات خاصيّة امكانيّة إرسال رسالة نصيّة وإرسال صورة وجه مبتسم أيضاً.  وهنا نذكر أنّ الفرق الأساسي بين الجيلين أعلاه هو التحوّل الى النمط الرقمي في الإتصالات الخلويّة بالجيل الثاني.

وتستمر مسيرة البحث والتطوير والتصنيع لنصل الى  سنين العقد الأول من هذا القرن مابعد العام 2000 التي  شهدت  دخول الجيل الثالث

( 3G) الذي إتصف بخدمة إضافيّة وهي تصفّح الإنترنت. حمل هذا الجيل تقنيّة مدخل رزمة السرعة العالية (HSPA)  سواء في التحميل أو في إرسال  البيانات والمعلومات. آستعمل الجيل الثالث كذلك طريقة المداخل والمخارج المتعدّدة (MIMO) التي تتيح مضاعفة مقدرة الرابط الراديوي للتعامل مع البيانات وبموجب آلية تصاميم تعتمد المصفوفات وغيرها يعرفها مهندسوا الإتصالات بعد نشر ثقافة المصطلحات المستخدمة.

أمّا تقنيّة الجيل الرابع فقد ظهرت وإنتشرت في السوق بعد العام 2010 بخصائص تكنولوجيّة  ووسائل استعمال ورزمة المفاتيح التي جعلت من الهاتف الخلوي الجوّال بمثابة جهاز حاسوب جديد محمول باليد وهو  ما تشهده بعض دول العالم.

الجيل الخلوي الخامس 5G

وممّا تقدّم، نرى أنّ أجيال الهاتف الخلوي تتعاقب كلّ عشر سنوات تقريباً والذي يعني أنّ تسويق الجيل الخامس قد لاح في الأفق وسيكون هذا العقد هو عصره. وبإستقراء ما متوفر من معلومات حول الجيل الخامس، يمكن تدوين الخصائص التقنيّة الآتية:

1- إستخدام موجات راديويّة ملّمتريّة وهي أقصر بكثير من تلك الموجات  المتولدة في أفران المايكروويڤ المستخدمة في البيوت.

يكون تردد الموجات الملّمتريّة عالياًويمكن أن يتراوح بين 30-300 گيگاهيرتز  وهي حزمة تردديّة لها تطبيقات متقدّمة. وبسبب التطوّر الحاصل في تكنولوجيا الإتصالات والمعلومات  وتزاحم  استخدامات  طيف التردد الراديوي  الممتد  بين 1-6 گيگاهيرتز  في  الرادارات المختلفة والأقمار الإصطناعيّة الخاصة بالمناخ وجيليّ الخلوي 3G و 4G   والحزمات C  – S  -L وتطبيقات عسكريّة أخرى، فقد تم اقتراح  الطيف  الترددي  الواقع  بين 24- 100 گيگاهيرتز   للإستخدام في الجيل 5G.  وأضيف هنا أيضاً أن بعض ترددات الحزمة X    من 8 – 12 گيگاهيرتز تقريباً)  هي مخصّصة للبث الفضائي عبر أقمار إصطناعيّة حاليّة.

سيكون هذا الجيل مائة مرّة أسرع من الذي قبله ويمتلك  سعة معالجة (إنتاجيّة) 10-20 گيگابايت في الثانية، وهذا يعني يمكن تحميل فلمين أو ثلاثة افلام عالية الجودة نوع DVD في ثانية واحدة.

إنّ خاصّية التردد العالي تعني أيضاً  تحميل وتبادل بيانات  أكثر  خلال الهوائيّات المستخدمة في هذه التقنيّة.

  1. 2. تستعمل هوائيّات متعددة من نمط MIMO

كما أسلفنا في أعلاه.

هناك علاقة تناسبيّة عكسيّة بين قبمة تردد الموجة الراديوية وأبعاد الهوائي المستخدممعها للإرسال والإستلام ، وهذا يعني أنّ موجات الخلوي

5G    تتطلّب هوائيّات صغيرة الأبعاد لأنّ ترددها عالي. فمثلاً  عندما يتطلّب تشغيل خلية مجموعة هواتف جوّالة بترددات واطئة(قبل الجيل الخامس)عشرة هوائيّات، فإن نفس الخليّة تحتاج مائة هوائي لكي تشتغل بترددات الجيل الخامس(أبعاد أصغر كما ذكرنا ) وهذا يعني زيادة كبيرة في عدد المشتركين ضمن خليّة واحدة صغيرة.

  1. 3. مثلما للموجات الملّمترية فوائد، توجد لها مساوىء أيضاً. ومن هذه المساوىء أنّها سهلة الإعاقة من قبل الحواجز والبنايات والأشجار وهذا يعني أن إشارات الموجات الملّمتريّة تفقد طاقتها بسرعة وأحياناً  توقف انتقالها عند  هذه الحواجز ممّا يؤدي الى تقصير مسافات التغطية. للتغلّب على هذه المعضلة، يتطلّب وضع محطات لخلايا صغيرة  تملأ  الفجوات غير المغطّاة بين القاعدة الرئيسيّة وهذه الخلايا في المناطق السكنيّة المأهولة حيث يعتمد عدد هذه الخلايا الصغيرة والمسافات بينها على الكثافة السكّانية هناك. فمثلاً  في  محلّة صغيرة مكتضّة بالساكنين يمكن أن تتراوح المسافة بين الخلايا الصغيرة 100-10 مترً، وهذا سيجعل خلايا هواتف الجيل الخامس متوزعة في الطرقات حول البيوت وهو

ما سيكون مألوفاً في المستقبل بعد ترخيص جهات السلامة الصحّة بذلك.

  1. 4. عنوان آخر من الخصائص وهو مايسمّى بتشكيل حزمة موجيّة.

في الجيل الرابع وبسبب انتقال الإشارة وإنتشارها في كل الجهات، تتعرّض طاقتها الى النقصان  بسرعة وكذلك حدوث تداخل بين اشارات هواتف المشتركين  اذا كانوا متقاربين، وعليه فإنّ تشكيل هذه الحزمة يجعل انتقال الاشارة بين المشتركين والمحطة أكثر إتجاهيّاً. ويمكن تخيّل الحالة وكأنّها حزمات ليزر تنتقل بشكل دقيق وكفء بين أجهزة هواتف المشتركين دون تداخل.

وبمعنى آخر، كلّما كانت كثافة تشكيل الحزمة عالية، فهذا يعني تداخل أقل واستهلاك طاقة أقل وزيادة في معدل  سرعة  ارسال وإستلام البيانات المختلفة.

  1. 5. طبيعة ونمط المدخل المتعدّد بتعامد او غير متعامد والذي يعتمد في الأجيال الثلاثة الأولى على التردد والزمن ووجود شفرة وهذه تسمح بدخول كل مشترك الى المحطة الرئيسيّة. أما في الجيل الرابع فيمكن أن تشترك اشارات مختلفة في نفس الوقت الى نفس القناة وبمعدل عالي. وبطريقة الدخول غير المتعامد يمكن الفصل بين الڤديوات مثلاً (شطر التطبيق) حتى لاتتداخل وتصبح مملّة.(هناك تفاصيل هندسيّة اختصاصيّة).
  2. خاصيّة يتّصف بها ومهمة في الجيل الخامس التعامل مع الموارد أو ما ترجمته (حاسب حافة الجوّال MEC). والمقصود بالموارد هنا  مثل المعالِجات والبرامجيات والخزن والتي تتظلّب مشاركات وأداء مركزي أو ماوزع لوجود مسافات في التعامل والتي تصنع الفوارق.

لماذا الصراع حول الجيل الخامس  5G؟

على مدى العقود الخمسة الماضية، واكب مستخدموا الهواتف الخلويّة أنماطاً مصنّفة كأجيال. ولكنّ للجيل الخامس ميزة إضافيّة الى ملذكرنا وهي أنّه بدا واجهة صراع بين الصين وإميركا لإسباب تتعلّق بخصائصه.

فكما أسلفنا، يحتاج  G5 الى تنصيب هوائيّات اكثر

(مثلاً 300 الف هوائي في اميركا لوحدها والذي يعادل العدد  الكلي الذي تم تنصيبه في ثلاثة عقود).

ولأنّه أسرع بكثير من الجيل الرابع الذي سبقه،  فإنّه سيغيّر العالم في مناحي متعدّدة وأنماط الحياة مابين السيّارة الذكيّة ومنازل السكن التي ينجزها الذكاء الإصطناعي وربط ملايين الأجهزة على أراضي دول العالم والتي تتصل مع بعضها في مهام  كفوءةكثيرة تصل الى تواصل اجراء عمليات جراحية مشتركة كبيرة عبر الشبكة وبنمط جديد بدون تقطّعات او توقّفات اا في الصوت ولا في الصورة.

إذن من يسيطر على 5G فإنّه سيربح  ثلاثة ملايين فرصة عمل ويشغّلها في بلده أميركا أو الصين وسيربح مبلغاً قدره 500 مليار  دولار عن بيع منتجات وسلع اتصالات ذات علاقة.  أمّا العامل الأهم في المنافسة، فإنّ من يربح هذا الجيل سيكون بمقدوره السيطرة على اتصالات دول العالم والدخول والتنصّت والتجسّس وكلّ شيء حتى القدرة على منع انسياب البيانات والمعلومات التي يعتمد عليها العالم أجمع. وعليه، اميركا تريد ان تتنصّت على العالم والصين تريد كذلك والأداة لذلك هو تقنيّة 5G وكلاهما له شركة تطوّر هذه التقنيّة لتكون هي الرائدة.

التأثيرات  الصحيّة والأعراض المألوفة:

على مدى مائةعام، تركّزت معظم الدراسات العلميّة  على التأثيرات البايولوجيّة للإشعاع المؤيّن على خلايا جسم الإنسان ( موجات الجوّال هي غير مؤيّنة). وفي الإشعاع اامؤيّن هناك مايسمى بالجرعة التي اذا ماإمتصّتها الخليّة يمكن أن تتعطّل عن اداء وظيفتها ومن ثمّ تصلّح نفسها تلقائيّاً   لتصبح طبيعيّة، أو يحتل أن تتبدّل وتتحوّل الى خليّة سرطانيّة، والإحتمال الثالث هو موت الخليّة.  ولكي نتجنّب الإلتباس في ما ينتشر بين الجمهور حاليّاً،  أكرّر القول بأنّ هذا يحدث فقط عند التعرّض للإشعاعات المؤيّنة مثل النووية وأشعة –  * وفوق البنفسجيّة بطاقتها العالية. يعني الإشعاع الذي طوله الموجي بأبعاد نوويّة(أو ذريَة) يكون مؤذياً في حين تكون الموجات الراديويّة أطول بكثير وهي غير مؤيّنة.

في بحثها المنشور عام 2014 ًعن المقاييس اللاسلكيّة الذكيّة ضمن مقاطعة ڤكتوريا الأستراليَة، لخّصت الدكتورة فردريكا لامچ ظهور أعراض مألوفة وكما ترجمتُها :

– الأرق  / إضطرابات النوم

– الصداع

– رنّة في الأذن / طنين

– عناء أو إجهاد

– إضطراب معرفي أو  في التذكّر.

– مزاج حاد وإستثارة مفرطة.

وفي إطار  وجهات نظر  لبحوث أخرى والتي ماتزال تحتاج الى تجارب مستفيضة، فإنّ التعرّض المباشر لكثافة قدرة عالية من الترددات  الراديويّة ( تصل الى 100 واط/ مساحة معينة من الجسم)، يمكن أن يسبب شيئاً بسيطاً من الغثيان وهذه استنتاجات مبنيّة على بيانات إحصائيّة خاصة بالعاملين في محطات الإرسا الراديوي  يمكن ان تتغيّر من مكان الى آخر (بيئة) ومن إنسان لآخر وكذلك ظروف المناخ(فصول السنة).

مايمكن قوله ومن وجهات نظر منطقيّةسريعة هو لابدّ من وجود تأثيرات جانبيّة لكلّ شيء في أنماط  العيش ووسائلها وتفاعلات الطاقة هي واحدة من صورها.

وهنا لابدّ من طرح سؤال فحواه ( هل نقرأ بدقة الكرّاسات الموضوعة مع الأجهزة التي نشتريها وخصوصاً الجزء الذي يحتوي التحذيرات؟ أو هل قرأنا كرّاس التشغيل المرافق للهاتف الجوّال وإستوعبنا مافيه حتى نستطيع أن نستنتج بأنفسنا  ممّا يتحدّث البعض عن أداء الهاتف ومديات طاقته وحزمته التردديّة وغيرها؟).

هذه هي واحدة من المجسّرات التي تمتد بين التكنولوجيا والإنسان لكي تكون تحت تصرّفه في جميع أركان عمله من مطبخ البيت الى مختبرات الدراسات في الجامعات والمصانع مروراً بخدمات الشارع والتنقّل ومناقلة الأشياء والحديث يطول.

إنّ أجسامنا ومن وجهة نظر العلم  هي (كهربائيّة) وتتعرّض الى مستويات متباينة من المجالات الكهرومغناطيسية مصدرها أجهزة (واي فاي) أو الهوائيّات وإنّ خلايانا العصبيّة مثلاً تتواصل بوظائفها عن طريق اشارات صغيرة جداً.  لذلك فإنّ البحث العلمي التجريبي

الدقيق والمختص هو الذي يوصي بطبيعة التأثيرات البايولوجيّة للإشعاع

 الكهرومغناطيسي غير المؤيّن والذي تؤدي به أجهزة الخلوي الجوّال وظائفها. وهنا يمكن أن إقول مثلاً لابدّ أن نبعد الجهاز عنّا ولو  لسنتمترين أو ثلاثة في الأقل عند التحدث وأبعد من ذلك أثناء  عدم الاستخدام تأسيساً على ماورد في أعلاه وعلى الباحثين والإختصاصيين ان يضعوا مناهج ومفردات مقررات تدريسيّة وبحثيّة وربّما إحصائيّة(المختصّون الحقيقيّون من ذوي الخبرة وبدون تخصيصات ماليّة).

سطور الختام:

بيروت، ماذا نقول ؟

وهل  صوت  ملح البحر

يُسمع؟

جراحات على مدى الركام

تجول

والقلب في عينيكِ

هذا اليوم يدمع!

{ أكاديمي عراقي-عضو معهد الفيزياء في المملكة المتحدة.

مشاركة