ابراهيم البهرزي
إن أجمل الخسائر التي تلحق بالإنسان هي تلك التي تنتج عن اختلاف في الرأي !
كم هو جميل ان يغادرك شخص لأنه لم يحتمل رأيك ، شخص توهمته (أو توهمك !) رحب الصدر ،مرن العقل ،طويل البال في الجدال فإذا هو يسقط من اختلاف بسيط ويغادر .
كلما تقدمت بِنَا الاعمارنحتاج لتقليل الحمولة التي حملتنا بها الحياة ، للتخلص من اوهام كثيرة ارتضينا حملها في سنوات الفتوة حيث في الصدر متسع للفضول .
شيئا فشيئا يفقد الفضول لذته حينما تستنفد الاشياء معانيها ولا يعود الكثير منها غير تكرار لا يحتمل ،تكرار يحتاج لحجة بسيطة لقطع دابره ،وافضل شيء ان تأتي أسباب القطيعة هذه من عدم تحمل الاّراء المخالفة .
قل لهم بكل ارتياح : الله معكم !
لقد كان الطريق موحشا بكم وسيظل كذلك بعدكم ..
فالوحشة لم تكن بسبب الرفقة إنما بسبب الطريق نفسه .
في بقايا الطريق يقل الرفاق وكلما قلوا اكثر استقامت الخُطى وخفَّ الاضطراب والغبار وصار للغناء مع النفس حلاوة وبهجة .
هل جربتم صغارا تلك البهجة ؟
كنّا حين نعود من الحقول او البساتين فرادى وتعتم الدروب وتتصايح الثعالب والكلاب ويلامس الخوف أعطافنا النحيلة الراعشة نرفع عقيرتنا بالغناء لتفادي وحشة الخوف .
هكذا علمونا!
اذا اوحشتك الدروب وكنت وحيدا فغن ِّ
ارفع الصوت بأقصى ما تستطيع وغن ِّ
لا شيء يطرد الخوف كالغناء
وإن خسرت فغن ِّ
لاشيء يعوض الخسارة غير الغناء
رغم ان هناك خسائر لاتحتاج لان تعوضها ،فهي مجرد أعباء اثقلت كواهلنا بها سوء تصاريف الزمان .
الى عهود قريبة كان العراقي في الريف او المدينة ، في الحقل او الحانة ، يدندن او يرفع عقيرته عاليا بالغناء اذا ما داهمته الوحدة او الوحشة
لكن مع شيوع الغناء الجماعي كتقليد زائف صار العراقي يستحي ان ينفرد بالغناء مع نفسه
لقد خسرنا أصواتنا الدافئة الحميمة في لجة الغناء الجماعي الذي تضيع شجونه وأحزانه في فرحه وتصخابه فلا يعرف الواحد أحزين هو ام سعيد ؟، هو يغني مع الآخرين بعيدا عن مشاعره المفقودة بين امواج النشاز .
كم كان الامر بحاجة الى حميمية هامسة منفردة تقطع كل وحشة الزمان
حميمية عزّت على الواحد منا في زمن الانكشاف اللزومي ،فعاد لكل همسةٍ صدى ولكل آهةٍ كومبارس ولكل نجوى مكبر صوت:
وإذا صَفا لكَ من زمانِكَ واحِدٌ ..
فهو المُراد وعِش بذاكَ الواحدِ.
باسل ٌ ومغوار ٌ أنت يا ابن الفارض !